بحث جديد يلقي الضوء على جينوم أول حيوان ثديي تطور على الأرض

بحث جديد يلقي الضوء على جينوم أول حيوان ثديي تطور على الأرض
السنجاب، أحد الأنواع العديدة من الثدييات على كوكب الأرض. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

وفقاً لبعض العلماء، تعتبر الثدييات الآن أكثر الأنواع انتشاراً على كوكب الأرض. تمتلك الثدييات الشعر وتلد الصغار وتنتج الحليب لتغذّي صغارها. وبدأ الباحثون يفهمون بشكل أفضل الطريقة التي سيطرت بها هذه الأنواع، مثل الإنسان العاقل، على الأرض. لا يعرف العلماء الكثير عن السلف المشترك المنقرض لجميع الثدييات. تعتبر جميع الثدييات قريبة وراثياً، من الفئران الصغيرة إلى الكلاب الوفية إلى الحيتان الزرقاء العملاقة. ولكن ما المواد التي كان يتغذّى عليها هذا السلف المشترك؟ وكيف كان شكله؟ كشفت دراسة جديدة نشرت بتاريخ 30 سبتمبر/ أيلول 2022 في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم عن بعض الأدلة الجديدة المتعلقة بهذا السلف المشترك الموجودة في جينومه.

دراسة سلاسل جينومية لـ32 نوعاً من الثدييات

نظر فريق الباحثين الدوليين الذين ألّفوا الدراسة الجديدة في السلاسل الجينومية عالية الجودة التي تعود إلى 32 نوعاً حيّاً من الثدييات، مثل البشر وقرود الشمبانزي والومْبَت والأرانب وخراف البحر والمواشي المدجّنة ووحيدات القرن والخفافيش وآكلات النمل الحرشفية، وذلك لتصميم نموذج حاسوبي يصف جينوم أول حيوان ثديي. تمثّل هذه السلاسل 23 من أصل 26 من رتب الثدييات المعروفة. وفقاً لنظام لينيوس، وهو نظام لتصنيف الكائنات الحية طوره عالم النبات السويدي كارلوس لينيوس (Carlous Linnaeus)، تُقسّم جميع الكائنات الحية إلى ثلاث ممالك، وهي مملكة النباتات ومملكة الحيوانات ومملكة المعادن. تُقسّم هذه الممالك الثلاث بدورها إلى الأصناف والرتب والأجناس والأنواع. تضمّنت الدراسة الجديدة السلاسل الجينومية للدجاج والتماسيح الصينية كمجموعة للمقارنة تمثّل الطيور والزواحف.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: الأذن تحمل سر دفء دم الثدييات

ربما كان السلف المشترك للثدييات يشبه جنس مورغانوكودون (Morganucodon) الشبيه بالجرذان الذي كانت أفراده إحدى أوائل الثدييات التي كان وزنها يبلغ بضعة العشرات من الغرامات، والذي عاش منذ نحو 200 مليون سنة.

وفقاً لجوانا داماس (Joana Damas)، المؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة والباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في مركز الجينوم التابع لجامعة كاليفورنيا ديفيس، درس الفريق المواد الوراثية القديمة وأعاد إنشاء جينوم سلف الثدييات المشترك بناءً على أوجه التشابه بين جينومات الثدييات المعاصرة. بيّنت نتائج الدراسة أن هذا السلف المشترك كان يمتلك 19 زوجاً من الصبغيات الجسدية بالإضافة إلى زوجين من الصبغيات الجنسية. تتحكم الصبغيات الجسدية بوراثة الكائن الحي لجميع السمات ما عدا تلك التي تتحكم فيها الصبغيات الجنسية. توجد الصبغيات الجنسية في معظم خلايا الثدييات في أزواج، وهي إكس واي (XY) للذكور وإكس إكس (XX) للإناث. بناءً على النموذج الجديد، امتلك أول حيوان ثديي 38 صبغياً جسدياً في المجمل. وللمقارنة، يمتلك البشر اليوم 46 صبغياً.

