5 رؤى مختلفة قدمتها مهمة «دارت» لعلماء الفلك

5 رؤى مختلفة قدمتها مهمة «دارت» لعلماء الفلك
عندما اصطدمت مركبة "دارت" بكويكب ديمورفوس، اصطدم جسم المركبة بسطح الكويكب بين صخرتين كبيرتين بينما اصطدمت ألواحها الشمسية بهاتين الصخرتين مباشرة. يمثل السطح الأصفر نموذج تضاريس رقمي لموقع الاصطدام تم إنشاؤه باستخدام صور التقطتها مركبة "دارت" نفسها، ويصور تمثيل مركبة "دارت" موقعها قبل أجزاء من الثانية من الاصطدام. ويُظهر الخط الأبيض الممتد من الجزء الخلفي من المركبة الفضائية مسارها. وكالة ناسا/مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 26 سبتمبر/ أيلول 2022، اصطدمت مركبة اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج “دارت” (DART) بكويكب ديمورفوس بسرعة 20 ألف كيلومتر في الساعة، ما أدى إلى تغيير مدار هذا الكويكب الصخري حول رفيقه الأكبر ديديموس. كان النجاح الباهر في التخطيط والاستهداف والطيران الذاتي لمسافة 11 مليون كيلومتر والاصطدام أول دليل على فعالية مفهوم المصادمات الحركية، وهي عبارة عن مركبة فضائية يمكن استخدامها لإعادة توجيه الكويكبات التي تكون في مسار تصادم مع الأرض في المستقبل.

ولكن لفهم كيفية عمل مهمة مثل مهمة “دارت” في سيناريو كارثي واقعي، يحتاج علماء الفلك وخبراء الأمن القومي إلى قدر كبير من البيانات والتحليل التفصيلي. لحسن الحظ، تم جمع البيانات الضرورية بصورة شبه فورية في أثناء المهمة، حيث تم توجيه كل تلسكوب ومستشعر متاح تقريباً نحو ديمورفوس قبل الاصطدام. يتم حالياً نشر التحليلات التفصيلية لما حدث للجمهور، حيث نُشرت الدفعة الأولى المكونة من 5 تقارير بحثية في مجلة نيتشر (Nature) في 1 مارس/ آذار.

1. يمكن أن تُحدث المصادمات الحركية، مثل مهمة “دارت”، تأثيراً كبيراً في الكويكبات

في دراسة لمدار ديمورفوس بقيادة عالمة الفلك بجامعة شمال أريزونا، كريستينا توماس، حدد فريق دولي مدى تأثير اصطدام مهمة “دارت” في الفترة المدارية للكويكب. استخدم الفريق منحنيات الرادار والضوء التي تم قياسها من رصد الاختلافات في سطوع ديمورفوس بمرور الوقت لإثبات تباطؤ الكويكب في مداره بمقدار 33 دقيقة، مع انحراف محتمل يصل إلى 3 دقائق.

توضح توماس وزملاؤها في تقريرهم البحثي أن الغرض من مهمة “دارت” كان إثبات مفهوم تقنية الدفاع الكوكبي للمصادمات الحركية، ولتحقيق ذلك، كان على المركبة إثبات قدرتها على استهداف كويكب بسرعة عالية وقدرتها على تغيير مداره أيضاً. تقول توماس: “لقد حققت “دارت” كلا الهدفين بنجاح”.

ومع ذلك، يشير الباحثون إلى مشاركة عدة عوامل محتملة في قدرة مهمة “دارت” على إبطاء ديمورفوس بمقدار نصف ساعة كاملة؛ فلو كانت كتلة المركبة الفضائية هي العامل الوحيد لكان الكويكب سيتباطأ في مداره بمقدار نحو 7 دقائق فقط، ويوضح الباحثون أنهم بحاجة إلى مزيد من النمذجة لشرح تأثير أي عوامل أخرى محتملة خارج نطاق تقريرهم البحثي.

موقع اصطدام مهمة
توضح هذه الصورة أثر مركبة “دارت” الفضائية ولوحيها الشمسيين الطويلين على البقعة التي اصطدمت فيها بالكويكب ديمورفوس. يبلغ عرض أكبر صخرة بالقرب من موقع الاصطدام نحو 6.5 أمتار. التقطت “مهمة” دارت هذه الصورة قبل 3 ثوانٍ من الاصطدام. وكالة ناسا/ مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز

2. حصلت “مهمة” دارت على دفعة كبيرة من الكويكب نفسه

عمل تقرير بحثي ثانٍ بقيادة كبير علماء الدفاع الكوكبي ومختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية، آندي تشانغ، على تحليل في أسباب التغيير الكبير في مدار ديمورفوس.

