بحث جديد يبين الدور الذي يؤديه النمل الأبيض في دورة الكربون في ظل التغير المناخي

بحث جديد يبين الدور الذي يؤديه النمل الأبيض في دورة الكربون في ظل التغير المناخي
صورة لأحد أنواع النمل الأبيض الآسيوي تحت الأرضي الذي يتغذّى على الخشب (كوبتوتيرميس جيستروي). قد تؤدي هذه الحشرات دوراً أكثر أهمية مما كنا نتوقّع في دورة الكربون مع احترار المناخ. توماس شوفينك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُنظر للنمل الأبيض عادة كآفة تتغذّى على أسس المنازل والمباني الخشبية. لكن في الغابات الاستوائية، تعتبر هذه الحشرات الماهرة في نحت الخشب من عوامل التحلل الحيوي المهمّة. يساعد النمل الأبيض في تفكيك الخشب المتعفن، ما يتسبب بإطلاق المغذّيات والكربون إلى التربة والجو. والآن، تبيّن النتائج الجديدة لجهد بحثي دولي يمتد عبر 6 قارات، أنه كلما ارتفعت درجة الحرارة، كان النمل الأبيض أسرع في تفكيك الخشب المتعفّن.

كشفت دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 22 سبتمبر/ أيلول 2022 في مجلة ساينس أن معدّل تفكيك النمل الأبيض واستهلاكه للخشب يزداد أكثر من 6.8 مرة مع كل زيادة بمقدار 10 درجات مئوية في درجة الحرارة. للمقارنة، يتضاعف معدل التحلل الميكروبي للخشب مرة واحدة فقط تحت نفس الارتفاع في درجة الحرارة. تقول أيمي زان (Amy Zanne)، المؤلفة الرئيسية للورقة البحثية الجديدة وأستاذة علم الأحياء في جامعة ميامي: “إذا بلغ الفرق في درجة الحرارة بين منطقتين تحتويان على النمل الأبيض 10 درجات [مئوية]، فسيقابل ذلك الفرق تضاعف معدل تفكيك النمل الأبيض للخشب نحو 7 مرات”، وتضيف: “ما يعنيه ذلك أنه سيتم تدوير الخشب بسرعة أكبر، ما يتسبب بإطلاق الكربون منه بسرعة أكبر”.

تعتبر الأشجار المتساقطة بجذوعها وأغصانها وأوراقها بالإضافة إلى بقايا النباتات الأخرى المصادر الأساسية للكربون المحتجز؛ إذ إنها تخزّن ما مجموعه 73 طناً من الكربون. تساهم هذه “الأخشاب الميتة” في دورة الكربون الطبيعية، والتي يتم فيها إطلاق ذرات الكربون المخزّن وإعادة استخدامها في البيئة. تعزز هذه العملية نمو النباتات الجديدة وتؤثّر على درجة حرارة الكوكب والمناخ من خلال إصدار غاز ثنائي أوكسيد الكربون والميثان في الجو. هناك العديد من العوامل التي تتسبب بتحلل الخشب، من حرائق الغابات إلى الإشعاع الشمسي والميكروبات والفطريات. تقول زان، والتي تتخصص في دراسة التفكك ودورة الكربون: “لو لم يحتو العالم على الكائنات المُفككّة، فسيمتلئ بالنباتات والحيوانات الميتة”.

3 أشخاص يقفون في حقل عشبي ويدونون الملاحظات بجانب أعشاش النمل الأبيض.
أيمي زان (على اليسار) مع ماريانا ناردي (Mariana Nardi)، طالبة الدراسات العليا (في الوسط) وباولو نيغري (Paulo Negri)، زميل في مرحلة ما بعد الدكتوراة من جامعة ولاية كامبيناس (على اليمين) بالقرب من أعشاش النمل الأبيض في سافانا سيرادو الاستوائية في متنزه تشابادا دوس فيادجييروس، جزيرة ساو جورجي، مدينة ألتو بارايسو جي غوياس، ولاية غوياس، البرازيل. رافائيل أوليفيرا

