هذا ما تخبرنا به جينات الأسماك الصخرية عن طول عمر الإنسان

هذا ما تخبرنا به جينات الأسماك الصخرية عن طول عمر الإنسان
السمكة الصخرية الصفراء التي يمكن أن تعيش أكثر من 140 عاماً، هي واحدة من عدة أنواع يحاول علماء الوراثة دراستها للتوصل إلى سر طول العمر. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ازداد متوسط أعمار البشر في القرنين الماضيين من 30 إلى 72 عاماً، وعلى الرغم من هذا التحسن المذهل في الصحة، يبدو عمر الإنسان أقل بكثير من عمر الأسماك الصخرية. يمكن أن تعيش الأسماك الصخرية أكثر من 100 عام في قاع البحر في المناطق الضحلة، وتقضي معظم وقتها مختبئة تحت الصخور (بعضها يعيش أكثر من 200 عام). ويبدو أن طول عمر هذه الأسماك ليس مجرد مصادفة؛ إذ يعتقد علماء الوراثة في جامعة هارفارد أن سره يكمن في طريقة تحكمها بجيناتها.

شبكة وراثية معقدة

وقد اكتشفت دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 11 يناير/ كانون الثاني في مجلة ساينس أدفانسس (Science Advances) أن الأسماك الصخرية تملك شبكة وراثية معقدة تؤثر على الأرجح في طول عمرها، ويبدو أن هذه الجينات نفسها موجودة أيضاً لدى البشر. يقول المؤلف الرئيس للدراسة وعالم أبحاث ما بعد الدكتوراة في مستشفى بوسطن للأطفال وكلية الطب بجامعة هارفارد، ستيفان تريستر (Stephen Treaster): “إن طريقة تنظيم الصفات الوراثية مثل طول العمر عند الأسماك تشبه إلى حد كبير طريقة تنظيمها عند الثدييات”.

ويمكن أن يساعد فهم هذه الاختلافات الجينية المرتبطة بطول العمر لدى الحيوانات مثل الأسماك الصخرية في علاج الأمراض المرتبطة بالشيخوخة لدى البشر.

اقرأ أيضاً: هل تشعر أنك أكبر أم أصغر من سنك الفعلي؟ إجابتك تؤثر على صحتك وطول عمرك

المساعدة في علاج الأمراض المرتبطة بالشيخوخة

يقول الأستاذ المساعد لمادة علم الأحياء بجامعة ولاية كاليفورنيا في مدينة سان برناردينو، جوزيف هيراس (Joseph Heras) والذي لم يشارك في الدراسة: “يسعدني أن يتم تسليط الضوء على جينوم الأسماك الصخرية؛ إذ كثرت التكهنات حول طول عمرها منذ عدة سنوات ولكن الآن مع توفر تقنيات علم الجينوم الحديثة ستتمكن هذه الدراسات من جمع معلومات أكثر حول هذا الموضوع”.

وعلى الرغم من أن الأسماك الصخرية تُعتبر من الأسماك الأطول عمراً، فأعمارها تتفاوت بدرجة كبيرة فيما بينها لكن الآلية الوراثية الدقيقة التي تحدد طول عمرها ما زالت غامضة.

كشف مؤلفو الدراسة عن الشفرة الوراثية لـ 23 نوعاً مختلفاً من الأسماك الصخرية التي تتراوح أعمارها بين 22 و108 سنوات، واكتشف الفريق في عينات الأنسجة جميعها شبكة مشتركة من الجينات التي تدخل في إشارات الإنسولين (Insulin Signaling)، وهي آلية معروفة لتنظيم التقدم بالعمر يمكن أن تكون قد تطورت كوسيلة للبقاء على قيد الحياة من خلال توفير الطاقة بشكل أفضل.

كما توصلت دراسة أُجريت في عام 2021 إلى أن الأسماك الصخرية الأطول عمراً تملك 3 أنواع من الجينات؛ ومنها تلك التي تؤثر في مسار إشارات الإنسولين. وتقدم النتائج الجديدة المزيد من الدلائل على أن الجينات المنظمة للإنسولين هي العامل الرئيس في إطالة عمر الأسماك الصخرية.

اقرأ أيضاً: بهدف إطالة العمر: دراسة تكشف الآليات الرئيسية للشيخوخة

يقول كبير الباحثين في الدراسة التي أُجريت عام 2021 والأستاذ المساعد لمادة علم الأحياء التكاملي بجامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي، بيتر سودمانت (Peter Sudmant): “أكّد المؤلفون العديد من ملاحظاتنا الأخيرة حول تسلسل جينوم الأسماك الصخرية ووسعوا نطاقها؛ ومنها التقييد المتزايد للمسارات المرتبطة بإشارات الإنسولين”.