اكتشف فريق تشانغ أن المقذوفات (ejecta) المنبعثة من ديمورفوس نتيجة قوة اصطدام المركبة به ضاعفت نقل الطاقة الحركية منها وزادت التغير في مدار الكويكب بمقدار يتراوح بين 2.2 و4.9 مرة. يوضح الفريق في التقرير: “في الواقع، كان مقدار الزخم (الطاقة الحركية) الذي انتقل إلى ديمورفوس من المقذوفات أكبر من الذي نقلته مركبة “دارت” نفسها”.

اقرأ أيضاً: لأول مرة اكتشاف نشاط بركاني نشط على كوكب الزهرة

كان أحد الأهداف الرئيسية لمهمة “دارت” هو تحديد مقدار الزخم الذي يمكن لمركبة فضائية نقله إلى كويكب وكيف سيؤثر ذلك على مداره، وقد وفرت هذه الدراسة للعلماء المؤشرات التي كانوا يبحثون عنها، والتي توضح مدى الفعالية التي يمكن أن تحدثها المصادمات الحركية في الكويكبات الخطرة بناءً على تركيبها. خلص الباحثون إلى أن الكويكبات التي تستجيب للاصطدام بإطلاق المزيد من المقذوفات منها قد تسمح للمركبات مثل “دارت” بتحويل مسار كويكبات أكبر حجماً مما كان يعتقد سابقاً، أو تحويل مسار كويكب في فترة تحذيرية أقصر.

3. الاستعداد مسبقاً مفتاح حماية كوكب الأرض

الخلاصة الرئيسية للتقرير البحثي الثالث، بقيادة تيريك دالي وكارولين إرنست وأوليفييه بارنوين من مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية، هي أنه حتى مع الاصطدام الناجح لمهمة “دارت” وتضخيم الطاقة الحركية المفيد من مقذوفات الاصطدام، لا تزال المراقبة والإنذار المبكر ضروريَين لحماية الكواكب. يوضح الباحثون في تقريرهم البحثي: “تتطلب تكنولوجيا المصادمات الحركية لحرف الكويكب وفترة تحذيرية كافية -عدة سنوات على الأقل ومن الأفضل أن تكون عقوداً- لمنع اصطدام كويكب بالأرض”.

لحسن الحظ، تستثمر ناسا في الإنذار المبكر منذ فترة طويلة قبل مهمة “دارت”. في عام 2005، طلب قانون تفويض ناسا (NASA Authorization Act) من الوكالة تحديد 90% من جميع الكويكبات القريبة من الأرض التي يبلغ قطرها 140 متراً وأكثر وتصنيفها، وقد اكتملت هذه المهمة الآن، وتعمل ناسا حالياً على بناء تلسكوب يعمل بالأشعة تحت الحمراء من المقرر إطلاقه عام 2028 ليساعد في مسح الفضاء بحثاً عن الكويكبات غير المكتشفة حتى الآن.

قال مسؤول حماية الكواكب في وكالة ناسا، ليندلي جونسون، في بيان في هذا الصدد: “تمثل مهمة ماسح الأجسام القريبة من الأرض (NEO Surveyor) الجيل القادم من قدرة ناسا على اكتشاف الأجسام القريبة من الأرض وتتبعها وتوصيفها بسرعة”.

يتحرك كويكب ديمورفوس مع ذيل بعد اصطدام مهمة
هذه الصورة المتحركة عبارة عن تجميع للعديد من الصور التي التقطها علماء الفلك في مرصد “ماغدالينا ريدج” بولاية نيو مكسيكو في الولايات المتحدة في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2022، وتصور حركة نظام ديديموس عبر السماء لنحو 80 دقيقة تقريباً، وتظهِر ذيلاً خطياً طويلاً يمتد إلى يمين نظام الكويكبات ويصل إلى حافة الصورة. يبلغ قياس الرسم المتحرك 32 ألف كيلومتر عبر مجال الرؤية الذي يمثل مسافة نظام ديديموس. مرصد ماغدالينا ريدج/ معهد نيو مكسيكو للتعدين والتكنولوجيا

4. لم تكن “دارت” مجرد مهمة دفاعية فحسب، بل مهمة سرية لعلوم الكواكب أيضاً

وفقاً لدراسة رابعة قادها أحد كبار العلماء في معهد علوم الكواكب، جين يانغ لي، لم تؤثر المقذوفات الناتجة عن اصطدام مركبة “دارت” بديمورفوس على مدار الكويكب فحسب، بل أدت أيضاً إلى تشكل ذيل من الغبار امتد لمسافة تزيد على 1,450 كيلومتراً من الكويكب في غضون ثلاث ساعات من الاصطدام.

اقرأ أيضاً: دراسة: نجوم قزمة بيضاء التهمت بقايا العوالم القديمة الشبيهة بالأرض

على الرغم من أن المذنبات تشتهر عموماً بذيولها اللامعة، فالكويكبات قادرة أيضاً على إظهار مثل هذا “النشاط” كما يسميه العلماء وتشكيل ذيل قصير وراءها، ويُعتقد أن هذا النشاط يمكن أن يظهر نتيجة اصطدام ما، لكن هذه الفكرة لم تُثبت بعد.

