باحث عربي يبتكر سواراً لحماية عمال المناجم من الغازات السامة

ابتكار السلامة من الغازات السامة في المناجم
حقوق الصورة: إياب المجول.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتبر قطاع التعدين من الركائز الاقتصادية المهمة للعديد من الدول، فلا تكاد تخلو دولة من نشاط قائم في هذا المجال الحيوي، فباطن الأرض مملوء بالمعادن القيّمة النفيسة والنادرة. ولاستخراج تلك المعادن من باطن الأرض والاستفادة منها لابد من عملية التعدين المهمة والشاقة المحفوفة بالمخاطر بسبب طبيعة بيئة العمل المحيطة بالعاملين، التي قد تتساقط فيها الصخور أو تنتشر غازات سامة أو أخرى مشتعلة.

ومن هنا انطلق المهندس “إياب المجول” في مركز أبحاث المعهد السعودي التقني للتعدين، بتصميم ابتكاره الذي هو “سوار كشف الغازات السامة”، متناولاً أحد جوانب الخطورة المحتملة أثناء عملية التعدين، وهو تسرب الغازات الخطرة أو السامة.

اقرأ أيضاً: باحثون يطورون مادة أقوى من الفولاذ بمرتين وأخف من البلاستيك

الغرض من سوار السلامة في المناجم

تكمن خطورة أعمال التعدين الحالية داخل المناجم في انقطاع الأكسجين الضروري لعملية التنفس والعمليات الحيوية لجسم الإنسان، وانطلاق غازات فجأة مثل غاز الميثان القابل للاشتعال أثناء عمليات التعدين في المناجم.

ويزداد مُعامل الخطورة هنا إذا كانت أعمال التعدين داخل منجم بعمق كبير تحت الأرض، وأثناء استخدام العاملين لمعدات كبيرة أو ثقيلة للحفر والإعداد للتفجيرات الميدانية أو تنظيف مسارات العمل الجديدة في المنجم. لذلك يقدم لنا المهندس “المجول” سوار كشف الغازات السامة، والمصمم خصيصاً لاستخدامه في مناجم التعدين المختلفة للوقاية من خطورة العوامل سابقة الذكر.

اقرأ أيضاً: اكتشاف تسرّب نشط لغاز الميثان في القارة القُطبية الجنوبية 

ما هو سوار السلامة في المناجم؟ وكيف يعمل؟

سوار السلامة في المناجم هو عبارة عن سوار يُلبَس في معصم اليد، مزوّد بأجهزة قياس ومستشعرات دقيقة محمية بطبقة من المطاط المقاوم للصدمات لحماية تلك الأجهزة من التلف. يعمل من خلال مستشعر الغازات السامة على قياس نسبة ومعدل تلك الغازات في البيئة المحيطة بعمال التعدين، ويحتوي على مستشعرَين آخرَين، أحدهما لقياس درجة حرارة الجسم، ومستشعر آخر لقياس ضغط الدم، يعملان بشكل دوري وتلقائي لمعرفة الحالة الحيوية للجسم وقياس معدل ضربات القلب.

يمكن معرفة تلك القياسات من خلال شاشة عرض المعلومات الموجودة بالسوار، أو القيام بعملية القياس بشكل يدوي في حال الرغبة بالتأكد من القياسات. يُصدر السوار تنبيهات صوتية من خلال مكبر صوت ومحرك اهتزاز للتنبيه عن الحالات الخطرة لمستخدم السوار والأشخاص المحيطين به، ويمكن من خلال الميكرفون المدمج بالسوار إرسال الرسائل الصوتية لطلب المساعدة والإغاثة في مختلف الحالات الخطرة، من البسيطة إلى شديدة الخطورة.

تقنيات عديدة في سوار صغير تضمن السلامة

بالإضافة إلى مستشعرات الغازات السامة، يحتوي السوار على:

  • وحدة تحديد الموقع العالمية (GPS) لتحديد الموقع وتسهيل العثور على الأشخاص.
  • جهاز إرسال الإشارة اللاسلكية قصيرة وطويلة المدى لتحديد موقع الشخص بدقة أكبر.
  • بطارية قوية تعمل على مدّ المستشعرات بالطاقة.
  • مقاييس لنبضات القلب وضغط الدم ودرجة حرارة الجسم.
  • جهاز تحديد الأفراد بالموجات الراديوية.

يرتبط عمل هذه الأجهزة من خلال قياس المؤشرات التي تتعلق بالغازات الخارجية للمنجم وداخله مع إمكانية إضافة مقاييس ومعايير إضافية لسلامة العاملين.

بالاستعانة بتلك التقنيات، يقيس السوار المعايير الحيوية لدى العاملين في المنجم كما يقيس العوامل الخارجية المؤثرة، ويحدد مصدر الخطر، ويرسل التنبيهات لمستخدمه، ويرسل الرسائل لمركز العمليات والتحكم والمتابعة مباشرة.

