كيف تستفيد الدراسات العلمية من التشابه الوراثي بين البشر والكلاب؟

كيف تستفيد الدراسات العلمية من التشابه الوراثي بين البشر والكلاب؟
يتشارك البشر والكلاب بسمات وراثية أساسية تجعل هذه الحيوانات قيّمة في الدراسات العلمية. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قبل 28 عاماً، بدأت إيلين أوستراندر (Elaine Ostrander) بإنشاء خريطة لجينوم الكلاب. رغبت هذه الباحثة في علم الوراثة بفهم سلوك الكلاب والمورثات التي تؤثر فيه. علمت أوستراندر أن هذا الإنجاز قابل للتحقيق؛ إذ بيّنت دراستان نُشرتا حينها ذلك. لكن ما لم تعلمه هو أن إيجاد فريقها للجواب الذي سعى للبحث عنه سيستغرق ربع قرن من الزمن وسيتطلب إجراء عشرات الدراسات.

الآن، تقود أوستراندر مشروع جينوم الكلاب، وهي مبادرة قامت بإطلاقها في عام 2004 بالتعاون مع المعاهد الوطنية للصحة. لا تقتصر أهداف هذا المشروع على تعلم المزيد عن الكلاب؛ إذ إن علماء هذا المشروع يرغبون في اكتشاف المزيد من الحقائق عن البشر أيضاً. ولهذا السبب اهتم المسؤولون في المعاهد الوطنية للصحة به. اكتشف العلماء أن البشر والكلاب متشابهان بدرجة كبيرة من الناحية الوراثية، وأن دراسة هذه الحيوانات يمكن أن تساعدنا على تعلم المزيد عن الأمراض التي تصيب البشر.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تلقي الضوء على العلاقة بين مورثات الذئاب القديمة وأصل الكلاب

تشابه وراثي بين البشر والكلاب

تقول الأستاذة في كلية تشان للطب في جامعة ماساتشوستس أمهيرست ومؤسسة مشروع داروينز آرك (Darwin’s Ark، سفينة داورين)، وهو مشروع علوم المواطنين الذي يهدف لجمع المعلومات الوراثية عن الحيوانات الأليفة، إلينور كارلسون (Elinor Karlsson): “دراسة البشر صعبة للغاية”، وتضيف: “لكن الكلاب لا تعيش لنفس الفترة الزمنية. لذلك، إذا رغبنا في دراسة التقدّم في العمر أو السرطان، يمكننا فعل ذلك بسرعة أكبر”. تفيد كارلسون أيضاً بأن العامل المهم بشكل خاص في دراسة الكلاب هو أنها تعيش مع البشر. وتقول: “إذا أردنا تجنّب دراسة السرطان خوفاً من التفاعل بين المورثات والبيئة مثلاً. فيمكننا اختبار هذا التفاعل من خلال دراسة الكلاب”.

لا يقوم العلماء في مشروع جينوم الكلاب بدراسة الكلاب لأغراض تتعلق بالبشر فقط؛ إذ إنهم يعملون أيضاً على فهم الكلاب بشكل أفضل. في دراسة نُشرت في أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول 2022، قامت أوستراندر وزملاؤها بإحراز تقدّم كبير في مساعيهم لإنشاء خريطة لجينوم الكلاب. تمكّن هؤلاء من إيجاد الإجابة عن السؤال “هل يمكن أن تحدد المورثات ما هي المهام التي تبرع بها الكلاب؟” ، وكان الجواب هو نعم.

تقول أوستراندر: “عندما ننظر إلى مجموعة من الكلاب في حديقة ونحدد السلالة التي تنتمي إليها، ستكون لدينا بعض التوقعات حول السلوك الذي قد تتبعه في موقف معين”، وتضيف: “إذا انتمى الكلب إلى سلالة الكولي الحدوديّ، سنتوقع أنه ماهر في سَوق الأغنام. وإذا كان ينتمي إلى سلالة الترير، سنتوقع أنه ماهر في صيد الفئران”.

بدلاً من الاعتماد على هذه التوقعات المسبقة حول سلوك الكلاب، نظر مؤلفو الدراسة الأخيرة في مورثات الكلاب. تقول أوستراندر إنه باستخدام جينومات “آلاف وآلاف الكلاب”، تمكّن الباحثون من تصنيف أنواع الكلاب في سلالات تبعاً لسلوكياتها المشتركة.

اقرأ أيضاً: بحث جديد يلقي الضوء على جينوم أول حيوان ثديي تطور على الأرض

باستخدام البيانات الوراثية المستمدة من أكثر من 4 آلاف كلب بالإضافة إلى بيانات المسوحات السلوكية التي أجريت على أكثر من 40 ألف شخص من أصحاب الحيوانات الأليفة، تمكّن الفريق من تحديد 10 سلالات من بين مئات الأنواع المدروسة. تقابل كل سلالة من هذه السلالات استخداماً تاريخياً للكلاب، مثل استخدام بعضها في الرعي وبعضها الآخر في الاستكشاف. عند المزج بين هذه المعلومات وتلك التي قدّمها أصحاب الحيوانات الأليفة، لاحظ الباحثون أن هناك سلوكيات فريدة ترتبط بكل سلالة.

