للمرة الأولى: علماء يكتشفون وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في دم الإنسان

الكشف عن وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في دم الإنسان لأول مرة
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

وصل البلاستيك إلى دمنا، فبعد أن أشارت الأدلة إلى وجود جزيئات بلاستيكية لدى جميع أنواع الحيوانات وفي براز الأطفال، اليوم ولأول مرة يثبت فريق من الباحثين الهولنديين من جامعة “فو أمستردام” بالدليل القاطع تلوث دم الإنسان بالجزيئات البلاستيكية الدقيقة.

وفقاً للدراسة التي نُشرت في دورية “ساينس دايركت” (Sciencedirec)، كان 77% من الأشخاص المختَبرين يحملون جزيئات بلاستيكية في دمهم، بحيث بلغ متوسط التركيز الكلي لجزيئات البلاستيك في دم 22 شخصاً 1.6 ميكروغراماً/ ميلي ليتر، أي ما يعادل ملعقة بلاستيك صغيرة في 1000 لتر ماء. بعبارة أخرى، يتناول الفرد أسبوعياً 5 غرامات من الجزيئات البلاستيكية، وهو وزن بطاقة ائتمان تقريباً.

اقرأ أيضاً: غسيل ملابسنا يغمر مياه القطب الشمالي بالبلاستيك

ما الجزيئات البلاستيكية التي اكتشفها الباحثون؟

وفقاً لمؤلفي الدراسة، تدخل الجزيئات البلاستيكية الجسم عبر مجرى الهواء، ومن خلال الطعام والشراب، حيث اكتشفوا جزيئات دقيقة لا تتجاوز 0.0007 ميليمتراً في عينات دم من 22 فرداً بالغاً وسليم الجسم، ووجدوا خمسة أنواع من البلاستيك هي:

  1. البولي ميثيل ميثاكريلات (PMMA).
  2. البولي بروبلين (PP).
  3. البوليسترين (PS).
  4. البولي إيثيلين (PE).
  5. البولي إيثيلين تيرفثالات (PET).

تألفت الجزيئات البلاستيكية في مجرى الدم من 50% من مادة البولي إيثيلين تيرفثالات، وهي المادة المستخدمة في علب المشروبات، في حين وصلت نسبة مادة البوليسترين إلى 36%، وهي المادة المستخدمة في العبوات الغذائية، وشكلت مادة البولي إيثيلين التي تستخدم في صنع الأكياس البلاستيكية أكثر من الربع.

قال البروفيسور “ديك فيتاك“، أحد المؤلفين وعالم السموم البيئية في جامعة فو أمستردام في هولندا: “السؤال الكبير هو ماذا يحدث في أجسادنا؟ هل يحتفظ الجسم بالجزيئات؟ هل يتم نقلها إلى أعضاء معينة كأن تتجاوز الحاجز الدموي الدماغي؟ وهل هذه المستويات عالية بما يكفي لتحفيز المرض؟ نحن بحاجة ماسة إلى تمويل المزيد من الأبحاث حتى نتمكن من اكتشاف ذلك”.

نظراً لصغر الجزيئات البلاستيكية المجهرية، استخدمت بروتوكولات صارمة خلال التجارب لضمان عدم حدوث أخطاء ناتجة عن تلوث عينات الدم بالدقائق البلاستيكية النانوية من مصادر خارجية. حيث جُمعت عينات الدم في عبوات محكمة الإغلاق بغطاء مطاطي، ومُنع حدوث أي تلامس مع أنابيب أو عبوات بلاستيكية أخرى.

المخاطر الصحية لوصول جزيئات البلاستيك إلى مجرى الدم

لم يستطع العلماء تحديد المخاطر الصحية لوجود جزيئات البلاستيك في مجرى الدم، ولا العتبات الممرضة منها، إلا أنهم يتفقون على أنها استطاعت اجتياز حاجز الأمعاء والوصول إلى مجرى الدم. من هناك، يمكن للجزيئات البلاستيكية الوصول إلى أعضاء الجسم وأن تتراكم فيها، مُفترضين قدرتها على التسبب بالإجهاد التأكسدي وتلف الحمض النووي والالتهابات ومشاكل صحية أخرى.

