وكالة ناسا تختبر ليزرات فضائية لنقل البيانات الرصدية إلى الأرض

ليزرات فضائية لنقل البيانات الرصدية إلى الأرض
حقوق الصورة: مركز جودارد للرحلات الفضائية التابع لناسا.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

التواصل في الفضاء هو أمر صعب. ولكن في 7 ديسمبر/كانون الأول من عام 2021، أطلقت وكالة ناسا مهمة «استعراض ترحيل الاتصالات القائمة على أشعة الليزر»» الخاصة بها (أو «إل سي آر دي» (LCRD) اختصاراً)، والتي تهدف إلى تحسين القدرة على التواصل بين الفضاء والأرض باستخدام فكرة شائعة من الخيال العلمي: الليزر.

بناءً على التكنولوجيا المستمدة من مهمة «اتصالات الليزر القمري لعام 2013» التابعة لوكالة ناسا، ستنقل إل سي آر دي البيانات إلى الأرض بسرعة 1.2 غيغابت في الثانية، أي ضعف سرعة التقنيات السابقة. هذه السرعة كافية لتحميل فيلم كامل للمخرج «دينيس  فيلينيف» في أقل من دقيقة.

يفيد «غلين جاكسون»، مدير مشروع حمولة إل سي آر دي، أن هذه التقنية يمكن أن تساعد يوماً ما في تغطية القمر وحتى المريخ بشبكة الإنترنت. يقول جاكسون: «نستخدم حالياً ترددات الراديو لنقل البيانات والفيديوهات إلى الأرض»، ويضيف: «ترفع تقنية الاتصال بالليزر النطاق الترددي وتسمح لنا بتلقّي المزيد من البيانات على الأرض من رواد الفضاء والبعثات العلمية».

كيف تعمل تقنية الاتصال الليزرية؟

تَستخدم تقنية الاتصال بالليزر، والتي تسمى أيضاً «الاتصالات البصرية»، الضوء لنقل المعلومات. تُستخدم هذه التقنية على الأرض كل يوم في أدوات مثل أجهزة التحكم بالتلفاز ومصابيح الحرارة، ولكنها تُستخدم على نطاق أضيق بكثير مما تخطط وكالة ناسا له خلال استكشاف المجموعة الشمسية.

اعتمد رواد الفضاء والمهندسون لعقود على الموجات الراديوية أو الترددات الكهرومغناطيسية بشكل حصري بهدف إرسال الرسائل من المركبات الفضائية إلى الأرض وبالعكس. ولكن لأن موجات الراديو تنتقل بسرعة الضوء، فهي تتشتت عندما تقطع مسافات كبيرة، مثل الضوء تماماً.

يمكن أن يتسبب هذا التشتت في تأخير الإرسال، ويمكن أن يعرض المهمات للخطر إذا لم يتمكن العلماء من الوصول إلى مركبة فضائية بالسرعة الكافية لحل مشكلة ما. حدثت واحدة من أشهر حالات حوادث الاتصالات في عام 2020، عندما تم إيقاف عمل «محطة الفضاء العميق 43»، وهي الهوائي الراديوي الوحيد على الأرض الذي يمكنه الاتصال بأقدم مهمة فضائية تشغيلية لناسا، وهي «فوياجر 2»، لأسباب تتعلق بالصيانة. فقدت الوكالة على الفور القدرة على إرسال أوامر إلى المركبة الفضائية المخضرمة، وتمكّنت من إعادة الاتصال بها بعد عام تقريباً.

لتجنب هذه المشاكل وتسريع الاتصالات الفضائية، يهدف المشروع الجديد لاستخدام أشعة الليزر تحت الحمراء لإرسال المعلومات إلى الأرض. على عكس الموجات الراديوية، تولد أجهزة الليزر أشعة مكثفة جداً من الضوء، مما يعني أنها تستطيع الانتقال لمسافات شاسعة دون أن تتشتت. هذه الحزم غير مرئية أيضاً، ما لم توجّه مباشرة إلى العين، وذلك بسبب عدم وجود مواد تنعكس عنها الأشعة في الفضاء.

باستخدام موجات لها أطوال أقصر من أطوال الموجات الراديوية، ستسمح تقنية الاتصالات الليزرية للعلماء بإرسال كمية من البيانات تفوق تلك التي ترسلها أنظمة الراديو التقليدية اليوم بما يصل إلى 10-100 ضعفاً. ولكن كيف تعمل هذه التقنية؟

يحتوي نظام إل سي آر دي على أجهزة إلكترونيات عالية السرعة تساعد في التحكم في أدائه، كما يحتوي على وحدتين بصريتين، أو تلسكوبين، لكل منهما غرضه الخاص. يستقبل أحد التلسكوبات البيانات من المركبة الفضائية، بينما يرسل الآخر البيانات إلى الأرض. وفقاً لوكالة ناسا، في حين أن الأنظمة الراديوية الموجودة على متن مركبة فضائية حالية تستغرق نحو 9 أسابيع لإرسال خريطة كاملة للمريخ، فإن تقنية الليزر الجديدة يمكن أن تقلص هذا الوقت إلى 9 أيام.

