لماذا يمتلك بعض كبار السن ذاكرة خارقة وقدرات معرفية فريدة؟

لماذا يمتلك بعض كبار السن ذاكرة خارقة وقدرات معرفية فريدة؟
يفحص الباحثون في مختبر جامعة نورث وسترن دماغاً بشرياً لأحد المتبرعين لمعرفة سبب تمتع بعض الأفراد، والمعروفين بالمسنين الخارقين، بقدرات معرفية فريدة في أواخر حياتهم. تامار جيفن
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُطلق باحثو جامعة نورث ويسترن على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 80 عاماً وما زالوا يتمتعون بذاكرة استثنائية “المسنين الخارقين”، وتعود قدرتهم المعرفية الفريدة هذه إلى وجود “العصبونات الفائقة” في أدمغتهم. تشيخ أدمغة كبار السن الفائقين بشكلٍ أبطأ من المعتاد، ولكن لا تُعرف حتى الآن السمات الخلوية التي تؤهّل شخصاً ما للانتماء إلى هذه المجموعة الفريدة. وجدت دراسة جديدة نُشرت نتائجها في 30 سبتمبر/ أيلول في مجلة “علم الأعصاب” أن المسنين الفائقين لديهم خلايا عصبية أكبر بكثير في منطقة معينة من الدماغ مقارنة بالخلايا العصبية لدى الأشخاص من نفس العمر والأفراد الأصغر منهم بالعمر بنحو 20 إلى 30 عاماً. 

أهمية القشرة الشمية الداخلية

تعمل تلك المنطقة من الدماغ، والتي تُسمى القشرة الشمية الداخلية، كمحور لترسيخ الذكريات الجديدة كذكريات طويلة المدى. ويستهدف مرض ألزهايمر هذه المنطقة الدماغية بشكلٍ أساسي، وتقول كبيرة مؤلفي الدراسة والأستاذة الجامعية المساعدة للطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة نورث وسترن في فينبرغ، تامار جيفين، إن فريقها كان مهتماً بدراسة القشرة الشمية الداخلية لدى المسنين الخارقين لأن أدمغتهم الفريدة قد تحمل دليلاً حول ما يجعل شخصاً ما مقاوماً لمرض ألزهايمر. 

فحصت الدراسة أدمغة 6 من المسنين الخارقين المتوفين حديثاً، و7 أدمغة لأشخاص متوسطي الإدراك من كبار السن من نفس العمر، و6 أدمغة لأفراد أصغر سناً و5 ممن كانوا يعانون من المراحل المبكرة للإصابة بمرض ألزهايمر. ركّز الباحثون على الطبقات الست للقشرة الشمية الداخلية، وعلى دور كل منها في الذاكرة. لاحظ الباحثون في الطبقة الثانية من القشرة الشمية الداخلية خلايا عصبية أكبر وأكثر صحة من تلك التي توجد عادة في هذه المنطقة من الدماغ. 

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تربط بين نمط الحياة وانخفاض معدلات الإصابة بالخرف بين سكان الأمازون الأصليين

تقول جيفين موضحة: «ما أدهشني حقاً هو أن الخلايا العصبية في القشرة الشمية الداخلية للمسنين الخارقين كانت أكبر بكثير من الخلايا العصبية الموجودة في الأفراد الأصغر سناً بنحو 27 عاماً». على الرغم من أنه لم تتم دراسة هذه الخلايا العصبية بشكلٍ مباشر في الدراسة، فإن وجودها يدل على بصمة بيولوجية فريدة كانت موجودة لدى كبار السن الخارقين منذ ولادتهم.

تشابكات تاو

وعلى عكس الخلايا الأخرى، حافظت هذه الخلايا العصبية الكبيرة في الطبقة الثانية على صحتها وحجمها الكبير طوال الحياة، وأبدت مقاومة أكبر لتكوين تشابكات تاو، وهي عبارة عن كتل كبيرة من البروتين تتراكم في لفائف الخلايا العصبية. أظهر المسنون الخارقون عدداً أقل من تشابكات تاو في الطبقة الثانية من القشرة الشمية الداخلية مقارنة بالأشخاص الآخرين من نفس العمر. ووفقاً للباحثين، فإن الاختلاف في كثافة تشابكات تاو قد يفسّر السبب في انكماش بعض الخلايا بينما يحافظ بعضها الآخر على سلامته وحجمه كبيراً.

ترتبط بروتينات تاو في الخلايا السليمة بالأنيبيبات الدقيقة (Microtubules) وتثبتها، وهي هياكل أسطوانية تعطي الخلايا شكلها وتساعد في نقل العناصر الغذائية. ولكن في المراحل الأولى من مرض ألزهايمر، تنفصل بروتينات تاو عن الأنيبيبات الدقيقة وتلتصق بجزيئات تاو الأخرى، ما يؤدي في النهاية إلى تكوين تشابكات منها تعيق نظام النقل وتتسبب في موت الخلايا العصبية، وبالتالي يضعف التواصل بين الخلايا العصبية.

اقرأ أيضاً: هل هناك طرق أفضل لعكس الشيخوخة اليوم من الراديوم الذي كان يُعتبر إكسيراً للشباب يوماً ما؟

يقول أستاذ علم الأعصاب والكيمياء الحيوية الجامعي في المركز الطبي بجامعة جورج تاون، جيمس جيوردانو، وهو غير مشارك في الدراسة: «قد يكون لوجود هذه الخلايا العصبية ذات الهيكل الفريد عند المسنين الخارقين الذين لا يُظهرون التدهور المعرفي المرتبط بالعمر لديهم، والذين يظهرون في كثير من الأحيان قدرة معرفية (ذاكرة) فائقة، أهمية دلالية كبيرة».

السؤال التالي التي الذي يتعين الإجابة عنه هو لماذا تظهر هذه الخلايا العصبية الكبيرة عند البعض فقط دون غيرهم؟ للإجابة عن هذا السؤال، يتعين علينا فحص البيئة الخلوية ومعرفة الآلية التي تكمن وراء مرونة هذه الخلايا العصبية.

اقرأ أيضاً: هل يزداد احتمال إصابة النساء بداء ألزهايمر بعد سن اليأس؟

قد يساعدنا فهم كيفية حفاظ كبار السن على قدراتهم المعرفية يوماً ما على ابتكار علاجات تحافظ على مرونة الدماغ المعرفية. يجب أن تتوسع الأبحاث المستقبلية أيضاً لتشمل مناطق الدماغ الأخرى التي تؤدي دوراً في الذاكرة لرسم صورة أكثر اكتمالاً لكيفية تجنب المسنين الخارقين للأمراض التنكسية العصبية. ووفقاً لجيوردانو، فإن القيام بذلك يمكن أن يفتح مجالاً جديداً من التدخلات التي تتيح الحفاظ على الوظيفة المعرفية طوال الحياة وتحديد الأفراد الأكثر عرضة لخطر التدهور المعرفي المرتبط بالعمر.