انتقاء البشر للكلاب حسن سلوكها

تقول أوستراندر: “نظراً لأن البشر احتاجوا بعض أنواع الكلاب في الصيد، فهم احتاجوها للرعي وحراسة القطعان والبشر أيضاً”، وتضيف: “انتقينا الكلاب بهدف الحصول على هذه السلوكيات المحسّنة”. بالنسبة لكلاب الرعي على سبيل المثال، حدد العلماء صنفاً من المورثات التي تصفها أوستراندر بأنها “خضعت على ما يبدو لعملية انتقاء قاسية من قبل البشر” لإنتاج سلوك شبيه بسلوك الرعاة.

The National Institutes of Health is studying our furry best friends to learn about ourselves
العالمة في المعاهد الوطنية للصحة، داينا دريغر تأخذ مسحة من كلبها لاستخلاص عينات وراثية. داينا دريغر (Dayna L. Dreger).

تقول أوستراندر: “عندما قدمت إلى المعاهد الوطنية للصحة، كنت أرغب بشدة في حل المسائل المتعلقة بعلم التشكّل”، وتضيف: “كم عدد المورثات التي نحتاجها لتشكيل كلب من نوع الدانيّ الكبير مقارنة بتلك التي نحتاجها لتشكيل كلب شيواوا؟”. الجواب هو أقل من 30 مورثة. عند البشر، يرجع الفرق بين أن يكون طول أحدهم 167 سنتيمتراً أو 198 سنتيمتراً لأكثر من 1000 موقع في الحمض النووي. واستغرق توليف المورثات لدى البشر بهذه الطريقة ملايين السنين. لكن الكلاب لم تعش لهذه الفترة الطويلة من الزمن”.

ظهرت معظم سلالات الكلاب منذ بضع مئات من السنين فقط، وهي فترة “قصيرة للغاية من وجهة نظر التطور”، حسب تعبير أوستراندر. تقول أوستراندر إنه بتعبير آخر، تشبه دراسة الكلاب “مشاهدة فيلم وتسريعه حتى الوصول إلى نهايته”. وتضيف قائلة إن تعلم الطريقة التي تطورت فيها هذه الحيوانات بسرعة “ستفيد الدراسات المتعلقة بالتنوع الحيوي والمتعلقة بجميع الأحياء، ومن بينها جميع الثدييات”.

حقق العلماء اكتشافات ثورية عديدة منذ أن شرعت أوستراندر في دراسة الكلاب منذ ما يقرب من 3 عقود، من فهم حجم الكلاب إلى نشر أول خريطة لجينوم هذه الحيوانات. تقول أوستراندر: “أدى ذلك إلى كشف جميع الحقائق التي نحتاجها”، ما وضع أساساً لأبحاثها اللاحقة في المعاهد الوطنية للصحة.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: للبشر المتشابهين بالشكل السلوكيات والجينات نفسها

مشروع جينوم الكلاب

يتمثّل أحد أكبر إنجازات مشروع جينوم الكلاب في اكتشاف المورثات التي تحدد حجم الكلاب في عام 2007. تقول أوستراندر: “هذا إنجاز هائل”، وتضيف: “أتذكّر اليوم الذي دخل فيه أحد زملائي مكتبي وقال لي ‘لن تصدّقي ما حدث’. قلت له عندها ‘كرر كلامك’ عدة مرات. كان هذا الاكتشاف حقيقياً، وتم تأكيده في مئات المختبرات”.

على الرغم من أوجه التشابه بين البشر والكلاب، فإن الانتقال من تنفيذ مشروع مبني على علوم المواطنين كمشروع أوستراندر إلى الاستفادة من المكتشفات الجديدة في الدراسات البشرية ليس سهلاً أو مباشراً دائماً. تقول كارلسون: “ما يزال لدينا الكثير من العمل لتطبيق نتائج الدراسات الوراثية في الدراسات التي تهدف لتطوير العلاجات. ولكن أي إنجاز قد يفسح المجال لإجراء اكتشافات جديدة فيما يتعلق بتطوير العلاجات سيكون مثيراً للاهتمام”.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: أعداد الحيوانات تزداد عند عيشها بالقرب من البشر

مع ذلك، لاحظت أوستراندر أن أبحاثها أثرت أيضاً في المسائل المتعلقة بصحة البشر بالإضافة إلى أثرها في فهم الكلاب؛ إذ إنها أرشدت الأبحاث المتعلقة بمرض الصرع والتي أجريت في ولاية مينيسوتا، والأبحاث المتعلقة بمرض الذئبة التي أجريت في فرنسا. تقول أوستراندر: “هذا أثر قيّم للغاية لأن جميع هذه الأبحاث تتعلق بالبشر”، وتضيف: “ما يزال من الممكن اعتبار الكلاب الأصدقاء المفضلين للبشر؛ إذ إنهم يتشاركون بالمورثات والأمراض والأعراض، كما أنهم يتشاركون أيضاً في استجابتهم للعلاجات”.