دراسة: متوسط عمر النحل يتراجع والسبب قد يكون جينياً

نحلة تقوم بتلقيح زهرة. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لولا نحل العسل، لما تمكنا من الاحتفال بالأعياد كل عام. إذ يُعد النحل من أهم الملقحات للنباتات، وبفضله يتم إنتاج معظم المحاصيل التي تجد طريقها في النهاية إلى موائدنا وفي أطباقنا وحلوياتنا. تقدر إدارة الغذاء والدواء (FDA) أن تلقيح النحل يمثل نحو 15 مليار دولار من القيمة المضافة للمحاصيل، وتشبّه نحل العسل “بأوراق الدولار التي تطير فوق المحاصيل الأميركية”.

متاعب تحيط بالنحل

لكن النحل يعاني من المتاعب منذ فترة طويلة. في عام 2006، بدأ مربو النحل في بنسلفانيا يلاحظون أن خلاياهم كانت تتماوت في فصل الشتاء. كانت المنسقة العلمية في منظمة “بي إنفورمد بارتنرشيب” (Bee Informed Partnership) غير الربحية التي تراقب تجمعات نحل العسل، ناتالي ستينهاور، قد قالت لمجلة العلوم للعلوم (PopSci) في وقت سابق من هذا العام في هذا الصدد: «بدت خلايا النحل هذه بصحة جيدة ومليئة بالنحل النشيط قبل أسبوعين فقط، ولكن عندما عاد المربون إلى المنحل لم يجدوا فيه سوى الخلايا الفارغة من النحل».

تفاقمت المشكلة منذ ذلك الحين. وفقاً لاستقصاء سنوي تجريه منظمة “بي إنفورمد بارتنرشيب” على مستوى البلاد، فقد مربو النحل في الولايات المتحدة 45.4% من مستعمرات النحل المُدارة بين أبريل/ نيسان من عام 2020 وأبريل/ نيسان عام 2021.

وبالإضافة إلى هذه الخسارة الصادمة في مستعمرات النحل، وجدت دراسة نُشرت نتائجها مؤخراً في مجلة “ساينتفيك ريبورتس” أن عمر نحل العسل الذي تمت تربيته في بيئة مختبرية خاضعة للرقابة قد انخفض بنسبة 50% عما كان عليه في السبعينيات؛ حيث انخفض متوسط العمر المتوقع لها من 34.3 يوماً إلى 17.7 يوماً.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يؤثر تغير الحقل الكهربائي الناتج عن الأسمدة على سلوك النحل؟

تأثير العمر القصير للنحل على إنتاج العسل

قام الفريق بنمذجة تأثير هذا العمر الأقصر للنحل وتبين أنه يتوافق مع اتجاهات زيادة خسارة خلايا النحل وانخفاض إنتاج العسل الذي لوحظ في العقود القليلة الأخيرة.

وفقاً للمؤلفين، فإن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تثبت أن هناك تراجعاً عاماً في متوسط عمر نحل العسل يُحتمل أن يكون مستقلاً عن عوامل الإجهاد البيئي، مثل المبيدات الحشرية، ما يشير إلى أن هناك دوراً مؤثراً للجينات على ما يحدث في قطاع تربية النحل.

يقول طالب الدكتوراة في قسم علم الحشرات بجامعة ميريلاند والمؤلف الرئيسي للدراسة، أنتوني نيرمان، في بيان: «نقوم بعزل النحل في دراستنا قبل خروجها من شرانقها كنحلات بالغة، لذلك فإن ما يؤثر على عمرها لا علاقة له بالضغوط البيئية ويحدث قبل هذه المرحلة، ما يدفعنا للاعتقاد بأن هناك دوراً للعامل الجيني. إذا صحت هذه الفرضية، فهناك حلّ ممكن لهذه المشكلة. إذا تمكنا من عزل بعض العوامل الوراثية، ربما كان بمقدورنا تطوير سلالات من النحل العسل أطول عمراً».

جمع باحثو الفريق شرانق النحل -أي المرحلة من النمو بين اليرقة والنحلة البالغة- من خلايا النحل قبل 24 ساعة من خروجها منها كحشرات بالغة، ليكمل بعد ذلك النحل نموه في حاضنة ويتابع حياته كحشرات بالغة داخل أقفاص في المختبر.

اقرأ أيضاً: ابتكار أول لقاح يحمي نحل العسل من عدوى تعفن الحضنة الأميركي

قام نيرمان بتغذية النحل الموجود في الأقفاص بالماء المحلى بالسكر بالإضافة إلى الماء العادي لمحاكاة ظروف الطبيعة بشكلٍ أفضل، ولاحظ أن متوسط عمر النحل في الأقفاص كان نصف ما كان عليه في تجارب مماثلة في سبعينيات القرن الماضي.

يقول نيرمان: «عندما تتبعت طول عمر النحل بمرور الوقت، أدركت أن هناك فارقاً زمنياً هائلاً بين متوسط عمرها المتوقع والواقعي. في الحقيقة، لم تتخذ البروتوكولات الموحدة لتربية نحل العسل في المختبر الطابع الرسمي حتى العقد الأول من الألفية الثالثة، لذلك قد يعتقد المرء أن عمر النحل أصبح أطول أو لم يتغير لأن تربية النحل تطورت، ولكن بدلاً من ذلك، شهدنا تضاعف نسبة الوفيات».

عامل جيني قد يكون وراء قصر عمر النحل

في الواقع، تختلف حياة النحل في بيئة المختبر عن حياتها في المستعمرة، ولكن السجلات التاريخية للنحل المحتفظ به في المختبر تظهر تشابه أعماره مع أعمار نحل المستعمرات، وقد أثبتت الدراسات السابقة أن قصر عمر النحل كان مرتبطاً بانخفاض وقت البحث عن الطعام وانخفاض إنتاج العسل أيضاً عند دراسة النحل في الواقع بعيداً عن بيئة المختبر. وفقاً للمؤلفين، فإن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تربط بين هذه العوامل بمعدلات استبدال الخلايا.

قام الفريق بنمذجة تأثير انخفاض العمر بنسبة 50% على عملية تربية النحل التقليدية التي يتم فيها فقدان الخلايا واستبدالها كل عام. كان معدل خسارة الخلايا مع أخذ هذا العامل بعين الاعتبار نحو 33%، وهو مقارب جداً لخسائر خلايا النحل في الشتاء التي أبلغ عنها النحالون خلال السنوات الـ 14 الماضية، والتي تراوحت بين 30 و40%.

لاحظ الفريق أثناء الدراسة أن النحل الذي قاموا بتربيته في المختبر قد تعرض للفيروسات أو المبيدات الحشرية خلال مرحلة اليرقات، لكن النحل لم يُبدِ أي أعراض واضحة لهذا التعرّض. كانت دراسة سابقة قد حددت عاملاً جينياً مسؤولاً عن طول العمر في ذبابة الفاكهة أيضاً، الأمر الذي قد يساعد في تفسير ما يحدث عند النحل.

اقرأ أيضاً: إليك الدليل الشامل لتقسيم خلايا النحل

ستكون الخطوة التالية للفريق مقارنة هذه الاتجاهات لدى النحل في البلدان الأخرى، حيث سيستفيد الفريق من أي اختلافات قد يجدها في طول عمر النحل لدراسة الأسباب المحتملة لانخفاض العمر، بما في ذلك الفيروسات واستخدام المبيدات الحشرية والعوامل الوراثية للنحل.