اقرأ أيضاً: بـ400 مليون دولار: ناسا تكشف عن خطة بناء محطات فضائية خاصة

ما هي مهمة إل سي آر دي (LCRD) ؟

بعد تأجيل موعد إطلاقها الأصلي من قاعدة «كاب كانافيرال» عدة مرات بسبب تسرب الكيروسين في نظام تخزين الوقود، تم أخيراً منح الموافقة على إطلاق مهمة إل سي آر دي هذا الأسبوع كواحدة من حمولتين ضمن مهمة «القمر الصناعي-6 التابع لبرنامج الاختبار الفضائي» التابع للقوة الفضائية الأميركية. يبقى صاروخ «أطلس في» مرئياً لمدة دقيقتين فقط بعد الإقلاع، مع اكتسابه السرعة الكافية (والتي تصل إلى 3540 كيلومتر في الساعة) لمغادرة الغلاف الجوي للأرض.

حالياً، تقع مهمة إل سي آر دي في مدار أرضي جغرافي متزامن (وهي المدارات التي تدور فيها الأقمار الاصطناعية بنفس جهة دوران الأرض) على ارتفاع يزيد عن 35405 كيلومتر فوق الأرض (نحو عُشر المسافة إلى القمر) حيث ستقضي عامين في إجراء الاختبارات والتجارب قبل أن يبدأ القمر الصناعي في دعم المهمات العلمية. سيبدأ تشغيله بحلول شهر يناير/كانون الثاني القادم، ومن المفترض أن يتمكن علماء ناسا من إجراء تجارب عليه بحلول شهر مارس/آذار من العام المقبل.

بالنسبة لأول مبدّلة ضوئية متكاملة، فإن الأقمار الصناعية التي تدور حول الكوكب سترسل البيانات إلى محطتين أرضيتين في كاليفورنيا وهاواي. لكن الليزر ليس منيعاً تماماً، فكما تحجب الغيوم الشمس، يمكنها أيضاً تعطيل إشارات الليزر، مما يعني أنه يجب وضع المحطات الأرضية التابعة لوكالة ناسا في مناطق مرتفعة وتتمتع بطقس مناسب تاريخياً. إذا سارت الأمور وفقاً للخطة، ففي عام 2022، سيكون رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية أول من يستخدمون تقنية الاتصالات الليزرية لنقل البيانات العلمية من مختلف المركبات إلى الأرض.

أثناء الإطلاق، قالت «كاثي لوديرز»، المدير المساعد في مجلس إدارة العمليات الفضائية التابعة لوكالة ناسا، إن مهمة إل سي آر دي ليست فقط نقلة نوعية كبيرة في تقنيات الاتصالات بين الفضاء والأرض، بل إن هذه التكنولوجيا ضرورية للغاية لنجاح مشروع «آرتميس»، النسخة التالية من المهمات الأميركية المأهولة.

قالت لوديرز: «نحن بحاجة إلى تحسين أنظمة الاتصالات الخاصة بنا حتى نتمكن من القيام برحلات الفضاء البشرية حول القمر». وأشارت إلى أنه إذا فشلت المهمة الجديدة، فمن المحتمل أن تؤخر تقنيات الاتصالات الخاصة بوكالة ناسا 5-10 سنوات.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لهاتفك المحمول أن يقود رحلة فضائية إلى القمر؟

ما أهمية هذه المهمة؟

مع ازدياد عدد الأقمار الاصطناعية في الفضاء، واستمرارها بتجميع المزيد من البيانات، توفّر تقنيات الاتصالات الليزرية بديلاً أقل تكلفة وأكثر سرعة للتكنولوجيا المتوفرة حالياً. على الرغم من أن الأنظمة الجديدة لن تحل محل التقنيات التقليدية قريباً، إلا أن لوديرز تقول إن مقارنة التقنيات الراديوية باتصالات الطلب الهاتفي والاتصالات الليزرية بالإنترنت عالي السرعة ليس بعيداً عن الواقع.

على الرغم من أن أجهزة تكنولوجيا الاتصالات الليزرية كبيرة الحجم، إلا أنها تستهلك كمية أقل من الطاقة ومساحة أقل من أكثر أنظمة الاتصالات الراديوية كفاءةً، مما يجعلها مناسبة أكثر للمهمات التي تحتاج إلى مساحات إضافية لتخزين الحمولة. تؤثر هذه التفاصيل كثيراً في فشل المهمات في الفضاء ونجاحها.

يقول جاكسون: «تقلل تقنية [الاتصالات الليزرية] الوزن والطاقة اللازمين في المركبات الفضائية لعملية الاتصال». يعني هذا توافر مساحة أكبر للوقود، وأدوات التصوير، وربما في يوم ما، رواد الفضاء.

يعتقد «فينسينت تشان»، أستاذ الهندسة الكهربائية وعلم الحاسوب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن اليوم الذي ستصبح فيه تكنولوجيا الاتصالات البصرية منتجات تجارية قد يأتي قريباً. ويقول إنه بسبب شركات مثل «سبيس إكس» و«بلو أوريجن»، فإن مستقبل تقنيات الليزر يبدو مشرقاً للغاية.

يقول تشان: «تمتلك التقنيات البصرية أفضلية دائماً في الاتصالات بعيدة المدى». تخطط وكالة ناسا أيضاً لتطوير مهمات أخرى تختبر تقنيات الليزر، ومنها مهمة «أورايون آرتميس 2 أوبتيكال كوميونيكيشن سيستيمز» وحمولة أخرى على متن «سايك»، وهي مركبة فضائية ستختبر كفاءة الليزر في الفضاء العميق.