كيف يؤثر اضطراب فقدان الشهية العصبي على وظائف الدماغ؟

كيف يؤثر اضطراب فقدان الشهية العصبي على وظائف الدماغ؟
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في حالة توصف بالهوس، تعيش بعض الفتيات هاجس الوزن الزائد على الرغم من انخفاض وزنها عن الحد الطبيعي، وسبب ذلك اضطراب يدعى بفقدان الشهية العصبي، وهو ما قد تكون له عواقب مميتة. على الرغم من أن سبب الاضطراب ما زال غير معروفاً، إلا أن العلماء افترضوا وجود خلل في تنشيط بعض مناطق الدماغ قد يساهم في ظهور الأعراض والسلوك لدى مرضى فقدان الشهية. فما هو مرض فقدان الشهية العصبي، وماذا يحدث في دماغ المصابين به؟

اضطراب فقدان الشهية

مرض فقدان الشهية العصبي، هو اضطراب في الأكل يجعل صاحبه يمتنع عن تناول الطعام، ويمارس التمارين الرياضية بإجهاد دون تعويض الجسم بالفاقد، مسبباً الجوع الدائم اعتقاداً منه بأنه ذو وزن زائد. يحاول المريض الوصول إلى وزن مثالي، فيصبح جسده نحيلاً ويعاني من سوء تغذية، ما قد يضطر بعض المرضى للدخول إلى المستشفى، وقد يواجه المريض الموت. غالباً ما يحدث فقدان الشهية خلال مرحلة البلوغ، ولكنه قد يكون أكثر انتشاراً لدى الفتيات، حيث أن 9 أفراد مصابين بفقدان الشهية من أصل 10 هم من الإناث.

يمكن تقسيم فقدان الشهية لنوعين، وهما:

  1. فقدان الشهية (النهم والتطهير): أو الشره المرضي، وفيه يتناول المريض الكثير من الطعام وبشكل شره، ثم يخلص جسمه من الطعام بالإقياء عمداً أو بمدرات البول أو بالمسهلات.
  2. فقدان الشهية المقيد: ويتميز بتقييد كمية السعرات الحرارية المتناولة، عن طريق تناول القليل جداً من الطعام وممارسة الرياضة بشكل مفرط.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: تقييد السعرات الحرارية جينياً يطيل عمر الإنسان

أسباب اضطراب فقدان الشهية

لسنوات طويلة بقيت أسباب مرض فقدان الشهية العصبي غير معروفة بشكل دقيق، وموضع نقاش وبحث بالنسبة للعلماء. ولكن، وفقاً لمركز “كليفلاند كلينك” الطبي، تتضافر مجموعة عوامل في حدوثه والإصابة به:

  • عوامل وراثية: في حال وجود حالات إصابة لدى أقارب العائلة من الدرجة الأولى، ترتفع فرص الإصابة بفقدان الشهية بمقدار 10 مرات ما يدل على وجود صلة جينية، إذ يشكل العامل الوراثي 50-80% من أسباب الإصابة بالاضطراب.
  •  الصدمة: يعتقد العلماء أن اضطراب فقدان الشهية قد يكون كرد فعل على صدمة ما؛ مثل اعتداء جسدي أو جنسي، فهو محاولة من الفرد للتأقلم مع المشاعر المكبوتة أو المشاعر المؤلمة.
  • الثقافة والبيئة المحيطة: تفرض بعض الثقافات معايير للجسم المثالي، تتضمن النحافة وإنقاص الوزن للوصول إلى أجسام غير صحية وهزيلة، وتربطه من خلال وسائل الإعلام والإعلان بالسعادة والجمال.

اقرأ أيضاً: السخرية من زيادة وزن الآخرين قد يضر صحتهم

  • ضغط الأقران: بالنسبة للمراهقين يمكن أن يكون لعمليات الضغط من قبل الأقران للحصول على شكل مثالي تأثيراً كبيراً في الإصابة بفقدان الشهية، بالإضافة إلى ما يتعرضون له من تنمر أو مضايقات تفقدهم الشعور بالأمان والرضا عن ذاتهم وأشكالهم.
  • أسباب دماغية: لسنوات طويلة بقيت التغيرات التي تحدث في الدماغ نتيجة اضطرابات الأكل وفقدان الشهية موضع جدل للباحثين، لتحديد فيما لو كانت سبباً للإصابة بفقدان الشهية أو نتيجة له. إلا أنه ومع التقدم في التصوير العصبي أمكن التعرف الدقيق على مسببات المرض. استطاع الباحثون تحديد اختلافات بيولوجية عصبية بين أدمغة أفراد مصابين باضطراب فقدان الشهية وأدمغة أفراد أصحاء، ما يؤثر على طريقة تفكير المصابين وحالتهم النفسية والقرارات التي يتخذونها.

