علماء جيولوجيون يبتكرون طريقة فريدة للتنبؤ بموعد انفجار البراكين

علماء جيولوجيون يبتكرون طريقة فريدة للتنبؤ بموعد انفجار البراكين
ثار بركان سييرا نيجرا في جزيرة إيزابيلا بالإكوادور آخر مرة في 26 يونيو/حزيران عام 2018. يعد البركان الذي يبلغ ارتفاع فوهته 1124 متراً أحد أكبر البراكين الموجودة على هذا الكوكب. زافير جراسيا/جيتي إميجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 26 يونيو/حزيران 2018، اهتزت الأرض تحت السلاحف العملاقة النائمة في جزيرة إيزابيلا الواقعة ضمن جزر غالاباغوس. بعد ذلك بوقت قصير، بدأ بركان سييرا نيجرا الذي يشرف على الجزيرة في الثوران. وعلى مدار الشهرين التاليين، قذف البركان حمماً تكفي لتغطية مساحة تبلغ نحو 50 كيلومتراً مربعاً.

توقعات دقيقة بثوران البركان

لم يكن هذا أول ثوران لبركان سييرا نيجرا، فقد ثار سبع مراتٍ أخرى على الأقل خلال القرن الماضي لوحده. لكن ما يميز ثوران عام 2018 هو أن الجيولوجيين قد توقعوا تاريخ حدوثه بالفعل في وقت سابق من يناير/كانون الثاني، وكادوا أن يتنبؤوا بتاريخ ثورانه باليوم.

كانت توقعات محظوظة بلا شك. في ورقةٍ بحثية نُشرت في مجلة “ساينس أدفانسيس” اليوم، يكشف الباحثون سبب دقة تقديراتهم، وكيف يمكنهم إجراء عمليات المحاكاة بشكلٍ صحيح مرة أخرى. سييرا نيجرا هو مجرد بركان واحد في أرخبيل يقطنه قلة من السكان، ولكن عندما يعيش الملايين من السكان حول العالم في مناطق خطر بركاني، فإن تطبيق هذه المحاكاة على براكين أخرى يمكن أن تنقذ عدداً لا يحصى من الأرواح.

اقرأ أيضاً: لأول مرة اكتشاف نشاط بركاني نشط على كوكب الزهرة

تقول باتريشيا جريج، عالمة الجيولوجيا في جامعة إلينوي في أوربانا شامبين وأحد مؤلفي الورقة: «لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، ولكن توقع موعد ثوران البركان قد يصبح حقيقة واقعة في العقود القليلة القادمة».

يشبه التنبؤ بالثورات البركانية التنبؤ بالطقس. نظراً لوجود العديد من المتغيرات والأجزاء المتحركة، يصبح من الأصعب أكثر رسم صورة للمشهد أثناء محاولة التنبؤ بعيداً عبر المستقبل. يمكن أن تثق بالتوقعات ليوم غد، ولكن قد لا تعير اهتماماً بالتوقعات للأسبوع القادم.

لذلك كانت جريج وزملاؤها محظوظين جداً بتوقعهم ثوران بركان سييرا نيجرا قبل خمسة أشهر من حدوثه. على الرغم من أن البركان بدأ بالفعل بالثوران في الموعد الذي حددوه، مع ارتفاع النشاط الزلزالي، يتفق المتنبئون أنفسهم على أنها كانت مقامرة.

تقول جريج: «كان من المفترض أنها مجرد تجربة فقط. لم نثق كثيراً بدقة توقعاتنا في الواقع».

لكن سييرا نيجرا كان بمثابة مختبر مثالي لضبط التنبؤات للبراكين الأخرى. نظراً لأن هذا البركان يثور مرة كل 15 أو 20 عاماً، فإنه يخضع للكثير من الدراسات، حيث يقوم علماء من الإكوادور ومن جميع أنحاء العالم بمراقبته باستمرار. بحلول عام 2017، كانت أدوات العلماء قادرةً على التقاط أصوات الهدير الخافتة المتكررة التي تنذر بانفجار وشيك للبركان في المستقبل.

