الموصل الفائق أحادي الاتجاه: خطوة نحو تحسين غير مسبوق في كفاءة استهلاك الطاقة

هل يصبح الموصل الفائق أحادي الاتجاه حقيقة واقعة؟
صورة فنية لرقاقة إلكترونية فائقة التوصيل. حقوق الصورة: جامعة ديلفت.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخيل لو كان بإمكان جهاز الكمبيوتر الخاص بك أن يعمل بتيار كهربائي يتدفق باستمرار دون أن ترتفع درجة حرارته. هذا ليس سحراً: إنه المستقبل المحتمل لظاهرة فيزيائية حقيقية تسمى الموصلية الفائقة، والتي أصبحت الآن الأساس للعديد من المجالات اليوم بدءاً من الأبحاث المغناطيسية المتطورة إلى التصوير بالرنين المغناطيسي.

موصل بتدفق كهربائي أحادي الاتجاه

اكتشف العلماء الآن أنهم يستطيعون صنع موصل فائق يختلف عن الموصلات الأخرى التي ظهرت من قبل. يسمح هذا الموصل بتدفق الكهرباء في اتجاه واحد فقط، كالقطار الذي يتجه إلى أسفل المنحدر حين ينزلق بحرية في اتجاه واحد، ولكنه يواجه صعوبةُ عندما يصعد في الاتجاه الآخر. قد يبدو الأمر غامضاً، لكن هذه القدرة ضرورية لصنع دوائر إلكترونية شبيهة بتلك التي تشغل جهاز الكمبيوتر الخاص بك. إذا صمدت نتائج هؤلاء العلماء، يمكن أن يحدث تصنيع هذه الموصلات الفائقة في وقتٍ أقرب في المستقبل.

يقول مظهر علي، الفيزيائي في جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، وأحد المؤلفين الذين نشروا عملهم في دورية «نيتشر» في 27 أبريل/نيسان 2022: «هناك الكثير من الاحتمالات العظيمة الآن».

تتعارض الموصلية الفائقة مع الطريقة التي من المفترض أن تعمل بها الفيزياء. عادةً عندما يتدفق التيار الكهربائي على طول السلك، تواجه الإلكترونات الموجودة بداخله مقاومة شديدة بسبب تلامسها واصطدامها بالذرات التي يتكون منها السلك. فيضيع قسم من الطاقة الكهربائية غالباً على شكل حرارة في هذه العملية، والتي تعتبر المسؤولة إلى حد كبير عن الإحساس بسخونة الأجهزة الإلكترونية. ولذلك تأثير كبير على كفاءة الأجهزة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يكون صدأ المعادن وسيلة لتخزين الطاقة الكهربائية؟

ولكن عندما تقوم بتجميد مادة موصلة للكهرباء إلى درجة كبيرة، ستصل إلى ما يسميه العلماء درجة الحرارة الحرجة. تعتمد درجة الحرارة الحرجة الدقيقة على المادة، ولكنها عادة ما تكون منخفضة جداً وأعلى بقليل من الصفر المطلق، وهي أبرد درجة حرارة تسمح بها قوانين الفيزياء. عند النقطة الحرجة، تنخفض مقاومة المادة إلى الصفر وظيفياً، وبذلك تكون قد قمت بإنشاء موصل فائق.

كيف يبدو التيار الذي لا يواجه مقاومة؟ سيتدفق التيار الكهربائي عبر السلك، نظرياً إلى الأبد، دون أن يتبدد على شكل حرارة. هذا بحد ذاته إنجاز مذهل في مجال الفيزياء، حيث لا يمكن أن تكون الحركة الدائمة ممكنةً.

“إنه يتناقض مع فهمنا الحالي حول كيفية حدوث الموصلية الفائقة في اتجاه واحد”.

مظهر علي

اكتشفت ظاهرة الموصلية الفائقة السحرية هذه عام 1911 بواسطة طالب في هولندا. واليوم، يستخدم العلماء الموصلية الفائقة لمراقبة الحقول المغناطيسية بالغة الصغر، كتلك الموجودة داخل أدمغة الفئران. من خلال لف الأسلاك فائقة التوصيل حول المغناطيس، يمكن للمهندسين إنشاء مغانط كهربائية منخفضة الاستهلاك وعالية الطاقة يمكن الاستفادة منها في تشغيل العديد من الأجهزة بدءاً من أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي في المستشفيات وحتى الجيل التالي من القطارات السريعة اليابانية.

ربما لم يخطر ببال علي وزملائه الاستفادة من الموصلات الفائقة في مجال القطارات السريعة عندما بدؤوا بحثهم. يقول علي: «في الواقع، لم تتعامل مجموعتي مع هذا البحث بهدف تحقيق الموصلية الفائقة في اتجاه واحد».

بدأت مجموعة علي منذ عدة سنوات التحقيق في خصائص معدن يحمل اسم (Nb3Br8) المثير للاهتمام، حيث يتكون من ذرات النيوبيوم (معدن شائع الاستخدام في أنواع معينة من الفولاذ والمغانط المتخصصة) والبروم (هالوجين مشابه للكلور أو اليود، وغالباً ما يوجد في مثبطات اللهب).

عندما صنع فريق الدراسة صفائح أرق أكثر فأكثر من معدن Nb3Br8، وجدوا أنها تصبح في الواقع أكثر ناقليةً للكهرباء. كان هذا الأمر غريباً. لجأ الفريق إلى تقنية مجربة للتحقق أكثر: صنع شطيرة عبارةٍ عن قطعتين من موصل فائق معروف كغلاف لها، وكانت الحشوة من معدن Nb3Br8، حيث يمكن للباحثين تعلم المزيد عن Nb3Br8 من خلال دراسة كيفية تأثيره على الشطيرة. عندما قاموا بالتجربة، تبين لهم أنهم صنعوا موصلاً فائقاً ذو اتجاه واحد.

