بعض المواد الكيميائية قد تزيد من خطر الإصابة بكورونا

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قبل عام تقريباً من ظهور فيروس كورونا، نشر الدكتور «ليوناردو تراساندي» كتاباً بعنوان «Sicker, Fatter, Poorer» يتحدث فيه عن العلاقة بين الملوثات الكيميائية في البيئة والكثير من الأمراض المزمنة الأكثر شيوعاً. عرض في كتابه حصيلة أبحاثٍ جرت على مدى عقودٍ من الزمن تُظهر كيف أن المواد الكيميائية المسببة لاضطرابات الغدد الصماء -التي توجد في حياتنا اليومية ويتعرض لها الجميع تقريباً- تتداخل مع الهرمونات الطبيعية في أجسامنا، وكما يلخّص عنوان الكتاب عواقبها، تجعلنا أكثر بدانة وفقراً ومرضاً.

وبينما نتعلّم المزيد عن فيروس كورونا، تكشف الأبحاث حقائق بشعة حول الآثار الاجتماعية والبيئية على الصحة، بما في ذلك كيف أن نفس الأمراض المزمنة المرتبطة بالتعرض للمركبات المسببة لاضطرابات الغدد الصماء؛ تزيد أيضاً من خطورة الإصابة بفيروس كورونا.

ففي الولايات المتحدة، كان هناك ارتفاع حاد في معدل الإصابة بالأمراض المزمنة بداية عام 2020، وفي الوقت نفسه، وفي ظل تدني الوضع الصحي في البلاد، دخلت البلاد في جائحة كورونا. وفي هذا السياق، تظهر الآن أدلة جديدة تشير إلى الدور الذي تلعبه الجودة البيئية (مصطلح يشير إلى مجموعةٍ من الخصائص البيئية المعممة أو الموضوعية التي تؤثر على الكائنات الحية) في تعرّض الناس لمخاطر مرض كوفيد-19.

لماذا تُعتبر المواد الكيميائية التي تؤثر على الغدد الصماء مشكلة؟

المركبات المسببة لاضطرابات الغدد الصماء، ويُشار إليها بالـ «EDCs»، هي مجموعة واسعة من المواد الكيميائية التي يمكن أن تتداخل مع الهرمونات الطبيعية في الجسم بطرقٍ تضر بصحة الإنسان. وهي تشمل مواد بيرفلوروالكيل وبولي فلورو ألكيل، والمعروفة باسم «PFAS»، ومثبطات اللهب (مواد كيميائية تضاف إلى المواد المصنّعة مثل اللدائن والأنسجة من أجل تثبيط أو منع أو تأخير اشتعالها في حال حدوث حريق)، والملدنات، ومبيدات الآفات، ومنتجات مضادات الميكروبات والعطور وغيرها.

يشيع استخدام هذه المواد في الحياة المعاصرة بكثرة. حيث توجد في مجموعة واسعة من السلع الاستهلاكية وتغليف المواد الغذائية ومنتجات العناية الشخصية، ومستحضرات التجميل، وتدخل في العمليات الصناعية والزراعية، ومن هناك، تصل في النهاية إلى الهواء والماء والتربة والغذاء.

أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يتعرضون لمواد EDCs هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة باضطرابات التمثيل الغذائي، مثل السمنة ومرض السكري من النوع الثاني، وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، ويميلون إلى تطوير أمراضٍ متعلقةٍ بالقلب والأوعية الدموية.

يمكن لهذه المواد الكيميائية أن تتداخل أيضاً مع وظيفة الجهاز المناعي الطبيعية، والتي تلعب دوراً مهماً في مكافحة الأمراض، ويضعفها. وفي هذا الصدد، يمكن أن يسهم ضعف المناعة في التسبب بأمراض أخرى، مثل مشاكل الرئة كالربو، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وأمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، ومرض كرون واضطرابات التمثيل الغذائي. كما تُظهر الأبحاث أن العديد من هذه المواد ترتبط بأنواعٍ مختلفة من السرطان.

مواد EDCs يمكنها محاكاة الهرمونات البشرية

تؤثر المركبات المسببة لاضطرابات الغدد الصماء على صحة الإنسان من خلال محاكاة هرموناتنا الطبيعية. في الواقع، الهرمونات هي موادٌ كيميائية تفرزها غدد الجسم تستخدمها خلايا الجسم للتواصل مع بعضها البعض. على سبيل المثال، تساعد الهرمونات التناسلية -التستوستيرون والاستروجين- في تمايز وظائف أعضاء التكاثر لدى الذكور والإناث، لكن هذه الهرمونات تساهم أيضاً في ضبط أغلب وظائف الجسم الأساسية، بما فيها التمثيل الغذائي وضغط الدم الصحي وسكر الدم والالتهابات.