السوار يضمن السلامة من داخل المنجم وخارجه

عند ارتداء العامل لسوار السلامة من المحتمل أن يضمن سلامته بشكل كبير داخل المنجم، لكن ماذا لو لم يُعر العامل انتباهه لتنبيهات السوار؟

تم تصميم السوار ليصبح بإمكان من هم خارج محيط العمل المراقبة المباشرة للعمال من خلال مركز التحكم لمتابعة المؤشرات المرسَلة من السوار، مثل كميات الغازات ونسبة الأكسجين وضغط الدم ودرجة حرارة الجسم لمتابعتها في حال انشغال العمال داخل المناجم نتيجة الإرهاق أو تعرضهم للإغماء لأسباب أخرى طارئة مثل النوبات المرضية المفاجئة، وبالتالي يساعد السوار في التدخل وتقديم المساعدة اللازمة وعلى رأسها المساعدة الطبية العاجلة التي تساهم في تقليل آثار تلك الحوادث وإنقاذ المصابين.

لا يمكن لأحدٍ التغافل عن الحوادث التي تحدث أو قد تحدث أثناء عمليات التعدين والتصنيع، بل إن العاملين بهذا المجال يعطون أولوية كبيرة لعوامل السلامة، لذلك يرى المصمم حتميةً لتوفير جهاز كشف محمول للغازات السامة وقياس المؤشرات الحيوية، يمكن أن يستخدمه جميع العاملين في المناجم، دون أن يعيق عملهم ويساعد في تحقيق أعلى مستويات السلامة أثناء العمل داخل المناجم، ومتابعته والتحكم فيه من خلال مراكز المتابعة خارجة المناجم لرصد الغازات السامة وردود فعل أجسام العاملين من خلال قياس ضغط الدم وغيرها من الإشارات الحيوية والتعامل معها بالإنذارات اللازمة بشكل مباشر وفي وقت قياسي.

اقرأ أيضاً: نترات الأمونيوم: تعرف إلى المادة المتهمة في انفجار بيروت 

الهدف من تطوير سوار الكشف عن الغازات السامة

كما تبيّن سابقاً، الهدف من هذا الاختراع توفير معايير السلامة من خلال قياس المعايير الحيوية للعاملين في المناجم، والكشف عن الغازات السامة، وإرسالها إلى مركز التحكم، لتفادي حوادث المناجم الشائعة التي تسبب الوفاة أو الإصابات شديدة الخطورة، بل إن تلك الحوادث قد ينجم عنها حالات وفاة جماعية.

ويهدف الابتكار أيضاً إلى التحذير من مسببات فقدان الوعي للعاملين قبل التعرض لها أو الحد من خطورتها، لأن تلك الحوادث تنتج عن عدم الإنتباه لتلك المسببات ولعدم القدرة على قياسها من خلال العنصر البشري فقط، أو قد تنتج نتيجة خلل في التعرف على المشكلات قبل حدوثها ما يتسبب بحوادث مفاجِأة ينتج عنها أيضاً إصابات مختلفة.

لن يتوقف الابتكار عند حدود المناجم

يقول المهندس “المجول” إن استخدام سوار كشف الغازات السامة لا يقتصر فقط على عمال المناجم، بل يُستخدم كذلك من قِبل العمال والفنيين في المصانع والمعامل التي يدخل في عملها الغازات المختلفة، ويتطلع المهندس إلى أن يكون سوار كشف الغازات السامة أحد أدوات السلامة الأساسية في مواقع العمل المختلفة التي قد يتعرض العاملون فيها لعوامل الخطورة المذكورة.

إن الاختراع الحالي يتعلق بشكل عام بكشف الغازات السامة في المواقع الصناعية والتعدينية، وبصفة خاصة في المناجم تحت سطح الأرض، للإبلاغ عن حالات تسرب الغازات من باطن الأرض، حيث تقع الكثير من الحوادث بالمناجم تحت سطح الأرض وفوقه، وكذلك المصانع ومواقع البحث والتنقيب، وللوقاية من خطورة تلك الأعمال والحد من مضاعفاتها.

اقرأ أيضاً: كيف تحمي نفسك من الإشعاع النووي؟

إن ربط السوار وتزويده بمعايير السلامة اللازمة لجميع الأفراد في المناجم والمصانع وتزويده بمستشعرات الغازات السامة والتقنيات الأخرى والتواصل من خلال الشبكة اللاسلكية مع مركز العمليات، يجعل من هذا السوار الذي يُلبس بالمعصم مركز مراقبة متكامل للأفراد العاملين في المناجم والمصانع.

يعمل الفريق في مركز أبحاث المعهد السعودي التقني للتعدين على إنتاج وتطوير عدة إصدارات من هذا الابتكار، يتناسب كل إصدار منها مع بيئة العمل المراد استخدام الابتكار بها، حتى نتمكن من تخصيص وتحقيق أكبر استفادة من خصائصه لمستخدميه.