كيف تعمل الأنظمة العصبية في المصابين باضطراب فقدان الشهية؟

تعمل خلايا الدماغ في الأفراد الأصحاء وفقاً لمواد كيميائية تتحكم بنشاط الخلايا وتدعى بالناقلات العصبية. تدخل الناقلات العصبية إلى الخلايا عبر مستقبلات بروتينية خاصة تتعرف على الناقل وتوجد على سطح الخلايا. تحدث مجموعة الأمراض الدماغية العصبية باختلاف نوع وكمية الناقل العصبي ومستقبلاته في المشابك العصبية بين الخلايا العصبية، بما في ذلك اضطراب فقدان الشهية، حيث يتحكم كل من الناقلين العصبيين السيروتونين والدوبامين في طريقة التفكير والسلوك والشعور:

السيروتونين

يتحكم ناقل السيروتونين بالذاكرة والتعلم والنوم والمزاج بالإضافة إلى الشهية، لذا ارتبطت التغييرات بمستوياته وبمستقبلاته باضطراب فقدان الشهية العصبي، حيث تقل مستقبلات السيروتونين في السائل النخاعي لدى المصابين مقارنة بالأصحاء، وذلك لأن الجسم يصنع السيروتونين من الغذاء. وفقاً  لوالتر كاي؛ أستاذ الطب النفسي المتميز والمدير التنفيذي لأبحاث اضطرابات الأكل وبرنامج العلاج في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، فإن المصابين بفقدان الشهية يزيد عدد مستقبلات السيروتونين في أدمغتهم لزيادة كفاءة استخدام السيروتونين، ويزداد شعورهم بالتحسن خلال الجوع، لذا في حال تناول المزيد من الطعام ترتفع نسبة السيروتونين لديهم ما يسبب القلق والتوتر.

الدوبامين

يتحكم الدوبامين بشعورنا بالمتعة، حيث يرتبط بالسلوك المدفوع بالمكافآت، كما ينظم الحركة والذاكرة والهرمونات والحمل والمعالجة الحسية. في حالة الإصابة بفقدان الشهية، يسبب الدوبامين القلق ما يدفع إلى الاستغناء عن أشياء ممتعة كالطعام. أما في اضطراب الشره المرضي فينخفض مستوى الدوبامين ومستقبلاته في الجسم لذلك يرتبط تناول الطعام بمزيد من الدوبامين.

وظيفة دارة المكافأة في دماغ مرضى فقدان الشهية

يلعب الدوبامين دوراً مهماً فيما يُعرف بدارة المكافأة؛ وهي التي تتحكم وتنظم قدرتنا على الشعور بالمتعة. تتواصل الخلايا العصبية بين عدة أجزاء من الدماغ عبر المشابك العصبية التي تفصل بينها من خلال ناقل الدوبامين، حيث تنشط الخلايا العصبية وتُطلق الدوبامين عندما نتوقع الحصول على المكافأة، كما في النوم في سرير ناعم أو تناول الطعام.

في الجسم الصحي يحفز الجوع دارات المكافأة لتدفع بالجسم نحو الرغبة بالطعام، فتحفز على الأكل. إلا أنه في دراسة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا سان دييغو الأميركية ونُشرت في “المجلة الأمريكية للطب النفسي” (The American Journal of Psychiatry)، فشل الجوع في تنشيط دارة المكافأة الغذائية لدى المصابين بفقدان الشهية العصبي، كما وجد الباحثون عدم تماثل المواد الكيمائية التي تمر عبر دارات المكافأة للأشخاص الأصحاء مقارنة بالمصابين بفقدان الشهية. ويوضح كاي غير المشارك في هذه الدراسة أنها أولى الدراسات التي تظهر خللاً وظيفيّاً في فقدان الشهية بعد تذوق الطعام.

اقرأ أيضاً: ما مدى دقة السعرات الحرارية المذكورة على ملصقات علب الطعام؟

وفقاً للدراسة لا يمكن أن تكون الإصابة بفقدان الشهية اختياراً شخصياً، وعلى الرغم من ذلك تبقى المعضلة الأساسية في تحديد ما إذا كانت التوصيلات الخاطئة في الدماغ هي ما يسبب فقدان الشهية، أو بالعكس. ولكن، يساعد فهم التغييرات التي تحدث في الدماغ نتيجة الإصابة باضطراب فقدان الشهية العصبي على توجيه المصابين والبحث عن علاجات جديدة للمرض.