يخلط الجسم بين مركبات EDCs وبين الهرمونات الطبيعية؛ نظراً لتشابه شكليهما وتركيبهما الكيميائي. ونظراً لأن جسم الإنسان يمكن أن يستجيب لكمياتٍ قليلةٍ للغاية من الهرمونات، لذلك قد يكون لحالات التعرض الصغيرة جداً للمركبات المسببة لاضطرابات الغدد الصماء EDCs آثار سلبية وخيمة على صحة الناس.

مقارنة بين هرمون الاستراديول الأنثوي (على اليسار)، ومركّب بيسفينول إيه (على اليمين)، أحد مركبات EDCs المستخدمة في العبوات البلاستيكية لتخزين الأغذية والمشروبات – الصورة: ويكيميديا

 

الجودة البيئية ومرض كوفيد-19

بدأ العلماء مؤخراً بإجراء أبحاثٍ لاستكشاف كيفية تأثير «الجودة البيئية» في مخاطر مرض كوفيد-19، وما زال هناك الكثير لنعرفه عن هذا الأمر. ومع ذلك، يعتقد العلماء أنه يمكن لمواد ECDs أن تلعب دوراً في زيادة مخاطر التعرّض لمرض كوفيد-19، وذلك بناءً على أدلةٍ علمية واضحة سابقة تشير إلى أن هذه المواد تزيد من تعرّض الناس إلى الأمراض المزمنة.

تعتبر المنظمات الصحية العامة، مثل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، ومنظمة الصحة العالمية، رسمياً بأن الأمراض المزمنة، مثل السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية، وضعف المناعة وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة والسرطان؛ جميعها عوامل تزيد من خطر التعرّض لمرض كوفيد-19.

وتظهر الأدلة العلمية أن التعرض لمركبات EDCs يزيد من خطر الإصابة بهذه الأمراض. ومن هذا المنطلق، يبحث العلماء في هذه الروابط، ويجرون المزيد من الأبحاث بغية الإجابة على الأسئلة التي تبرز في ظل الجائحة الحالية حول كيفية تأثير المواد الكيميائية المعيقة لعمل الغدد الصماء على الجائحة.

تلوث الهواء والمخاطر البيئية الأخرى

بالإضافة إلى مركبات EDCs، من المرجح أيضاً أن تلعب الظروف البيئية الأخرى دوراً في جائحة فيروس كورونا. فقد أبلغت دراساتٌ عدة عن ارتباط خطورة مرض كوفيد-19 وارتفاع الوفيات بعامل تلوّث الهواء، وتتوافق نتائج هذه الدراسات مع نتائج دراساتٍ سابقة جرت في أعقاب فاشية مرض السارس في عامي 2002 و 2003.

اقرأ أيضاً: كيف يتسبب تلوث الهواء في زيادة خطورة جائحة فيروس كورونا؟

تظهر الأدلة الحديثة أيضاً أن عدوى فيروس كورونا يمكن أن تؤدي إلى مشاكل صحية طويلة الأمد، بما في ذلك تلف القلب. بالمقابل، تشكل الظروف البيئية مثل موجات الحرارة المرتفعة خطراً كبيراً على المصابين بمشاكل القلب. ويمكننا أن نرى بوضوحٍ، في أماكن مثل كاليفورنيا التي تشهد حالياً موجاتٍ من الحرائق وارتفاع الحرارة، كيف يمكن أن تزيد الظروف البيئية المتطرفة المختلفة خطر الوفيات المرتبطة بمرض كوفيد-19.

في الواقع، أدت اللوائح والقوانين الناظمة في الولايات المتحدة، مثل قانون المياه النظيفة وقانون الهواء النظيف، إلى تحسين الجودة البيئية وصحة الإنسان منذ السبعينيات، إلا أن إدارة ترامب تحاول تجاوز هذه القوانين وإضعاف أثرها. ففي خلال 3 سنوات ونصف، أي منذ تولي ترامب الرئاسة، حُذف حوالي 35 بنداً -أو يجري العمل على حذفها حالياً- من القواعد واللوائح البيئية المتعلقة بجودة الهواء، أو المواد السامة مثل مركبات EDCs، وذلك بالرغم من الأدلة الواضحة الواضحة التي تبين أثر تدهور جودة البيئة على صحة الإنسان.

إن التخفيف من القيود المتعلقة بالحفاظ على الجودة البيئية من شأنه أن يؤدي إلى مزيدٍ من التلوث، والذي يهدد بدوره بتفاقم الأمراض وزيادة الفقر في الولايات المتحدة في الوقت الذي نحتاج فيه إلى مستوى من الصحة العامة، يسمح بمرونة المجتمع في مواجهة فيروس كورونا، والتحديات الصحية العالمية في المستقبل.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً