دراسة جديدة تلقي الضوء على العلاقة بين مورثات الذئاب القديمة وأصل الكلاب

دراسة جديدة تلقي الضوء على العلاقة بين مورثات الذئاب القديمة وأصل الكلاب
كلب الهاسكي السيبيري هو أحد أنواع الكلاب التي لها روابط وراثية وثيقة مع الذئاب القديمة التي عاشت في أوراسيا. ديبوزت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تطوّرت الكلاب الأولى من الذئاب الرمادية منذ ما يقرب من 30-15 ألف عام. ولكن ليس من المعروف بالضبط متى وأين وكيف وقع هذا الحدث الكبير. لم يتمكن علماء الأحياء المختصون بعلم الأحياء التطوري من التوصل لتوافق بشأن هذا اللغز طويل الأمد لعقود من الزمن. مع ذلك، قد تساعد دراسة نشرت في 29 يونيو/حزيران 2022 في مجلة “نيتشر في تحديد أصل الكلاب بدقة أكبر.

التشابه بين الذئاب القديمة والكلاب

قامت مجموعة دولية من الباحثين المتعاونين بتحليل 72 جينوماً للذئاب القديمة التي عاشت في قارة أوروبا وسيبيريا وأميركا الشمالية. وقارن الباحثون هذه الجينومات بجينومات الذئاب الحديثة والكلاب القديمة والحديثة، واستنتجوا أن الكلاب بشكل عام أكثر تشابهاً من الناحية الوراثية مع الذئاب القديمة التي كانت تعيش في شرق أوراسيا مقارنة بتلك التي كانت تعيش في غرب أوراسيا. بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن مجموعات الذئاب القديمة ظلّت قريبة وراثياً بدرجة كبيرة طوال معظم الـ100 ألف سنة الفائتة، كما أنهم كشفوا وجود عدة طفرات من المحتمل أنها قد ساعدت الذئاب القديمة في الصمود في وجه العصر الجليدي.

يقول بنيامين إن. ساكس، عالم أحياء متخصص بعلم الأحياء التطوري في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: “برأيي أن الدراسة مثيرة للغاية بشكل عام”، ويضيف: “قدّم التسلسل الزمني المثير للإعجاب لعينات الحمض النووي القديمة التي تعود للذئاب طريقة غير مسبوقة لفهم ماضي هذا النوع”.

اقرأ أيضاً: هل تستخدم الكلاب كلمات للتواصل عندما تنبح؟

استخرج الباحثون في تحليلهم الحمض النووي من عظام 66 فرداً من الذئاب القديمة وقاموا بسلسلة جينومات الذئاب. قارن فريق الباحثين هذه المواد الوراثية بعدد من جينومات الذئاب القديمة التي تمت دراستها من قبل وبالبيانات التي تم تجميعها من 68 ذئباً حديثاً و369 كلباً حديثاً و33 كلباً قديماً وبعدد من الأنواع من عائلة الكلاب.

يقول أندريس بيرغستروم، عالم الوراثة في معهد “فرانسيس كريك” في لندن والمؤلف المشارك للورقة الجديدة، إن الكلاب كانت أكثر قرباً وراثياً بشكل عام من الذئاب القديمة التي عاشت في قارة آسيا وأوروبا. يضيف بيرغستروم قائلاً: “لكن وجدنا أن الموضوع أكثر تعقيداً بقليل”.

تطورت الكلاب التي عاشت في سيبيريا والأميركيتين وشرق آسيا وشمال شرق أوروبا بشكل أساسي من الذئاب التي عاشت في مكان ما في شرق أوراسيا. يقول بيرغستروم: “يوجد مصدر (السلالة) هذا في جميع أنواع الكلاب، وهو يتركّز في الكلاب التي تعيش في سيبيريا والصين وأستراليا”. يذكر بيرغستروم أيضاً بعض الأنواع مثل الهاسكي السيبيري والكلب الأسترالي (الدنغو) كأمثلة على الكلاب الأكثر تقاطعاً من الناحية الوراثية مع ذئاب شرق أوراسيا القديمة. تستمد أيضاً الكلاب التي تعيش في الشرق الأدنى في آسيا وإفريقيا مثل “الباسينجي” و”الكلب الأفغاني” و”السلوقي” ما يصل إلى نصف مورثاتها من مجموعة ترتبط بذئاب جنوب غرب أوراسيا الحديثة.

