دراسة الأصوات التي تصدرها قرود الأورانغوتان قد تساعد في حل لغز تطور اللغات

دراسة الأصوات التي تصدرها قرود الأورانغوتان قد تساعد في حل لغز تطور اللغات
حقوق الصورة: shutterstock.com/ VectorMine
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك نحو 7 آلاف لغة محكية حول العالم. مع ذلك، لا يزال من غير المعروف تماماً كيف أصبح البشر ماهرين للغاية في استخدام اللغات.

المهارات الصوتية لقرود الأورانغوتان

يمكن أن تكشف دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 20 ديسمبر/ كانون الأول 2022 في مجلة اتجاهات في العلوم المعرفية (Trends in Cognitive Sciences) عن العلاقة بين خطاب البشر والأصوات التي يصدرها أبناء عمومتهم من الحيوانات. وجدت الدراسة الجديدة أن قرود الأورانغوتان (إنسان الغاب) تصدر نداءات تشبه صوت الأحرف الساكنة بشكلٍ متكرر وبتنوّع أكبر من أبناء عمومتها من القرود التي تعيش على الأرض مثل الغوريلا والبونوبو والشمبانزي.

على الرغم من أن البشر يتشاركون بنسبة 97% تقريباً من مادتهم الوراثية مع الأورانغوتان، فإن قرود الشمبانزي والبونوبو أقرب وراثياً من البشر. بما أن قرود الأورانغوتان لا تزال تمتلك هذه المهارات الصوتية العالية، فقد يمثّل الموقع الذي عاش فيه أسلافنا من الرئيسيات غير البشرية جزءاً آخر بالغ الضرورة في فهم منشأ قدرة البشر على الكلام.

اقرأ أيضاً: دراسة: الروابط الاجتماعية عند قرود الرّيص تزيد البكتيريا المعوية المفيدة لديها

تعتبر قرود الأورانغوتان من القرود العليا الشجرية الأساسية، أي القرود التي تعيش على الأشجار. ومن المحتمل أن يكون عيش القرود على الأشجار أو على الأرض من العوامل الأساسية التي أثرت على تطور القدرات الصوتية المختلفة.

منشأ الحروف الساكنة

تشير الدراسة الجديدة إلى أنه من المحتمل أن أسلاف البشر اتبعوا نمط حياة أشبه بنمط حياة الكائنات الشجرية أكثر مما كان يعتقد سابقاً نظراً لتطور مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من النداءات الشبيهة بأصوات الأحرف الساكنة بين القرود الشجرية مثل الأورانغوتان.

قال الأستاذ المساعد لعلم النفس في جامعة وارويك، أدريانو لاميرا (Adriano Lameira)، في بيان صحفي: “ركّزت نظريات تطور الخطاب حتى الآن على العلاقة بين تشريح حنجرة الرئيسيات واستخدام البشر للأحرف الصوتية”، وأضاف: “لكن هذه الفرضيات لا تفسر كيف أصبحت الأصوات التي تشبه الأحرف الساكنة والتي تنتج دون اهتزاز الحبال الصوتية مكوناً رئيسياً في جميع اللغات المحكية حول العالم”.

تتألف جميع لغات العالم المحكية اليوم من الأحرف الصوتية والساكنة. تصدر الأحرف الصوتية في أغلب الأحيان عن اهتزاز الحبال الصوتية في الحنجرة. أما الأحرف الساكنة، فهي لا تنتج عادة من اهتزاز الحبال الصوتية بل من تحريك الأعضاء الناطقة فوق الحنجرة مثل الشفاه واللسان والفك السفلي.

بحث لاميرا في أصول اللغات البشرية المحكية، والتي تتألف من الأحرف الصوتية التي تتمثّل في أصوات تنتج عن اهتزاز الحبال الصوتية والأصوات التي لا تنتج عن اهتزاز هذه الحبال، والتي تشكّل الأحرف الساكنة. لكن تتألف نداءات الرئيسيات غير البشرية بشكل رئيسي من الأصوات الشبيهة بالأحرف الصوتية والتي تنتج عن اهتزاز الحبال الصوتية.

قال لاميرا: “يثير ذلك تساؤلات حول منشأ الحروف الساكنة التي توجد في جميع اللغات المحكية”.

