دراسة: طفرات وراثية تجعل بعوض الزاعجة المصرية مقاوماً للمبيدات الحشرية

دراسة: طفرات وراثية تجعل البعوض المسبب لحمى الضنك مقاوماً للمبيدات الحشرية الشائعة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ jipatafoto89
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الزاعجة المصرية هو نوع من البعوض ينقل الفيروسات المسببة لحمى الضنك والحمى الصفراء ومرض زيكا وغيرها، وهي واحدة من الحشرات الأكثر فتكاً بالإنسان، خصوصاً وأن حمى الضنك حددتها منظمة الصحة العالمية واحدة من أكبر 10 تهديدات للصحة العالمية عام 2019.

اليوم، ربما تصبح هذه البعوضة أكثر خطراً، فقد اكتشفت دراسة علمية حديثة أن بعوضة الزاعجة المصرية قد طورت في بعض بلدان آسيا مقاومة عالية جداً للبيرثرويدات، وهي مبيدات حشرية شائعة الاستخدام.

الزاعجة المصرية

الزاعجة المصرية (Aedes aegypti) بعوضة استوائية صغيرة الحجم لدغتها غير مؤلمة، تعد الناقل الرئيسي للفيروسات المسببة لحمى الضنك والحمى الصفراء وزيكا وشيكونغونيا (Chikungunya) وغيرها، تتميز بوجود خطوط بيضاء على أرجلها وبقع على صدرها وبطنها. وعلى الرغم من أنها قد نشأت أساساً في إفريقيا، فقد انتقلت إلى جميع أجزاء العالم من خلال حركة التجارة والشحن بين البلدان.

بعوضة الزاعجة المصرية
بعوضة الزاعجة المصرية. حقوق الصورة: shutterstock.com/ Tacio Philip Sansonovski

تتغذى إناث البعوض على دم الإنسان لإنتاج البيض، ثم تضع بيضها في حاويات تحتوي على الماء بالقرب من البشر، مثل دلاء الماء وأطباق شرب الحيوانات وأوعية شرب الطيور والمزهريات وغيرها، وهي سريعة النمو إذ يستغرق الأمر نحو 7-10 أيام ليتحول البيض إلى بعوض بالغ، كما أنها تطير لمسافات قصيرة فقط نحو (50-200 متر)، وهذا يعتمد على توافر الغذاء (دم الإنسان)، ومواقع التكاثر (حاويات الماء).

اقرأ أيضاً: دراسة: متوسط عمر النحل يتراجع والسبب قد يكون جينياً

البيرثرويدات

البيرثرويدات هي مواد كيميائية اصطناعية صنعها الإنسان على نحو يشبه مادة البيريثيوم (Pyrethrum) وهي مبيد طبيعي تنتجه أزهار الأقحوان، تُستخدَم هذه المركبات لطرد البعوض أو قتله عن طريق استهداف جهازه العصبي المركزي، مسببة شلله أو موته. وقد كانت مبيدات البيرثرويدات من أهم أدوات المكافحة ضد البعوض، نظراً لفعاليتها وسرعة مفعولها وانخفاض سميتها على الثدييات والإنسان.

اقرأ أيضاً: ما هي نتائج أول تجربة لإطلاق البعوض المعدل وراثياً في الولايات المتحدة؟

ماذا اكتشف العلماء عن مقاومة بعوض الزاعجة المصرية للمبيدات؟

وجد فريق من الباحثين بقيادة شينجي كاساي من المعهد الوطني للأمراض المعدية في طوكيو مع مجموعة من زملائه المنتسبين لمؤسسات متعددة في اليابان وفيتنام وكمبوديا وسنغافورة وتايوان وإندونيسيا وغانا، في دراستهم المنشورة في مجلة ساينس أدفانسس (Science Advances) دليلاً على وجود سلالات من بعوض الزاعجة المصرية شديدة المقاومة للبيرثرويدات في كل من فيتنام وكمبوديا.

تضمن البحث جمع 23 عينة من البعوض من مواقع ميدانية من 4 دول هي: فيتنام وإندونيسيا وغانا وتايوان، ثم رش هذه العينات بجرعات كبيرة من مبيد البيرميثرين، وهو بيرثرويد شائع الاستخدام في جميع المناطق التي جمعت منها العينات، ومن المفترض نظرياً أن يقتل 99% من الحشرات. لكن معدل موت الحشرات لم يكن متساوياً في جميع العينات، فقد وجدوا أن 20% فقط من البعوض الذي جُمِع من فيتنام قد قُتِل بواسطة المبيد. لذلك، حلل الباحثون جينومات مجموعتين من البعوض المقاوم للمبيد الحشري الذي جمع من فيتنام، واكتشفوا وجود طفرة جينية في الجين (L982W)، وهو جين سبق وأن ارتبط فعلاً بمقاومة البعوض للمبيدات لكن ليس بهذا المعدل المرتفع.

ثم درس العلماء جينومات بعض عينات البعوض الأخرى التي جُمِعت من سنغافورة وكمبوديا التي أظهرت أيضاً مستويات عالية من مقاومة المبيدات، باحثين عن الطفرة (L982W) بالإضافة إلى 3 طفرات أخرى سبق وأن ارتبطت بمقاومة المبيدات، وقد استطاعوا تمييز 10 سلالات مختلفة من البعوض المقاوم للمبيدات وجميعها تقريباً موجودة في كمبوديا، حيث يحتوي بعضها على الطفرة (L982W) المشابهة لتلك التي شوهدت في بعوض فيتنام، في حين يحتوي بعضها الآخر على مجموعة من الطفرات المقاومة للبيرثرويد بالإضافة إلى الطفرة (L982W).

اقرأ أيضاً: ما النتائج التي توصل لها باحثون من جامعة الشارقة حول جودة المياه في الخزانات المنزلية؟

قدّر الباحثون أن نحو 78% من عينات البعوض التي جُمعت من كمبوديا تنتمي إلى إحدى هذه السلالات، ووجدوا أن البعوض الذي يمتلك طفرة الجين (L982W) يستطيع تحمل جرعات أعلى من البيرثرويد بمقدار 50-100 ضعف مقارنة بالجرعات التي يتحملها البعوض العادي، في حين أن سلالة البعوض التي تمتلك الطفرة (L982W) مع مجموعة من الطفرات الأخرى تصبح فائقة المقاومة، إذ تستطيع أن تنجو من جرعات البيرثرويد التي تزيد على الجرعات القاتلة للبعوض عادةً بـ 500-1000، وأن 90% من البعوض الذي جُمع من كمبوديا ينتمي إلى هذه السلالة.

خلصت الدراسة إلى ضرورة أن تبدأ الدول المجاورة مثل الصين وتايلاند في اختبار مقاومة البعوض للمبيدات لتحديد حجم المشكلة الحقيقي، وفيما إذا كانت هذه الطفرات تنتشر أم لا.

لا بُدّ أن نسأل، هل ستسبب مقاومة البعوض الفائقة للمبيدات الحشرية (وخاصة البيرثرويد) دق ناقوس الخطر على مستوى العالم، وتحريكه للعثور بسرعة على مبيدات حشرية بديلة أو طرائق أخرى في المكافحة، كالبعوض المعدّل وراثياً أو المكافحة الحيوية أو أي شيء يسهم في السيطرة على هذه الحشرات، وتقليل تهديدات الأمراض الفيروسية المعدية التي تلوح في الأفق؟