وفقاً لدراسة سابقة نُشرت في دورية “تريندز إن ميكروبيولوجي” (Trends in Microbiology Journal)، وأجراها فريق باحثين في جامعة إكستر في المملكة المتحدة بالتعاون مع باحثين من مركز البيئة ومصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية (CEFAS)، يمكن للجزيئات البلاستيكية التسبب بالأمراض من خلال ارتباط الميكروبات الممرضة بأسطحها، فقد استطاع ميكروب الكوليرا الارتباط بجزيئات البلاستيك في عينات مأخوذة من بحر الشمال وبحر البلطيق.

شارك فيتاك أيضاً في دراسة أخرى حول المخاطر الصحية المحتملة لجزيئات البلاستيك الدقيقة والنانوية وإمكانية تسببها بالإصابة بالسرطان، حيث خلصت الدراسة إلى تلوث المياه المعدنية بهرمونات كيميائية ترشح من العبوات البلاستيكية المصنعة من مادة البولي إيثيلين تيرفثالات ذات النشاط الإستروجيني، والذي قد يكون له تأثير مسرطن على الجسم. كما تم الكشف عن امتصاص المشيمة لـ 12 نوعاً من الجزيئات البلاستيك الدقيقة والنانوية.

مصادر الجزيئات البلاستيكية

في العقود الماضية غزت صناعة البلاستيك عالمنا، حتى أصبح من المتوقع أن يتضاعف إنتاجه من 188 مليون طن في عام 2016 إلى 380 مليون طن بحلول عام 2040، فأين تذهب كل مخلفات هذه الصناعة؟

يتم إطلاق النفايات البلاستيكية في الهواء والماء والتربة، بحيث يمكن أن نجدها في قمة إيفرست وفي أعماق المحيطات، ليصل التلوث البلاستيكي إلى جميع البيئات. في البحار وحدها، تُقدر كمية الجزيئات البلاستيكية الطافية على سطح المحيطات بـ 15-51 تريليون جزيء بلاستيكي، وهي لا تتجاوز نسبة 1% فقط من كمية المواد البلاستيكية التي تدخل البحار سنوياً والتي تقدر بـ  4.8-12.7 مليون طن.

تزداد المخاوف اليوم نظراً للانتشار الواسع للجزيئات البلاستيكية داخل البيئات المائية والأرضية للغذاء، بما في ذلك الكائنات البحرية كالعوالق والأسماك  التي تتغذى عليها. ولكن الأهم من ذلك هو الوقت الطويل الذي يستغرقه البلاستيك حتى يتحلل، وبالتالي سيتواصل وصول المزيد من الجزيئات البلاستيكية إلى الجسم في المستقبل.

تقول “جوديث إنك”، رئيسة منظمة “ما وراء البلاستيك” “Beyond Plastics” في تعليق لها على الدراسة: “المواد البلاستيكية الدقيقة موجودة في كل مكان، نحن نشربها مع الماء في زجاجات المياه البلاستيكية. إنها في العسل، وفي الهواء الذي نتنفسه، وفي السمك الذي نأكله”.

اقرأ أيضاً: كيف تحول الزجاجات البلاستيكية المستعملة إلى فتحات سقفية ومصابيح خارجية

دعت “فاي كوسيرو” إلى المزيد من الأبحاث، وهي باحثة في الكيمياء الجيولوجية الحيوية والتلوث البيئي في جامعة بورتسموث البريطانية، حيث قالت: “على الرغم من صغر حجم العينة ونقص البيانات حول مستوى تعرّض المشاركين، إلا أنني أعتقد أن الدراسة قوية وستصمد أمام التدقيق”. في النهاية يربط الدم جميع أعضاء أجسامنا، وإذا كان هناك بلاستيك في دمائنا، فيمكن أن يوجد في مختلف أعضاء جسمنا.