حسب بيرغستروم، تبين النتائج أن جزءاً من الحمض النووي للكلاب يعود إلى مجموعتين مختلفتين على الأقل من الذئاب القديمة. ينص أحد التفسيرات المحتملة على أنه تم تدجين الكلاب من الذئاب في منطقتين منفصلتين، ثم التقت هذه الكلاب وتم إكثارها في وقت لاحق. يقول بيرغستروم: “من المحتمل أيضاً أن يكون التدجين حصل مرة واحدة فقط ثم اختلطت الكلاب مع قدومها من الشرق بالذئاب البرية المحلية”، ويضيف: “يمكننا أن نرى هذا الأصل المزدوج للكلاب، ولكننا لا نعلم بعد ما إذا كان ذلك يعني حدوث التدجين أكثر من مرة”.

لا يمثل أي من جينومات الذئاب القديمة سلفاً مباشراً للكلاب الأولى. ويخطط الباحثون لفحص الجينومات التي تعود للمزيد من المواقع في المستقبل على أمل تحديد مكان ظهور الكلاب لأول مرة.

يقول بيرغستروم: “على الرغم من أننا أحرزنا تقدماً في فهم علاقة الكلاب بالذئاب، فإننا لم نحل بعد لغز أصل الكلاب”، ويضيف: “لا تزال الأصول المحتملة للكلاب كثيرة”.

طفرات آي إف تي 88

فوجئ بيرغستورم وزملاؤه أيضاً بملاحظتهم أن الجماعات المتباعدة من الذئاب بقيت متقاربة وراثياً خلال أواخر العصر الحديث الأقرب الذي انتهى منذ نحو 11700 سنة. يقول بيرغستروم: “نعتقد أن هذا يعني أن الذئاب في العصر الجليدي كانت تتنقل كثيراً، وربما كان هذا أحد الأسباب التي ساعدتها في البقاء على قيد الحياة بينما انقرضت العديد من الحيوانات الأخرى”، ويضيف: “كانت هذه الذئاب قادرة على تجنّب الانقسام إلى عدة مجموعات معزولة”.

بالإضافة إلى ذلك، اكتشف الباحثون عدداً من الطفرات التي ظهرت خلال آخر 100 ألف سنة وانتشرت بسرعة عبر تجميعة مورثات الذئاب. ظهرت بعض هذه الطفرات على مورثة تحمل اسم “آي إف تي 88” في الفترة ما بين 40-30 ألف سنة مضت. تتعلق هذه المورثة لدى الفئران والبشر في تطور الجمجمة والفك السفلي. ومن المحتمل أن تكون هذه الطفرات قد ساهمت في تطوير الذئاب القديمة فكوكاً ساعدتها على الصيد بكفاءة أكبر أو أتاحت لها اصطياد فرائس جديدة.

يقول بيرغستروم: “نعتقد أن هذا المثال المتطرف على الانتقاء الطبيعي قد يبيّن كيفية تكيّف الذئاب في فترة التغيّر المناخي خلال العصر الجليدي”. اكتشف بيرغستورم وفريقه أيضاً طفرات حدثت على مورثات تؤدي دوراً في حاسة الشم، ما يشير إلى أن هذه الحاسة قد تحسّنت لدى الذئاب خلال العصر الجليدي.

يقول ساكس إنه لا تزال هناك الكثير من الأسئلة المتعلقة بالتاريخ التطوري للذئاب والتي لم تتم الإجابة عنها. كانت الذئاب القديمة التي عاشت في أميركا الشمالية أكثر تميّزاً من الناحية الوراثية مقارنة بالجماعات الأخرى. وقد يعود ذلك إلى تخالطها مع القيوط. يقول ساكس إن معرفة متى وقع هذا الاختلاط له “تبعات مهمة” على كشف أسرار تطور الذئاب الحمراء والذئاب الشرقية في أميركا الشمالية.

مع ذلك، يضيف ساكس أن الأدلة التي كشفت عنها الورقة البحثية الجديدة والتي تبين أن مورثات الكلاب الحديثة لها مصدران وراثيان مختلفان تتوافق مع الاختلافات الوراثية التي اكتشفها بشكل مستقل مع معاونيه في الكلاب التي تعيش في مناطق مختلفة من قارة آسيا وأستراليا.

يقول ساكس: “لكن كما أشار مؤلفو الدراسة الجديدة، لا يزال هناك الكثير من الحقائق التي يجب علينا كشفها قبل أن نتمكّن من قول إننا نفهم أصل الكلاب تماماً”.