تعرف إلى موجات التيراهيرتز التي يمكن أن تغير حياتنا

تعرف إلى موجات التيراهيرتز التي يمكن أن تغير حياتنا
قام المهندسون من هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والجيش الأميركي بإنشاء هذا الجهاز التجريبي لليزر تيراهيرتز في عام 2019. وهم من بين القلائل الذين قاموا بذلك. حقوق الصورة: أرمان أميرجان، هارفارد.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك فجوة في الطيف الكهرومغناطيسي حيث لا يستطيع المهندسون الاستفادة منها.

يغطي الطيف كل شيء من موجات الراديو والميكروويف، إلى الضوء الذي يصل أعيننا، إلى الأشعة السينية وأشعة جاما. وقد أتقن البشر فن إرسال واستقبال جميع هذه الموجات تقريباً.

ومع ذلك، هناك استثناء واحد. بين أشعة الضوء المرئي وموجات الراديو الثابتة، توجد منطقة ميتة حيث لا تعمل تقنيتنا، ويطلق عليها فجوة تيراهيرتز. لعقود من الزمان، لم ينجح أحد في بناء جهاز استهلاكي قادر على بث موجات التيراهيرتز.

موجات التيراهيرتز
يقع نطاق تيراهيرتز في منطقة صغيرة جداً من الطيف الكهرومغناطيسي، تحديداً بين موجات الميكروويف والأشعة تحت الحمراء. حقوق الصورة: ديبوزيت فوتوز.

يقول تشينغ هو، مهندس كهربائي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «هناك قائمة طويلة من التطبيقات المحتملة لهذه الموجات».

لكن بعض الباحثين يحرزون تقدماً بطيئاً في هذا الصدد. إذا استمروا في التقدم، يمكنهم تطوير مجموعة كاملة من التقنيات الجديدة.على سبيل المثال تطوير بديل للواي فاي أو ابتكار نظام أذكى للكشف عن سرطان الجلد.

لغز فجوة تيراهيرتز

فكر في فجوة التيراهيرتز على أنها أرض حدودية. على الجانب الأيسر منها، توجد موجات الميكروويف وموجات الراديو الأطول، بينما يقع طيف الأشعة تحت الحمراء على الجانب الأيمن. (يذهب بعض العلماء إلى إطلاق تعبير “الأشعة تحت الحمراء البعيدة” على فجوة تيراهيرتز). لا تستطيع العين البشرية رؤية الأشعة تحت الحمراء، ولكن تقنياتنا قادرة على رؤيتها مثل الضوء تماماً.

تعتبر موجات الراديو ضرورية للاتصالات، خاصة بين الأجهزة الإلكترونية، ما يجعلها جزءاً عالمياً من الإلكترونيات اليوم. بينما يعمل الضوء على تشغيل الألياف الضوئية التي تقوي الاتصال بشبكة الإنترنت. يستخدم هذان المجالان من التكنولوجيا أطوال موجات مختلفة، ويتعايشان بصعوبة في العالم الحديث.

لكن يواجه كلا المجالين صعوبةً للذهاب بعيداً في منطقة التيراهيرتز المحايدة. لا يمكن للمكونات الإلكترونية القياسية، مثل رقائق السيليكون، أن تعمل بالسرعة الكافية لتوليد موجات تيراهيرتز. ولا تعمل التقنيات المولدة للضوء مثل الليزر، والموجودة مباشرة بجوار نطاق الأشعة تحت الحمراء، مع موجات التيراهيرتز أيضاً. والأسوأ من ذلك، لا تدوم موجات التيراهيرتز طويلاً في الغلاف الجوي للأرض؛ إذ يميل بخار الماء الموجود في الهواء إلى امتصاصها بعد بضعة أمتار فقط.

يوجد عدد قليل من أطوال موجات التيراهيرتز التي يمكنها اختراق بخار الماء. بنى علماء الفلك تلسكوبات تلتقط هذه الأطوال الموجية، وهي مفيدة بشكل خاص في اكتشاف الغبار بين النجوم. لتحقيق أقصى استفادة منها، يجب أن تتمركز هذه التلسكوبات في أعلى الأماكن وأكثرها جفافاً على هذا الكوكب، مثل صحراء أتاكاما في تشيلي، أو خارج الغلاف الجوي في الفضاء تماماً.

يكتنف الضباب ما تبقى من فجوة تيراهيرتز. يحاول الباحثون مثل «هو» معالجة هذه المشكلة، لكن ذلك ليس بالأمر السهل.

