كيف يساعد التطفل بعض الأنواع على الانتشار؟

كيف يساعد التطفل بعض الأنواع على الانتشار؟
أرنب الآمامي من الأنواع النادرة المهددة بالانقراض، موطنه جزر آمامي في اليابان. نوبوهيكو - stock.adobe.com
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

وجد علماء الأحياء المحليون آثار عضات غريبة على نبات بالانوفورا يوانينسيس (Balanophora yuwanensis) على سلسلة صغيرة من الجزر قبالة سواحل اليابان. يعتقد العلماء أن آثار الأسنان تعود إلى أرنب الآمامي (Amami)، وهو حيوان ليلي بري ذو فرو داكن، وسمي بذلك الاسم نسبةً إلى جزر الآمامي.

تطور هذا الأرنب بشكل منفصل في الجزر، ما جعله مختلفاً وراثياً عن أنواع الأرانب الأخرى في اليابان. لذلك قام الفريق بوضع كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء بالقرب من نبات بالانوفورا، وهو نبات غير ضوئي، وأمضوا 52 يوماً في مراقبة الحيوانات التي تتغذى على هذا النبات،

أرنب الآمامي ودوره في بقاء نبات بالانوفورا

وكانت شكوكهم في محلها: من بين جميع الحيوانات في الغابة، كان أرنب الآمامي أكثر حيوان يتغذى على ثمار نبات البالانوفورا. تم تأكيد ملاحظات الفريق في وقت لاحق عندما فحصوا براز الأرنب. نُشرت الورقة البحثية من جامعة كوبي (Kobe) في مجلة علم البيئة (Ecology) الشهر الماضي. بالإضافة إلى ذلك، اكتشف الباحثون أن الأرنب قد يؤدي دوراً مهماً في بقاء النبات؛ بعد أن يأكل أرنب الآمامي الثمار، يخرج البذور في برازه وينثرها في جميع أنحاء الغابات الشبه الاستوائية الدائمة الخضرة في الجزيرة.

اقرأ أيضاً: هل يهدد التغير المناخي الحيوانات الشاطئية سريعة أم بطيئة الحركة؟

تتمتع عملية نثر البذور بواسطة الحيوانات بأهمية خاصة لنبات البالانوفورا. يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة، كينجي سويتسوغو، وهو أستاذ في جامعة كوبي، أنه على الرغم من أن بذور النبات صغيرة فمن غير المرجح أن تنتشر من خلال الرياح، لأن النباتات تنمو تحت مظلة أشجار الغابة التي تحجب الرياح القوية.

تبدو كل كتلة مستديرة من نبات البالانوفورا مثل ثمرة واحدة، ومع ذلك، فهي تتكون من عدة آلاف من الثمار، يبلغ حجم كل منها نحو 0.3 مم. تتكون العناقيد من عدة نتوءات حمراء، وهي ليست ثماراً بل أوراق تخفي الثمار الحقيقية تحتها. يوهي تاشيرو

يُعد الدور الذي يؤديه أرنب الآمامي في انتشار النبات مثيراً للاهتمام، لأن نبات البالانوفورا ليس نباتاً عادياً، فهو لا يملك جذوراً ولا أوراقاً، ويشبه بلونه البني الداكن المحمر ثمار الفراولة ولا يشبه النباتات الورقية التقليدية. ولا يمكنه القيام بعملية التمثيل الضوئي، لذلك يعيش نباتاً طفيلياً يلتصق بجذور النباتات الأخرى للحصول على العناصر الغذائية.

كما أنه لا ينتج ثماراً غضّة ذات ألوان زاهية وقوام قابل للعصر، وليست له رائحة مميزة تجذب الحيوانات الناثرة للبذور التي تبحث عن وجبة خفيفة، بدلاً من ذلك، ينتج هذا النبات الطفيلي ثماراً جافة، وعلى الرغم من ذلك يتغذى عليها أرنب الآمامي. بعد تناول هذه الثمار، تحفر الأرانب جحوراً تحت الأرض تتغوط فيها، ما قد يساعد في وضع البذور بالقرب من جذور النباتات المضيفة المناسبة لنبات البالانوفورا.