تريستر وهو يعمل مع الأسماك المخططة في دراسة أخرى عن طول العمر. مايكل جودير، مصوّر، مستشفى بوسطن للأطفال

ما أهمية استقلاب مركبات الفلافونويد؟

يقول تريستر: “ولكننا توصلنا إلى نتيجة إضافية غير متوقعة”، فقد كشف الفريق عن مجموعة أخرى من الجينات الموجودة في أنواع الأسماك الصخرية جميعها، وتشارك هذه الجينات في استقلاب مركبات الفلافونويد؛ وهي مواد كيميائية عضوية قابلة للانحلال في الماء، يتم إنتاجها في النباتات ذات الخصائص المضادة للالتهابات والمضادة للطفرات والمضادة للسرطان. ويقول المؤلفون إن استقلاب الفلافونويد يمكن أن يحفز تأثيرات مكافحة الشيخوخة بسبب ارتباط هذه المركبات بتعديل العديد من الإشارات الخلوية والمسارات الإنزيمية. وفقاً لسودمانت، فإن تأكيد المؤلفين لأهمية دور استقلاب الفلافونويد في إطالة العمر يقتضي متابعة هذا المسار الجديد والمثير للاهتمام.

وبعد تحديد اثنين من العوامل الوراثية التي يمكن أن تسهم في طول عمر الأسماك الصخرية، قام الفريق بالبحث عن الروابط المماثلة في الجينات البشرية، وتوصلوا إلى أنه بالإضافة إلى وجود جينات استقلاب الفلافونويد لدى البشر، فهي مرتبطة بشكل كبير بالبقاء على قيد الحياة. يقول تريستر: “لدينا هذان النموذجان المختلفان تماماً من الفقاريات، البشر والأسماك الصخرية، وكلاهما يملك المسار المرتبط بطول العمر نفسه”.

اقرأ أيضاً: هل هناك طرق أفضل لعكس الشيخوخة اليوم من الراديوم الذي كان يُعتبر إكسيراً للشباب يوماً ما؟

الأسماك الصخرية ليست الأطول عمراً

لا تُعد الأسماك الصخرية نموذجاً حيوانياً مثالياً لدراسة التقدم بالعمر كما أنها ليست أقدم الفقاريات الحية؛ إذ تم تصنيف سمكة قرش تبلغ من العمر 392 عاماً في جزيرة غرينلاند كأطول الفقاريات عمراً في عام 2016. وعلى الرغم من احتمال أن يتم اختيار اللافقاريات قصيرة العمر مثل ذباب الفاكهة والديدان الأسطوانية لدراسة التغيرات في متوسط الأعمار، فقد لا تنطبق نتائج هذه الدراسات على الفقاريات مثل البشر الذين يعيشون 70-75 عاماً وسطياً.

على عكس الأنواع المعمرة الأخرى، لم يكن هذا التحول في طول عمر الأسماك الصخرية حدثاً عابراً؛ حيث يقول تريستر: “لقد تطورت سلالات مختلفة من الأسماك الصخرية بشكل مستقل لتعيش طويلاً، ولم نرَ تغييراً بهذا الحجم من قبل، وبخاصة لدى الفقاريات”. منح هذا الأمر العلماء فرصة لاستبعاد التغيرات التي لا علاقة لها بطول العمر والتركيز على العوامل المسهمة ذات الصلة التي تشترك فيها الأنواع كلها،

وعلى الرغم من أن تريستر متحمس بشأن تحديد علاقة بين طول العمر والجينات في مسار استقلاب مركبات الفلافونويد، فهو يعلم أننا ما زلنا غير قادرين على فهم الطريقة التي تسهم فيها هذه الجينات وعلاقتها بطول العمر. ويعتزم فريقه العمل بعد ذلك على إدخال تعديلات وراثية على الجينات الداخلة في استقلاب الإنسولين والفلافونويد في الأسماك المخططة لتحديد قدرتها على إيقاف علامات التقدم بالعمر.

اقرأ أيضاً: بعد إبطاء عجلة الشيخوخة عند الفئران: هل سيتمكن العلماء من إعادة عقارب الساعة للوراء عند البشر؟

سيكون فهم الدور الذي تؤديه هذه الجينات بدقة وإمكانية تعديلها لإطالة العمر، مصدراً لمعلومات مهمة جداً حول إبطاء عملية التقدم بالعمر لدى البشر. ويقول تريستر: “الهدف النهائي من هذا البحث كله هو الوقاية من الأمراض المرتبطة بالتقدم بالعمر التي نواجه صعوبة في حلها من خلال الطب الحديث؛ كالسرطان وألزهايمر وأمراض القلب”.