اقرأ أيضاً: الأشعة فوق البنفسجية مطهر قوي قد تستخدم لتعقيم الأماكن العامة

تكنولوجيا موجات التيراهيرتز

عندما يتعلق الأمر بالاستفادة من موجات التيراهيرتز، يواجه عالم الإلكترونيات مشكلة أساسية. لدخول الفجوة، يجب أن تنبض رقائق السيليكون في إلكترونياتنا بسرعة، بتريليونات النبضات في الثانية (ومن هنا أتت تسميتها؛ تيراهيرتز). يمكن أن تعمل الرقائق الموجودة في هاتفك أو جهاز الكمبيوتر بشكل جيد بملايين أو مليارات الدورات في الثانية، لكن هناك صعوبة في الوصول إلى تريليونات الدورات. يمكن أن تبلغ تكلفة مكونات أجهزة التيراهيرتز التجريبية المتقدمة التي تعمل بشكل جيد تكلفة السيارة الفاخرة. لكن المهندسين يعملون على خفض تكلفتها.

في المجال الآخر، مجال الضوء، كان هناك بحث طويل عن أجهزةٍ مثل الليزر يمكنها توليد موجات تيراهيرتز بترددات محددة وبتكلفة منخفضة. كان الباحثون ينظرون بالفعل في كيفية صنع مثل هذا الليزر في أوائل الثمانينيات، واعتقد البعض أن صنعها مستحيل.

لكن «هو»، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كان له رأي مختلف: «لم أكن أعلم شيئاً حول كيفية صنع الليزر»، كما يقول. ومع ذلك أصبح صنع هذا النوع من الليزر هدفه الرئيسي.

ثم في عام 1994، اخترع العلماء ليزر الشلال الكمي، والذي كان مفيداً بشكل خاص في توليد ضوء الأشعة تحت الحمراء. كل ما كان على «هو» وزملاؤه فعله هو مد الليزر إلى الأطوال الموجية الأطول للأشعة تحت الحمراء البعيدة.

حوالي عام 2002، تمكنوا من صنع ليزر تيراهيرتز الكمي المتتالي. لكن كان هناك مشكلة: إذ يحتاج النظام إلى درجات حرارة شديدة البرودة تقارب -343 درجة فهرنهايت لجعله يعمل فعلياً. وتطلب الأمر استخدام النيتروجين السائل، ما جعل من الصعب استخدام هذا الليزر خارج المختبر أو بعيداً عن البيئات شديدة البرودة.

في العقدين التاليين، ارتفعت عتبة درجة الحرارة هذه. حيث تعمل أحدث أجهزة الليزر من مختبر «هو» عند درجة حرارة 8 درجات فهرنهايت. هذه العتبة ليست قريبة من درجة حرارة الغرفة العادية، ولكنها دافئة بدرجة كافية بحيث يمكن تبريد الليزر في ثلاجة محمولة ونقله خارج المختبر. ثم في عام 2019، ابتكر فريق من جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والجيش الأميركي ليزر تيراهيرتز بحجم صندوق الأحذية قادراً على تغيير الغاز الجزيئي.

تعرف إلى موجات التيراهيرتز التي يمكن أن تغير حياتنا
يمكن استخدام مولد الموجات النانوية تيراهيرتز، والذي طوره المهندسون في مدرسة لوزان الاتحادية للفنون التطبيقية في سويسرا في عام 2020، على موصلاتٍ مرنة. حقوق الصورة: مدرسة لوزان الاتحادية/ باورلاب.

في الوقت الذي استغرقه هو جين تاو لضبط الليزر الخاص به، أحرزت الإلكترونيات تقدماً أيضاً. إن التقدم في طريقة تصنيع الرقائق والمواد المصنوعة منها جعلها تعمل بشكل أسرع وأسرع. (كانت شريحة بلازما نانوية صنعتها مجموعة في سويسرا عام 2020 قادرةً على إرسال 600 ميلي واط من موجات تيراهيرتز، ولكن مرة أخرى، فقط في المختبر). على الرغم من رغبة المهندسين الكهربائيين في تحقيق المزيد من التقدم، لم يعد تطوير أجهزة تيراهيرتز حلماً بعيد المنال كما كان من قبل.

يقول روانان هان، مهندس كهربائي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «يمكننا الآن بناء أنظمة معقدة حقاً على الرقاقات. لذلك أعتقد أن المشهد يتغير».