يدرك العلماء أن البراكين، مثل سييرا نيجرا، تنفجر من الأعلى عندما تتراكم الصهارة في الخزان في الأسفل. مع تزايد ضغط الصهارة على الصخور المحيطة، تتعرض الأرض تحت البركان لضغط متزايد. في مرحلةٍ ما، يجب أن يتحرر هذا الضغط من مكانٍ ما. فتتكسر الصخور وتبدأ الصهارة في الخروج. إذا تمكن علماء الجيولوجيا من فهم كيفية تكسّر الصخور بالضبط، فيمكنهم التنبؤ بموعد حدوث نقطة الانهيار هذه.

آلية التنبؤ اللاحق

اعتمدت جريج وزملاؤها على طرق مألوفة للمتنبئين بالطقس أو المناخ، حيث قاموا بدمج بيانات الرصد الخاصة بالنشاط الأرضي للبركان مع تنبؤات من عمليات المحاكاة. ثم استخدموا صوراً رادارية للتضاريس حول سييرا نيجرا مأخوذةٍ من الأقمار الصناعية لمراقبة كيف تؤثر الصهارة المتضخمة على شكل الخزان، وقاموا بتشغيل النماذج على أجهزة الكمبيوتر العملاقة لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك.

اعتماداً على كيفية تضخم الصهارة بحلول يناير/كانون الثاني عام 2018، أشارت توقعاتهم إلى ثوران محتمل بين 25 يونيو/حزيران و5 يوليو/تموز. استمرت المستويات في الارتفاع بنفس المعدل خلال الأشهر التالية وبدأ الثوران في 26 يونيو/حزيران، أي في الموعد المحدد.

تقول جريج: «لو أن شيئاً ما تغير خلال تلك الأشهر، لم تكن توقعاتنا لتنجح».

يقول أندرو بيل، الجيولوجي بجامعة إدنبرة، والذي درس بركان سييرا نيجرا لكنه لم يكن مؤلفاً مشاركاً في الدراسة: «يجب أن تنطوي المصادفة المحضة لتوقعات المؤلف مع بداية الثوران على بعض الحظ، لكن ذلك في حد ذاته يخبرنا بشيءٍ ما».

علماء جيولوجيون يبتكرون طريقة فريدة للتنبؤ بموعد انفجار البراكين
يبدو أن بركان سييرا نيجرا في حالة هدوء. ديبوزيت فوتوز

لذلك قامت جريج وزملاؤها في السنوات التي تلت ذلك بإعادة النظر في حساباتهم لتحديد الشيء الذي قاموا به بشكلٍ صحيح، وما قد يكون هذا الشيء بالضبط. فأجروا المزيد من عمليات المحاكاة باستخدام البيانات من الثوران الفعلي لمعرفة مدى قربهم من الواقع.

وجد الفريق أن تراكم الصهارة ظل ثابتاً نسبياً خلال الجزء الأول من عام 2018. وبحلول أواخر يونيو/حزيران، مارس الخزان ضغطاً كافياً على قاعدة البركان لإحداث زلزال قوي معتدل. يبدو أن ذلك كان القشة الأخيرة التي أدت إلى تشقق الصخور والسماح للصهارة بالتدفق من خلالها.

تُسمى هذه الممارسة المتمثلة في محاكاة الظواهر التاريخية للتحقق من دقة نماذج التنبؤ أحياناً بـ”التنبؤ اللاحق” في علم الأرصاد الجوية. فحصت جريج وزملاؤها ثورات البراكين القديمة من سومطرة وألاسكا وتحت الماء قبالة ساحل كاسكاديا.

ولكن هل من الممكن استخدام نفس تقنيات التنبؤ في مناطق مختلفة من العالم؟ كل بركان فريد من نوعه، ما يعني أنه يجب على الجيولوجيين تعديل نماذجهم لكل بركان. من خلال القيام بذلك، وجد مؤلفو دراسة سييرا نيجرا بعض القواسم المشتركة في كيفية ترجمة حركات الأرض للتنبؤ باحتمال حدوث ثوران بركاني.

سيستفيد العلماء من تحسين نماذج التنبؤ أيضاً في تعلم المزيد عن العمليات الفيزيائية تتسبب في إصدار البراكين لأصوات الهدير أثناء محاولتهم ملاءمة عمليات المحاكاة لظروف العالم الحقيقي. يقول بيل: «إن إجراء تنبؤات كمية حقيقية قبل وقوع الحدث يمثل تحدياً، ولكن من المهم المحاولة».