اقرأ أيضاً: الجدول الدوري: أكثر من مجرد صفوف وأعمدة للعناصر الكيميائية

إن ما ابتكرته مجموعة علي يشبه إلى حد كبير الصمام الثنائي (الديود)، وهو مكون يسمح للتيار الكهربائي بالمرور في اتجاه واحد فقط. في الواقع، توجد الصمامات الثنائية في جميع الأجهزة الإلكترونية الحديثة، وهي ضرورية لدعم المنطق الذي يسمح لأجهزة الكمبيوتر بالعمل.

ومع ذلك، لا يعرف علي وزملاؤه تماماً آلية عمل هذا التأثير في الشطيرة التي صنعوها. يقول علي: «كما اتضح، يتناقض هذا أيضاً مع فهمنا الحالي لكيفية حدوث الموصلية الفائقة أحادية الاتجاه. هناك أيضاً الكثير من الأبحاث الأساسية التي يتعين القيام بها للكشف عن الفيزياء الكامنة وراء ذلك».

تجربة ليست الأولى من نوعها!

ليست هذه هي المرة الأولى التي يبني فيها الفيزيائيون مساراً فائق التوصيل أحادي الاتجاه، لكن البنى السابقة كانت تحتاج إلى حقول مغناطيسية لإنشائها. هذا أمر شائع عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الموصلات الفائقة، لكن إنشاء هذه الحقول المغناطيسية أمر معقد جداً بالنسبة للمهندسين.

يقول أناند بهاتاشاريا، الفيزيائي في مختبر أرغون الوطني في ضواحي شيكاغو، وغير المشارك في الورقة البحثية في هذا الصدد: «تطبيق المجالات المغناطيسية أمر معقد جداً. إذا أراد المهندسون التلاعب بأجزاء مختلفة داخل موصل فائق، على سبيل المثال، فإن الحقول المغناطيسية تمثل تحدياً هائلاً. لا يمكنك حقاً تطبيق حقل مغناطيسي، على نطاقٍ محلي ضيق جداً، على جسم صغير».

بالنسبة للذين يحلمون ببناء إلكترونيات باستخدام الموصلات الفائقة، فإن القدرة على جعل الكهرباء تسير في اتجاه واحد هي مصدر إلهام قوي. يقول بهاتاشاريا: «يمكن للمرء أن يتخيل تطبيقات رائعة جداً للأجهزة في درجات الحرارة المنخفضة».

يعتقد بعض العلماء أن هناك استخدامات واضحة لمثل هذه الأجهزة: على سبيل المثال، في أجهزة الكمبيوتر الكمومية التي تسخّر جزيئات مثل الذرات لصنع أجهزة تقوم بأشياء لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر التقليدية القيام بها. تكمن المشكلة في أن حتى الكميات الضئيلة من الحرارة يمكن أن تخفّض أداء أجهزة الكمبيوتر الكمومية، لذلك يتعين على المهندسين بناؤها في مجمدات مُبردة تقارب درجة حرارتها درجة الصفر المطلق. تزداد المشكلة سوءاً مرة أخرى، إذ لا تعمل الإلكترونيات العادية بشكل جيد في درجات الحرارة هذه. من ناحية أخرى، قد يعمل الصمام الثنائي فائق التوصيل الذي يتحمل درجات حرارة منخفضة جداً بشكل جيد.

يمكن أن تستفيد أجهزة الكمبيوتر التقليدية أيضاً من هذه التقنية، ولكننا لا نقصد حاسبك الشخصي أو المكتبي، بل أجهزة الكمبيوتر العملاقة مثل أجهزة الكمبيوتر الصناعية الفائقة، بالإضافة إلى إمكانية استخدامها في مخدمات تخزين البيانات الضخمة التي تمتلئ بها مراكز البيانات في العالم، والتي تستهلك 1% من مجمل استهلاك الطاقة العالمي، وهي نسبة هائلة يمكن مقارنتها باستهلاك الطاقة في دول متوسطة الحجم بأكملها. يمكن أن يسمح دمج الموصلات الفائقة في خوادم البيانات بجعلها أكثر كفاءةً في استخدام الطاقة بآلاف المرات.

اقرأ أيضاً: ما هي الشبكات الكمومية؟

ما يزال أمامنا طريق طويل قبل أن يحدث ذلك. تتمثل إحدى الخطوات التالية في معرفة كيفية إنتاج العديد من الصمامات الثنائية فائقة التوصيل في وقت واحد. والخطوة الأخرى هي العثور على طريقةٍ تجعلها تعمل في درجة حرارة أعلى من (-321) درجة فهرنهايت، والتي تمثل نقطة غليان النيتروجين السائل. قد تبدو هذه الحرارة منخفضة جداً، ولكن الوصول إليها أسهل من الوصول إلى درجات الحرارة الأقل التي يوفرها النيتروجين السائل، والتي قد تحتاجها الأجهزة الحالية.

على الرغم من هذه التحديات، يبدو علي متحمساً بشأن مستقبل أبحاث فريقه، حيث يقول: «لدينا أفكار محددة جداً لتجربة كل هذه الطرق ونأمل في تحقيق المزيد من النتائج الرائدة في العامين المقبلين».