قدمت مهمة “دارت” في سبتمبر/ أيلول للعلماء “توصيفاً مفصلاً” لكيفية تشكيل المقذوفات ذيلاً وراء الكويكب يوضح أن المهمة تخدم غرضين في الوقت نفسه، الأول حماية كوكب الأرض والثاني دعم علم الكواكب، ويقول الباحثون إن مهمة “دارت” “ستبقى نموذجاً لدراسات الكويكبات المكتشَفة حديثاً وتُظهر نشاطاً ناجماً عن الاصطدامات الطبيعية”.

تظهر مقذوفات كويكب ديمورفوس باللونين الأزرق والأحمر بعد اصطدام
التقط علماء الفلك، بواسطة تلسكوب المختبر الوطني لأبحاث علم الفلك البصري بالأشعة تحت الحمراء التابع لمؤسسة العلوم الوطنية في تشيلي، سحابة هائلة من الغبار والحطام المتطاير من سطح كويكب ديمورفوس نتيجة اصطدام مهمة “دارت” به في 26 سبتمبر/ أيلول عام 2022. يمكن رؤية مسار الغبار في هذه الصورة، حيث يزيد طوله على 10 آلاف كيلومتر ويمتد من المركز إلى الحافة اليمنى من مجال الرؤية، وهو مكون من المقذوفات التي اندفعت بعيداً تحت ضغط الإشعاع الشمسي على غرار ذيل المذنب. مرصد سيرو تولولو للبلدان الأميركية/المختبر الوطني لأبحاث علم الفلك البصري بالأشعة تحت الحمراء/ تلسكوب أبحاث الفيزياء الفلكية الجنوبية/المؤسسة الوطنية للعلوم/رابطة الجامعات لأبحاث علم الفلك/تي كاريتا (مرصد لويل)، إم نايت (الأكاديمية البحرية الأميركية).

5. ولّد اصطدام “دارت” بديمورفوس وميضاً ساطعاً

يندرج التقرير البحثي الأخير أيضاً في نطاق دراسة علوم الكواكب بما أنه ألقى نظرة من كثب على ديمورفوس في أعقاب اصطدام مهمة “دارت” به. أجرى الدراسة فريق بقيادة عالمة الفلك في معهد سيتي (SETI)، أرييل غريكاوسكي، واستخدمت التلسكوبات الأرضية في إفريقيا وجزيرة في المحيط الهندي لتتبع سطوع الكويكب واكتشفت أنه استغرق أكثر من 23 يوماً للعودة إلى مستويات سطوعه السابقة للاصطدام.

وجد التحليل أيضاً أن المقذوفات بدت ضاربة إلى الحمرة في وقت الاصطدام، الأمر الذي بدا غامضاً إلى حد ما. يقول الباحثون في التقرير: “عادة ما تظهر الأجسام النشطة بلون مائل إلى الزرقة مقارنة بنظيراتها غير النشطة”، وذكروا مثالاً يقارن بين المذنبات النشطة وأجسام حزام كايبر (Kuiper Belt) غير النشطة. ويوضح الباحثون أن بعض هذه الألوان السطحية الأكثر حمرة ربما كانت ناجمة عن تشعيع المواد العضوية الموجودة على سطح الكويكب، مشيرين إلى أن التجارب المعملية أثبتت أن الإشعاع الفضائي يمكن أن يتسبب في احمرار بعض المعادن نفسها الموجودة على الأرجح في كويكبات مثل ديمورفوس.

الدراسات الخمس التي أجريت حتى الآن ليست سوى الدفعة الأولى من حملة طويلة الأمد لتحليل مهمة “دارت” من زوايا مختلفة. على سبيل المثال، من المقرر أن تصل مهمة “هيرا” (HERA) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية إلى كويكب ديمورفوس في عام 2026 لتقييم اصطدام مهمة “دارت” به بمزيد من التفصيل. حتى ذلك الحين، لا يزال بإمكان ناسا والشركاء الآخرين الاستمرار بالاحتفال بهذا الإنجاز المهم في علاقة البشرية بالفضاء.

اقرأ أيضاً: محاكاة حاسوبية تكشف أفضل الشروط لتوافر الماء السائل على سطح الكواكب الخارجية

تقول مديرة إدارة المهام العلمية في ناسا، نيكولا فوكس، في بيان صدر في 1 مارس/ آذار: “ابتهجت عندما اصطدمت مهمة “دارت” بالكويكب مباشرة في أول عرض توضيحي لتكنولوجيا الدفاع الكوكبي في العالم، وذلك لم يكن سوى البداية فقط. تعزز هذه النتائج فهمنا الأساسي للكويكبات وتبني أساساً لطرق دفاع البشر عن كوكب الأرض”.