كيف يمكننا حماية الميكروبات النافعة في الأمعاء من المضادات الحيوية؟

كيف يمكننا حماية الميكروبات النافعة في الأمعاء من المضادات الحيوية؟
حقوق الصورة: شترستوك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أحدثت المضادات الحيوية ثورة هائلة في مجال الطب عندما ظهرت لأول مرة خلال القرن العشرين، وانتشر استخدامها في جميع أنحاء العالم. لكن لكل شيء منافعه وأضراره، فقد اتضح أنّ المضادات الحيوية قد تضر بالميكروبات النافعة التي تعيش في أمعاء الإنسان، إذ من الممكن أن يتعرض الشخص إلى التهابات أو عدوى بعد إنهاء العلاج بالمضادات الحيوية، وقد يتطور الأمر إلى انتشار مقاومة الأدوية، وذلك لأن البكتيريا تستطيع تطوير مقاومة ضد المضادات الحيوية، ليصبح تناول الأدوية نفسها عند الإصابة بالعدوى التالية عديم النفع. 

المضادات الحيوية 

بدأت قصة المضادات الحيوية على يد “ألكسندر فليمنج“، عالم الأحياء الدقيقة الذي لاحظها عن طريق الصدفة البحتة في سبتمبر/أيلول عام 1928، ثم اجتهد في دراستها حتى خرج لنا بالمضادات الحيوية، وهي في الأصل عبارة عن مواد ثانوية تُفرزها الكائنات الدقيقة، يمكنها القضاء على العدوى ومنع البكتيريا من النمو أو التكاثر. بعد هذا الاكتشاف، حقق الطب نقلات نوعية في علاج الالتهابات وتقليل انتشار العدوى التي كانت في وقت ما قاتلة. وقد أصبحت المضادات الحيوية اليوم جزءاً لا يتجزأ من أنظمة العلاج على مستوى العالم. 

اقرأ أيضاً: هل تُسهم الأدوية المضادة للاكتئاب في مقاومة المضادات الحيوية؟

حماية الميكروبات النافعة من المضادات الحيوية

ابتكرت مجموعة من الباحثين في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” (MIT) طريقة جديدة لحماية البكتيريا النافعة في الأمعاء من أضرار المضادات الحيوية، وذلك عبر تطوير سلالة من البكتيريا الآمنة لجسم الإنسان، وتُسمى “المكورات اللبنية” (Lactococcus lactis)، بحيث تستطيع إنتاج إنزيم قادر على تكسير مجموعة من المضادات الحيوية يُطلق عليها “بيتا لاكتام” (Beta-Lactams)، والتي تضم بعض الأنواع المعروفة منها: “الأمبيسيلين” (Ampicillin) و”الأموكسيسيلين” (Amoxicillin) وغيرهما. 

بعد انتهاء تصميم سلالة البكتيريا المنتجة للإنزيم المطلوب المسمى بـ “بيتا لاكتاماز” (Beta-Lactamas)، أُعطيت لفئران تجارب مع المضادات الحيوية لاختبار مدى تأثيرها، وأسفرت التجارب عن نجاح الباحثين في حماية ميكروبات المعدة مع الحفاظ على مستوى جيد من المضادات الحيوية في مجرى الدم، ما يعني أنها تعمل جيداً دون إلحاق الضرر بالميكروبات. نُشرت نتائج الدراسة في 11 أبريل/نيسان 2022 في دورية “نيتشر بيوميديكال إنجنيرينغ” (Nature Biomedical Engineering). 

لماذا يجب الحفاظ على ميكروبات الأمعاء؟ 

تلعب ميكروبات الأمعاء دوراً مهماً في عملية التمثيل الغذائي وتعزز مناعة الإنسان، لكن عندما يتناول الإنسان بعض أنواع المضادات الحيوية وأنواعاً معينة من الوجبات الغذائية، يختل التوازن الكيميائي في وسط الأمعاء وتختفي بعض أنواع الميكروبات، ما يتيح الفرصة لزيادة انتشار أنواع أخرى يزداد نشاطها في عملية التمثيل الغذائي، ما يؤدي في النهاية إلى مشكلات صحية، وتُسمى حالة عدم التوازن هذه بـ “دايزبيوزيس” (Dysbiosis).

من ناحية أخرى، قد تتسبب المضادات الحيوية في عدوى بكتيريا “المطثية العسيرة” (Clostridioides difficile)، وهي غالباً ما تعيش في الأمعاء بدون أن تسبب أي ضرر. ولكن عندما تقضي المضادات الحيوية على الميكروبات المنافسة، تُظهر المطثية العسيرة سلوكاً عدوانياً وتسبب بعض الأمراض مثل التهاب القولون والإسهال، وقد يصل الأمر إلى الوفاة. تصيب هذه العدوى نحو 500 ألف شخص سنوياً في الولايات المتحدة الأميركية، ويموت 15 ألف شخص بسببها كل عام. 

اقرأ أيضاً: 5 مفاهيم شائعة ولكنها خاطئة عن المضادات الحيوية

تحقيق التوازن الميكروبي 

أثناء التجربة، أعطى الباحثون لمجموعة من الفئران جرعتين من البكتيريا المصممة مع المضادات الحيوية، بينما أعطوا مجموعة ثانية من الفئران مضادات حيوية فقط، ولاحظوا أنّ المجموعة التي تناولت البكتيريا المصممة حافظت على توازن ميكروبات الأمعاء، بينما لم تستطع المجموعة الثانية تحقيق هذا التوازن. 

لا شك في أنّ الحفاظ على سلامة الجسم بكل ما فيه أمر ضروري، وهذا ما يطمح إليه الباحثون، فهم يرون أنّ لهذا البحث آفاق واعدة للأشخاص الذي يتعرضون لمشكلات صحية جراء استخدام المضادات الحيوية، ويسعون لجعل استخدامها أكثر أماناً.