تقول زان إن الحشرات مثل النمل الأبيض تؤدي أيضاً دوراً مهماً في تحلل الخشب. يعتبر النمل الأبيض كائناً حساساً لدرجة الحرارة؛ إذ يزداد كل من تنوع هذه الحشرات وأعدادها بالاقتراب من خط الاستواء. على عكس الآفات التي تتغذّى على أخشاب المنازل في المناطق الأكثر اعتدالاً، يكون النمل الأبيض أكثر وفرة وتنوعاً في المناطق الاستوائية. تتغذّى بعض أنواع هذا النمل على بقايا النباتات والأعشاب وفضلات الحيوانات بشكل خاص. وتقول زان إن بعض أنواع النمل الأبيض التي تعيش في آسيا وإفريقيا تحرث “حدائق” من فطريات العفن الأبيض. إن قدرة هذه الفطريات على معدنة مركّب الليغنين (وهو أحد أكثر المركبات التي يعتبر تحللها صعباً)، بالإضافة إلى الفكوك السفلية للنمل الأبيض والتي تحتوي على المعادن يمكن أن تتسبب بتفكك الخشب الفاسد بسهولة.

اقرأ أيضا:

حساسية النمل الأبيض لارتفاع درجات الحرارة

للوصول إلى فهم أفضل لهذه الحشرات التي تتغذّى على الخشب، تعاونت زان مع 108 مؤلفين مشاركين يعملون في 133 موقعاً حول العالم ويغطّون المناطق المعتدلة والاستوائية في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي. اختار الباحثون نوعاً واحداً من الخشب للدراسة، وهو الصنوبر الشعاعي (المعروف أيضاً باسم صنوبر مونتيري)، والذي يمكن إيجاده ودراسته في جميع المواقع التي يوجد الباحثون فيها. قامت كل مجموعة مشاركة بتجفيف كتل الخشب ووزنها ولفها في شباك محكمة لا يمكن أن تتسلل من خلالها سوى الميكروبات. وتم إحداث ثقوب أسفل نصف كتل الخشب حتى يتمكن النمل الأبيض من استعمارها. راقب الباحثون الكتل الخشبية لمدة تصل إلى 48 شهراً وبحثوا عن الفطريات والأنفاق والأخاديد المتشابكة التي يشكّلها النمل الأبيض. (تقول زان إن بعض الكائنات النادرة تسللت إلى كتل الخشب أيضاً، مثل أفعى سامة صغيرة وعنكبوت الأرملة السوداء).

بعد إزالة جميع الكائنات الموجودة في كتل الخشب، قامت فرق الباحثين بتجفيف الكتل وإعادة وزنها لحساب كمية الخشب التي تم تفكيكها بمرور الزمن. بيّنت الدراسات السابقة أن معدّلات تحليل الميكروبات للخشب في الظروف الأكثر دفئاً كانت أكبر، وهي نتائج ظهرت في البيانات الجديدة التي تم جمعها من الكتل الخشبية. لكن زان وزملاءها فوجئوا بمدى حساسية النمل الأبيض لدرجة الحرارة؛ إذ إن استجابة هذه الحشرات لدرجة الحرارة بلغت 4 أضعاف استجابة الميكروبات.

تقول زان: “هذه أرقام هائلة الكبر”، وتضيف: “هذه الحشرات حساسة للغاية لارتفاع درجة الحرارة. ما يعني أن معدّل تدويرها للكربون الموجود في الخشب سيزداد بشكل كبير مقابل ارتفاع طفيف في درجة الحرارة”.

كتلة خشبية تحتوي على العديد من الأقنية والأنفاق التي حفرها النمل الأبيض.
كتلة من خشب الصنوبر الشعاعي استخدمت في الدراسة الجديدة وتم حفرها وأكلها جزئياً بواسطة النمل الأبيض في منطقة كوينزلاند الشمالية، أستراليا. ريانون دارليمبل

تأثير النمل الأبيض على دورة الكربون

تتوافق نتائج الدراسة الجديدة مع نتائج الأبحاث السابقة. وجدت دراسة أجريت عام 2021 ونُشرت في مجلة نيتشر أن معدل تحلّل الأخشاب الميتة الناجم عن الحشرات ازداد مع ارتفاع درجات الحرارة، خصوصاً في المناطق الاستوائية مقارنة بالمناطق الأكثر برودة. لكن لاحظ مؤلفو الدراسة الجديدة أن النمل الأبيض كان حساساً لمعدّل هطول الأمطار أيضاً، ولكن بطريقة غير متوقعة. بينما كان من المتوقع أن يكون معدل تحلل الخشب الناجم عن النمل الأبيض هو الأكبر في البيئات الاستوائية، لاحظ الفريق أن هذه الحشرات لها تأثير ملحوظ على تفكك الخشب في المناطق الأكثر جفافاً مثل سهول السافانا الاستوائية والصحاري شبه الاستوائية.

