كيف تستخدم البنوك التكنولوجيا لمحاربة تغير المناخ؟

التكنولوجيا المالية المناخية
حقوق الصورة: آنيتا لوزينا/ شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ربما كانت الألواح الشمسية أو السيارات الكهربائية أول ما قد يتبادر إلى ذهن المرء عند الحديث عن التقنيات التي يمكن أن تحد من تغير المناخ. لكن التكنولوجيا في القطاع المالي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في التخفيف من آثار تغير المناخ أيضاً. التكنولوجيا المالية، والتي تُعرف اختصاراً بـ «فين تك» (FinTech)، هي قطاع نامٍ في مجال الخدمات المالية التي تعتمد على الخوارزميات وبوابات البيانات والذكاء الاصطناعي لمساعدة العملاء والشركات على تحسين إدارة الأموال والعمليات المختلفة المتعلقة بها.

ما هي التكنولوجيا المالية المناخية؟

وفي نفس السياق، تُعد «التكنولوجيا المالية المناخية» (climate fintech)، أحد الفروع الجديدة في التكنولوجيا المالية، وتعتمد على الابتكار التقني لتلبية كلّ من الاستدامة والاحتياجات المالية في نفس الوقت. يعمل عدد كبير من الشركات الناشئة الجديدة، مثل شركة الاستثمار المستدام «نورسيا»، على دعم الأسواق سريعة النمو. لكن منصات معاملات الدفع التقليدية تشارك أيضاً في السباق لإيجاد حلول للعملاء الذين يطالبون صناعة الخدمات المالية باتخاذ المزيد من الإجراءات التي تحمي المناخ.

القطاع المالي قوي، إذ تبلغ قيمة البنوك الكبرى وحدها مئات المليارات من الدولارات، وتقدم خدماتها للأشخاص العاديين الذين يحتاجون إلى الحسابات المصرفية وللشركات الكبيرة أيضاً. إلا أن قطاع الخدمات المالية مصمم لتحقيق الأرباح حتى لو كان ذلك يعني الانخراط في استثماراتٍ مضرةٍ بالبيئة مثل مشاريع الوقود الأحفوري. ولكن من أجل كبح تغير المناخ في الوقت المناسب، ربما يكون من الضروري سحب الأموال من المشاريع كثيفة الانبعاثات.

تعمل الشركات المشهورة جنباً إلى جنب مع شركات التكنولوجيا المالية لإنشاء أدوات الاستدامة لعملائها. في أبريل/ نيسان من عام 2021، دخلت شركة الخدمات المالية وبطاقات الائتمان «ماستركارد» في شراكة مع شركة التكنولوجيا المالية السويدية الصديقة للبيئة «دوكونومي» لتطوير خدمة «حاسبة الكربون» (Mastercard Carbon Calculator)، والتي تُبين لعملائها البصمة الكربونية لمشترياتهم عبر فئات الإنفاق المختلفة في التطبيقات أو على الويب.

هل يمكن أن تكون البنوك صديقة للبيئة؟

يمكن للبنوك بعد ذلك تخصيص استخدامها لحاسبة الكربون من خلال تقديم مشاريع تعويض الكربون وخيارات تبرعات بيئية للعملاء لتخفيف بعض العبء البيئي الناجم عن مشترياتهم.

تقول سو كيلسي، نائبة الرئيس التنفيذي للمنتجات الاستهلاكية العالمية في ماستركارد: «بدأت تقنيات المناخ والتكنولوجيا المناخية المالية بالظهور أكثر واكتساب مزيدٍ من القوة في هذا القطاع، إن دورها يتسارع يوماً بعد يوم». لدعم هذا التسارع، أطلقت ماستركارد مختبر ابتكار الاستدامة في سبتمبر/أيلول الماضي لدعم تطوير خيارات استثمار أكثر استدامة.

لكن التكنولوجيا المالية لا تقتصر على البنوك الحالية فحسب، بل وتساعد على إنشاء بنوكٍ جديدة تماماً. البنوك الجديدة (Neobanks)، أو البنوك الرقمية هي بنوك جديدة ليس لها أي وجود مادي، وتعمل حصرياً عبر الإنترنت من خلال تطبيق أو موقع ويب ودون شبكات الفروع المادية التقليدية.

تقول أنابيل بيريز، الرئيس التنفيذي لشركة «نوفا بيمنت»، وهي منصة استخدمت التكنولوجيا لمساعدة الشركات على إنشاء بنوك رقمية وحلول البطاقات: «تخيل أنه لا توجد أوراق، وأنك لست مضطراً لأخذ سيارة إلى البنك، وأنك تستهلك وقوداً أقل ويمكنك الاستفادة من وقتك بكفاءة أكبر».

ويقول أندريه تشيرني، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لبنك « أسبايريشن»، وهو بنك رقمي يقدم الخدمات المالية عن بعد للمساعدة في التخفيف من أزمة المناخ إنه من المنطقي تماماً لمقدمي الخدمات المالية تطوير منتجات جديدة وتغيير طبيعة الأعمال المتعلقة بها لمعالجة القضايا البيئية، ويشرح قائلاً: «إن التكنولوجيا المالية للمناخ مهمة… للمال قوة هائلة لتحريك الرافعة والتأثير على تصرفات الناس اليومية. المنتجات والخدمات المناسبة تجعل عملية مكافحة تغير المناخ سهلةً وآلية، وتبقى فعالةً جداً بنفس الوقت».

بصفته بنكاً عبر الإنترنت، يقدم «أسبايريشن» خدمة الودائع الخالية من الوقود الأحفوري، وهذا يعني أن الأموال التي يستخدمها العملاء عند افتتاحهم حساباً في هذا البنك لا تُستثمر في مشاريع مضرةٍ بالبيئة مثل إنشاء خطوط أنابيب النفط. وفي كل مرةٍ يستخدم فيها العميل بطاقته المصرفية، يمول البنك عملية زراعة الأشجار من خلال مؤسسة بيئية غير ربحية تُدعى «مشاريع إعادة تشجير إيدن» (Eden Reforestation Projects). حتى الآن، ساعد البنك في زراعة أكثر من 49 مليون شجرة بهدف تعويض الانبعاثات.

يشير تشيرني إلى أنه على الرغم من أن هناك المزيد من الحلول والحديث حول الاستدامة في الخدمات المالية بشكلٍ عام، لكن لا تزال هناك الكثير من عمليات الغسيل الأخضر (تضليل المستهلكين حول الممارسات البيئية للشركة أو الفوائد البيئية لمنتج أو خدمة ما) في هذا القطاع. قد تطلق بعض الشركات مشاريع مستدامة للعملاء من المستهلكين والشركات أو تعلن عن أهداف الاستدامة، ولكن العديد من البنوك العالمية لم تتخلص بعد من مشاريع الوقود الأحفوري في الواقع. لقد أعلنت البنوك الكبرى، مثل بنك «ويلز فارغو»، عن جهودها للوصول إلى هدف الانبعاثات الصفرية، ولكن ما يزال من غير المعروف كيف ستغير استثماراتها لتحقيق هذا الهدف.

يختتم تشيرني: «هناك اهتمام متزايد بمجتمع المناخ بلا شك. لقد بدأ العديد من القطاعات والعملاء بإدراك أنه يجب عليك “تتبع أموالك” ومعرفة أين تُستثمر، وبالطبع بات الناس يركزون بشكلٍ أفضل على شركات النفط الكبرى والملوثين الكبار، ولكن يبقى السؤال اللغز، من يمول هذه الشركات حقاً؟».