قال هاريس لوين (Harris Lewin)، أستاذ التطور وعلم البيئة البارز في جامعة كاليفورنيا ديفيس والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة لموقع بوبيولار ساينس (Popular Science): “يمكننا تأكيد أن هذا السلف امتلك الصبغي إكس. ولكننا غير متأكدين ما إذا كان يمتلك الصبغي واي لأننا لم نتمكن من إعادة إنشائه نتيجة لمحدودية البيانات المتوفرة. هناك عدة تكوينات أخرى محتملة للصبغيات الجنسية”، وأضاف: “من المرجح أن هذا السلف كان يمتلك الصبغي واي بناءً على الأنماط النوويّة [مجموعة جميع الصبغيات الموجودة في الكائن الحي] للحيوانات الجرابية وأحاديات المسلك.

كشف الفريق أيضاً عن وجود 1215 كتلة من المورثات التي تظهر بشكل متسق في نفس الصبغيات وبنفس الترتيب عبر الجينومات الـ 32 المستخدمة في الدراسة.

قال لوين في بيان صحفي: “تؤثّر نتائج دراستنا بشكل كبير على فهم تطور الثدييات، ولها تبعات مهمة على جهود الحفاظ على هذه الأنواع”.

اقرأ أيضاً: المفترسة حية ترزق: الحيوانات العاشبة الأكثر عرضة لخطر الانقراض

دور الاستقرار التطوري في ترتيب الصبغيات

بالإضافة إلى ذلك، وجد الفريق 9 صبغيات كاملة في السلف الثديي المشترك ترتّبت المورثات الموجودة فيها بنفس الطريقة التي تترتّب فيها في صبغيات الطيور المعاصرة. قال لوين في بيان صحفي: “يبيّن هذا الاكتشاف المثير  دور الاستقرار التطوري لترتيب المورثات على الصبغيات وتوجيهها على مدى فترة زمنية تطورية تمتد لأكثر من 320 مليون سنة”

في المقابل، احتوت المناطق بين كتل المورثات المتسقة على سلاسل مكررة من المورثات كانت أكثر عرضة للانقطاع وإعادة الترتيب والتكرار. تعتبر هذه التغيرات من العوامل الأساسية لتطور الجينوم.

قال ويليام مورفي (William Murphy)، أستاذ علم الأحياء التطوري في جامعة تكساس إي أند أم ، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة في بيان صحفي: “إعادة إنشاء جينوم الأسلاف أمر ضروري للغاية لتحديد النقاط الأكثر عرضة للتغيرات الوراثية في جينوماتها، وكشف سبب ذلك. تكشف الدراسة الجديدة عن ارتباط واضح بين البنية الصبغية وتنظيم المورثات وانحفاظ السلاسل الوراثية”، وأضاف: “يوفّر لنا ذلك الأسس الضرورية لتحديد دور الانتقاء الطبيعي في تطور الصبغيات عبر شجرة عائلة الثدييات”. تتبّع الباحثون تطور صبغيات السلف المشترك وصولاً إلى الثدييات المعاصرة ووجدوا أن معدّل إعادة ترتيب الصبغيات يختلف بين سلالات الثدييات المختلفة.

اقرأ أيضاً: ما الذي تخبرنا به الروائح القديمة عن تاريخ الإنسان؟

على سبيل المثال، ازداد معدّل إعادة ترتيب الصبغيات في السلالة التي تنتمي إليها المواشي المعاصرة والأغنام والغزلان، والتي تدعى المجتّرات، منذ 66 مليون سنة عندما تسبب حدث اصطدام كويكبي بانقراض الديناصورات. أدى حدث الانقراض الجماعي هذا إلى انتشار الثدييات وسيطرتها على كوكب الأرض.

في المستقبل، ستساعد نتائج هذه الدراسة العلماء في الوصول إلى فهم أفضل للأسباب الوراثية وراء التكيفات التي سمحت للثدييات بالازدهار في كوكب دائم التغير خلال الـ180 مليون سنة الأخيرة.