ويقول مارك شيروين، الفيزيائي في جامعة كاليفورنيا، منشأة تيراهيرتز في سانتا باربرا: «ما حدث على مدار الثلاثين عاماً الماضية هو أنه تم إحراز تقدم من كلا الطرفين. لا يزال التقدم قليلاً جداً نسبياً، ولكن يمكنني القول إن التقدم في هذا المجال أصبح أسهل بكثير».

تشيع المقاييس الزمنية التي تمتد لعقود في عالمٍ تدور فيه التقنيات الجديدة في دوراتٍ من الازدهار وخيبات الأمل. وتقنية تيراهرتز ليست استثناءً بين التقنيات.

اقرأ أيضاً: العلماء يعيدون التألق للأشعة السينية

مستقبل تقنية تيراهيرتز

في الوقت الحالي، لا يزال المجالان اللذان يحاولان دخول منطقة تيراهيرتز المظلمة من أي من طرفيها متباعدين إلى حد كبير. ومع ذلك، فإنهما يفتحان إمكانياتٍ جديدة للعلوم في مجموعة واسعة من التخصصات.

يمكن لبعض هذه الإمكانيات تسريع الاتصالات. تعمل شبكة الواي فاي المنزلية في نطاق موجات الميكروويف، ولكن يمكن لموجات تيراهرتز، وبترددات أعلى من تردد موجات الميكروويف، إنشاء اتصال أفضل يكون أسرع من حيث النطاق. كما يمكن لموجات التيراهرتز، ومن خلال استخدام الأسلاك، إنشاء اتصال سريع بين منفذ USB والألياف البصرية.

تعتبر موجات تيراهيرتز مثالية أيضاً للكشف عن المواد. يقول شيروين: «لكل جزيء تقريباً طيف “أو بصمة” في نطاق تردد التيراهيرتز». ما يجعل موجات التيراهيرتز مثالية للكشف عن المواد الكيميائية مثل المتفجرات والجزيئات في الأدوية. ويستخدم علماء الفلك بالفعل هذه الإمكانية للنظر في التركيبات الكيميائية للغبار الكوني والأجرام السماوية. قريباً من الأرض، يتخيل هان إمكانية صنع “أنفٍ إلكتروني” بتقنية التيراهرتز يمكنه حتى اكتشاف الروائح في الهواء.

تسمح هذه البصمات الطيفية في نطاق موجات التيراهيرتز للأشعة تحت الحمراء البعيدة بأن تكون مثاليةً لمسح الأشخاص والأجسام. يمكن لموجات تيراهيرتز أن تنفذ من خلال الأشياء التي لا يستطيع الضوء النفاذ خلالها، مثل الملابس، وتتمتع بميزة عدم انبعاث إشعاعات مؤينة ضارة مثل الأشعة السينية. وقد أبدت أجهزة التفتيش الأمنية اهتماماً بهذه التكنولوجيا بالفعل.

خاصية المسح الوحيدة التي تفتقر إليها موجات التيراهيرتز هي أنها لا تستطيع المرور عبر الماء، سواء في الهواء أو في جسم الإنسان. لكن ذلك لم يكن عائقاً للاستفادة منها في الطب. يمكن للطبيب استخدام جهاز تيراهيرتز للكشف عن العلامات الدقيقة لسرطان الجلد التي لا يمكن للأشعة السينية اكتشافها؛ أو قد يستخدمه عالم الأعصاب لفحص دماغ فأر التجارب مثلاً.

قريباً من الأرض، يتخيل هان إمكانية صنع “أنفٍ إلكتروني” بتقنية التيراهرتز يمكنه حتى اكتشاف الروائح في الهواء.

يعتقد «هو» أن البحث لا يزال في بدايته. يقول: “إذا استطعنا تطوير أدوات يمكنها حقاً رؤية شيء ما ولا تستغرق وقتاً طويلاً لمسح بعض المناطق، فقد يغري ذلك الممارسين المحتملين للاستفادة منها. إنه سؤال غير مقيد بجواب واحد».

يظل جزء كبير من فجوة تيراهيرتز بقعة فارغة على خرائط الباحثين، ما يعني أن المعدات التي تستخدم موجات الأشعة تحت الحمراء البعيدة المرغوبة ليست متاحة على نطاق واسع بعد.

يقول هان: «ليس لدى الباحثين حقاً الكثير من الخيارات لاستكشاف ما يمكن أن تكون موجات التيراهيرتز مفيدة فيه». لذلك، في الوقت الحالي، يظل العالم الأسرع والأكثر حساسية داخل فجوة التيراهيرتز بعيداً عن المنال إلى حدّ كبير.