اقرأ أيضاً: ما علاقة حجم الحيوانات وسرعتها بإدراكها للزمن؟

دراسة أصوات قرود الأورانغوتان

قارن مؤلفو الدراسة الجديدة بين آليات إصدار الأصوات الشبيهة بالأحرف الساكنة لدى 3 سلالات رئيسية من القرود، وهي الأورانغوتان والبونوبو والشمبانزي. تشمل مجموعة النداءات التي تصدرها هذه القرود أصواتاً شبيهة بالأحرف الصوتية والساكنة. لكن هناك بعض التناقضات في الطرائق التي تستخدم فيها هذه القرود العليا الأصوات الساكنة في الطبيعة.

قال لاميرا: “تستخدم قرود الغوريلا والشمبانزي والبونوبو البرية مجموعة متنوعة للغاية من النداءات الشبيهة بالأحرف الصوتية”، وأضاف: “على سبيل المثال، تستخدم قرود الغوريلا نداءً محدداً شبيهاً بالأحرف الساكنة. لكن هذا النداء منتشر فقط بين بعض جماعات الغوريلا. تصدر بعض جماعات الشمبانزي نوعاً أو اثنين من النداءات الشبيهة بالأحرف الساكنة والتي ترتبط بسلوك معين مثل تنظيف بعضها. لكن هذه النداءات نفسها ليست منتشرة بين جماعات الشمبانزي الأخرى”.

تستخدم قرود الأورانغوتان البرية نداءات شبيهة بالأحرف الساكنة والمرتبطة بعدد من السلوكيات بشكل متسق وشامل، على غرار ما يفعله البشر في خطابهم.

وفقاً للاميرا، تستخدم قرود الأورانغوتان مجموعة واسعة من الأصوات المرتبطة بسلوكيات مثل الضرب والتقبيل، بالإضافة إلى أصوات النقر والهمهمة والسخرية من بعضها. يمكن أن تساعد دراسة بعض جوانب نمط الحياة الشجري الذي تتبعه هذه القرود في تفسير تعقيد هذه النداءات الشبيهة بالأحرف الصوتية.

قال لاميرا: “تعتبر جميع القرود جامعة ماهرة للطعام، إذ إنها طوّرت آليات معقدة للحصول على الأغذية المغلفة أو المخفية مثل المكسرات وألباب النباتات، والتي يتطلب جمعها عادة الاستخدام الدقيق للأيدي والأدوات”.

اقرأ أيضاً: 5 أمراض تصيب مراكز اللغة في الدماغ

تستفيد القرود التي تعيش على الأرض مثل الشمبانزي والغوريلا من ثبات الأرض لتحضير الطعام واستخدام الأدوات، لكن قرود الأورانغوتان تحتاج إلى تثبيت طرف واحد على الأقل من أطرافها عند جمع الطعام وتحضيره.

قال لاميرا: “نتيجة لهذا القيد، طوّرت قرود الأورانغوتان مهارة أكبر في استخدام شفاهها وألسنتها وفكوكها، وهي تستطيع استخدام أفواهها كطرف خامس للإمساك بالطعام والتلاعب بالأدوات”،  وأضاف: “من المعروف أن هذه القرود تستطيع تقشير برتقالة باستخدام شفاهها فقط. لذلك، فإن قدرتها على التحكم العصبي الحركي الفموي متفوقة للغاية مقارنة بالقرود الإفريقية الأخرى، وهي تعتبر عاملاً بالغ الضرورة في بقائها”.

يشبه البحث الجديد دراسة نُشرت مؤخراً يحاجج مؤلفوها أن أسلاف البشر طوّروا القدرة على المشي على قدمين كآلية لجمع الطعام بين أغصان الأشجار بكفاءة أكبر. قد تدفع هذه النتائج الجديدة العلماء إلى تعديل الفرضية التي حظيت بالإجماع في المجتمع العلمي لزمنٍ طويل والتي تهدف لتفسير تطور سمة المشي على قدمين لدى البشر.

كلما تعلّمنا المزيد عن تفاعل أقاربنا وأسلافنا مع البيئات المليئة بالأشجار، زادت قدرة العلماء على فهم السياق التطوري الذي جعلنا بشراً.