كيف نجحت «تقنية كريسبر» في كبح تكاثر فيروس نقص المناعة البشرية المسبب لمرض الإيدز؟

كيف نجحت "تقنية كريسبر" في كبح تكاثر فيروس نقص المناعة البشرية المسبب لمرض الإيدز؟
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من النتائج الجيدة للعلاج الدوائي الذي تم تطويره ضد مرض الإيدز، إلّا أن العلماء لم يكتفوا بإيجاد علاج يخفف من الأعراض ويحد من شدة الإصابة. ومع أن العلاج الدوائي يثبط تكاثر فيروس نقص المناعة البشرية بنسبة كبيرة، إلا أن الفيروس لا يلبث أن يتفعل من جديد بعد إيقاف العلاج، ولذلك أراد العلماء إيجاد علاج يقضي على وجود الفيروس في الجسم بشكل تام.

باحثو نورث ويسترن يحددون الأجزاء الفيروسية المسؤولة عن استنساخ الفيروس

أثبت باحثو جامعة نورث ويسترن الأميركية ارتباط الجينات بالآلية المرضية التي يهاجم فيها فيروس نقص المناعة البشرية المُكتسب الخلايا، ولهذه الغاية تم استخدام “تقنية كريسبر”، وهي تقنية لتعديل الجينات واقتطاع الأجزاء المَرضية منها، لإزالة جينات فيروس نقص المناعة البشرية من الخلايا المُصابة به والحد من قدرة الفيروس على مهاجمة الخلايا والتكاثر ضمنها.

في الخلايا البشرية، يعمل فيروس نقص المناعة البشرية عن طريق الارتباط بالخلايا وإطلاق المادة الوراثية الخاصة به فيها، فتندمج بعد ذلك مادته الوراثية وأحماضه النووية مع تلك الموجودة في الخلايا، ليتم في نهاية المطاف إلغاء الوظيفة الأساسية لهذه الخلايا وتحويلها إلى مقر مختص بالاستنساخ الفيروسي.

اقرأ أيضاً: أول حالة شفاء لامرأة من مرض الإيدز باستخدام زرع الخلايا الجذعية

قاد البحث “جود هولكويست“، وهو بروفيسور في علم الأوبئة والأمراض الإنتانية، واختص البحث في دراسة التركيبة الوراثية للفيروس لتحديد الجينات المسؤولة عن تكاثر الفيروس وقدرته على إحداث العدوى. تم تحديد أكثر من 80 جيناً مسؤولاً، ومن هذه الجينات 40 جيناً جديداً لم يُكتشف من قبل، الأمر الذي وسعّ من قاعدة الأبحاث المستقبلية.

دور تقنية كريسبر في تعديل المادة الوراثية لفيروس الإيدز

يتجلى دور “تقنية كريسبر” في إزالة المواد الوراثية الفيروسية التي تم دمجها في الحمض النووي الخاص بالخلايا. في البداية يتم تحديد الخلايا المُصابة بالفيروس، ليتم بعد ذلك تحديد الجزء من تسلسل جينوم فيروس نقص المناعة البشرية الذي يُشفر للتكاثر والاستنساخ، وبهذه الطريقة يتم توجيه إنزيم متخصص باقتطاع الأجزاء وإزالتها من الحمض النووي.

كانت المنطقة التي تم استهدافها هي “التكرار الطويل لنهاية المادة الوراثية الفيروسية”، والتي تعمل على تفعيل آليات الخلية المضيفة حتّى تبدأ في إنتاج البروتينات الفيروسية.

اقرأ أيضاً: التعديل الجيني يمكن أن يساعد في القضاء على فيروس الإيدز

عادةً، تقوم الخلايا المُصابة بالفيروس بإنتاج بروتين يُسمى بـ “البروتين-24” والذي يمكن قياس مستوياته في الدم. وعند مقارنة مستويات هذا البروتين قبل استخدام تقنية كريسبر وبعدها، تبين أن الإنتاج النشط لهذا البروتين قد توقف تماماً بعد بضعة أيام من تطبيق تقنية كريسبر، فما كان توقف صنع البروتين هذا إلّا دليلاً على فعالية تقنية كريسبر في تحديد الأجزاء الفيروسية المسؤولة عن الاستنساخ واقتطاعها.

النتائج النهائية لدراسة استخدام تقنية كريسبر في تحديد الأجزاء الفيروسية واقتطاعها

كأي دراسةٍ حديثة، لا بد من وجود بعض التحديات في البداية، ومن التحديات التي واجهت هذه الدراسة هي وجود آلاف السلالات الفيروسية والتنوع الوراثي الكبير في تركيبة فيروس عوز نقص المناعة البشرية، الأمر الذي يَفرض نوعية في تطبيق العلاج. كما وجدوا أن الفيروس المسبب لمرض الإيدز قد استمر في إحداث العدوى حتّى بعد اقتطاع الأجزاء المسؤولة عن التكاثر، الأمر الذي دفع إلى تطبيق أحد العلاجات الدوائية المثبطة للفيروسات.

اقرأ أيضاً: لمن يجب أن يُسمح باستخدام تقنية كريسبر؟

وجِدت بعض المخاوف حول كيفية تطبيق تقنية كريسبر على الخلايا البشرية، وبحثوا في إدخال “معقد كريسبر Cas9” إلى الخلايا بطرق آمنة عن طريق استخدام الحمض النووي الريبي المرسال (messengerRNA)، كذلك المُستخدم في لقاحات كوفيد-19 مثل “فايزر” و”موديرنا”. وكانت النتائج أن الحمض النووي الريبي تحول إلى قطرات شحمية داخل الخلايا والتي بدورها تحولت إلى معقد كريسبر.

مع اكتمال الخطوة الأولى، يأمل فريق نورث وسترن في التوصل لكيفية مهاجمة  المسارات الجينية التي يستخدمها الفيروس لإصابة البشر والقضاء عليها. وعلى الرغم من إيجابية النتائج، إلا أنه لا يمكن تطبيقها على الخلايا البشرية بعد، وذلك نظراً لأن الدراسة أُجريت تحت شروط معينة خاضعة للرقابة في المختبر. ولكي يكون هذا العلاج فعالاً لدى البشر، يجب أن يكون الوصول إليه سهلاً وأن يكون فعالاً في كل خلية من الخلايا المُصابة بالفيروس، كما يجب تقرير ما إذا كان من الضروري استخدام الأدوية المضادة للفيروسات أم لا وتحديد المدة اللازمة للعلاج بها.

اقرأ أيضاً: نتائج واعدة لاستخدام تقنية كريسبر في علاج السرطان

من المحتمل أن يستغرق الأمر زمناً حتى تتم صياغة هذه النتائج والإعلان عن علاج ملموس لمرض لإيدز، لكن هولكويست كان قد أعرب عن تفاؤله بهذا الخصوص حيث قال: “منذ عقودٍ ونحن نحاول فهم آلية جينية واحدة لفيروس الإيدز، وما كان من هذا البحث إلا أن قربنا خطوات عدة باتجاه وضع العلاج حيث فسّر العديد من الآليات الجينية المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية المُكتسب”.