علاقة معقدة بين الحيوانات وأنظمتها البيئية

توضح النتائج الأخيرة أيضاً العلاقة المعقدة بين الحيوانات والخدمات التي تقدمها لبيئاتها. يقول سويتسوغو في مقابلة عبر البريد الإلكتروني مع مجلة العلوم للعموم : “من المحتمل أن توفر الأرانب حلقة وصل مهمة بين نبات البالانوفورا والنباتات المضيفة له، حيث تعزز ملاحظات التاريخ الطبيعي هذه فهمنا للنظم البيئية بشكل كبير”.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: أعداد الحيوانات تزداد عند عيشها بالقرب من البشر

يضيف عالم البيئة في جامعة ماريلاند، إيفان فريكي، الذي يدرس عمليات نثر البذور، أن الدراسة تسلّط الضوء على الأدوار غير المتوقعة التي تؤديها الحيوانات في الحفاظ على شبكة الحياة الطبيعية. وقال فريكي في بيان لموقع بوبساي: “أعتقد أنه بات من الواضح أن عدد الأنواع النباتية التي تعتمد على الحيوانات لنثر بذورها أكبر مما كنا نعتقد سابقاً، حتى وإن لم يكن شكلها يجذب الحيوانات الآكلة للفاكهة، أو لم تكن من الأنواع التي تلتصق بفراء الحيوانات”.

لقطات الأشعة تحت الحمراء تُظهر أرنب الآمامي يتغذى على نبات غير ضوئي. حقوق الصورة: كينجي سويتسوغو

يقول سويتسوغو إن السكان المحليين حاولوا حماية أرنب الآمامي الذي يعتبره الكثيرون رمزاً ثقافياً للجزر، كما استُخدم الأرنب لترويج السياحة في السنوات الأخيرة. يقول سويتسوغو إن زيادة تدمير الموائل الطبيعية في جزر الآمامي تهدد كلاً من أرنب الآمامي ونبات البالانوفورا، وقد بذلت الحكومة بعض الجهود لحماية هذه الأنواع من الانقراض تمثلت في صيد الحيوانات المفترسة للأرانب والنمس والقطط البرية، ما أسفر عن بعض النتائج الإيجابية.

تأثير غياب الخدمات التي تقدمها الحيوانات المهددة بالانقراض على البيئة

ومع ذلك، لم يكتشف العلماء جميع الخدمات التي قد تقدمها الحيوانات المهددة بالانقراض لأنظمتها البيئية، على حد قول سويتسوغو، إذ يمكن أن يوقع تناقص أعدادها أو انقراضها أثراً كبيراً على عمل النظم البيئية.

يقول سويتسوغو: “لم تجرَ دراسة دقيقة لكثير من الأنواع المهددة بالانقراض، وقد لا تكون أهميتها البيئية معروفة بعد. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي الأنواع المهددة بالانقراض أدواراً مهمة بوصفها الملقحات أو ناثرات بذور أو حيوانات مفترسة أو فرائس، كما يمكنها أيضاً المساعدة في الحفاظ على توازن النظام البيئي من خلال التحكم في أعداد الأنواع الأخرى”.

اقرأ أيضاً: البشر القدماء ساعدوا في انقراض الحيوانات الكبيرة وكانوا أفضل في حماية الطبيعة

تقول زميلة ما بعد الدكتوراة في جامعة واشنطن، تيريز لامبرتي، في بيان لموقع بوبساي: “لا يزال العلماء يحاولون فهم دور الحيوانات المهددة بالانقراض في الأنظمة البيئية، وذلك يشمل نثر البذور، كما تعطي الدراسة مثالاً مهماً لمواصلة المراقبة الميدانية الدقيقة من أجل التوصل إلى اكتشاف جديد، وبما أن العديد من الحيوانات المهددة بالانقراض يبدي سمات مشتركة مثل أحجام الأجسام الكبيرة، فهي تؤدي عادة أدواراً فريدة أو مؤثرة نسبياً في أنظمتها البيئية، ولكن لا يمكننا تأكيد ذلك لأن البيانات الحالية محدودة، وبالتالي فنحن بحاجة إلى مزيد من الأبحاث”.

يقول سويتسوغو: “يجب مراعاة المهام غير المعروفة التي تؤديها الأنواع المهددة بالانقراض عندما تضع الحكومات سياسات الحفاظ على البيئة، كما أن فهم الأدوار التي تؤديها هذه الأنواع يساعد مسؤولي الحفاظ على البيئة في حماية الموائل واستعادتها على نحو أكثر فعالية، والتحكم بالأنواع الغازية وتقليل التهديدات الأخرى،

إن حماية الأنواع المهددة بالانقراض تساعد في الحفاظ على التنوع البيولوجي، إلى جانب فوائدها المهمة المحتملة لصحة الإنسان”.