اقرأ أيضا:

يقول كينيث نول (Kenneth Noll)، أستاذ علم الأحياء الدقيقة الفخري في جامعة كونيتيكت، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة إن هذه الدراسة تسلّط الضوء على أنماط مهمة تتعلق بدورة الكربون في ظل التغيّر المناخي. قال نول في رسالة بالبريد الإلكتروني لموقع بوبساي (العلوم للعموم): “أعتقد أن هذه الدراسة مثيرة للاهتمام لأنها تهدف لسد فجوة كبيرة في معلوماتنا حول معدل تفكك الأخشاب الميتة”، وأضاف: “لا شك في أن معدّل إطلاق الكربون المحتجز إلى الجو سيزداد مع ارتفاع درجة حرارة الأرض. لذلك، يجب أن نجد مقاييس أكثر كفاءة لهذا المعدل حتى نتمكّن من تصميم نماذج مناخية أكثر دقة”.

صور للنمل الأبيض، لبعضه ألوان وردية وزرقاء وخضراء زاهية لتوضيح الفكوك السفلية وتكوين الحشرات.
تمثيل فني للنمل الأبيض الذي يتغذّى على الخشب من منطقة كوينزلاند الشمالية، أستراليا. مصدر الصور الأصلية: ريبيكا كليمينت. العمل الفني بواسطة دونا ديفيس

نظراً لأنه من المتوقع أن يجعل التغيّر المناخي مناخ البيئات المختلفة أشبه بالمناخ الاستوائي، قد يتسبب ذلك في تشكّل مواطن أكثر ملائمة للنمل الأبيض وزيادة في أعداد هذه الحشرات. ويقترح مؤلفو الدراسة الجديدة أن ذلك سيزيد من أهمية الدور الذي يؤديه النمل الأبيض في تفكيك الخشب ودورة الكربون. مع ذلك، يشير نول إلى أنه بشكل عام، من المتوقع أن تتضاعف معدلات درجات الحرارة العالمية مرتين فقط، ما يعني أنه لن ترتفع معدلات تفكيك النمل الأبيض للخشب على مستوى العالم بنحو 7 أضعاف. ولذلك، “قد تكون آثار هذا الارتفاع طفيفة نسبياً”، حسب تعبيره. يضيف نول قائلاً إن ما نجهله حالياً هو كيفية استجابة جماعات النمل الأبيض في المناطق المعتدلة والشمالية لتغيّر المناخ، وهي المناطق التي ستكون فيها الزيادات في درجات الحرارة أكبر.

أشار نول أيضاً إلى أنه يجب دراسة النمل الأبيض لتحديد إسهامه في إطلاق غاز الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة ذات التأثير الكبير. توافق زان على ذلك، وتقول إن “النمل الأبيض هو بمثابة أبقار صغيرة، إذ إنه يطلق الميثان في الجو” من خلال أجهزته الهضمية. تضيف زان قائلة: “نعتقد أيضاً أن هذه الحشرات لديها القدرة على تغيير معدلات غاز الميثان الذي يتم إطلاقه في الجو ومعدلات الميثان الذي يتم تخزينه في التربة. لذلك، فهي قادرة على تغيير الطريقة التي يخرج منها الكربون من الخشب”.

بينما يعمل العلماء على كشف الطرق التي سيؤدي فيها التغيّر المناخي لإزاحة مختلف الكائنات الحية من مواطنها في المستقبل، تعتقد زان أن كشف الطرق التي ستؤثر فيها هذه الظاهرة على دورة الكربون هو على نفس القدر من الأهمية.

تقول زان إنه من الضروري أخد “الدور الذي تؤديه بعض الكائنات الصغيرة التي لا نراها في أغلب الأحيان بعين الاعتبار، مثل الميكروبات والنمل الأبيض”، وتضيف: “هذه الكائنات مهمة للغاية في الحفاظ على هذا الكوكب الذي نشاركه معها، وهي تؤثر عليه بشكل كبير”.

اقرأ أيضا: