هل تكون ممارسات السكان الأصليين خير وسيلة للوقاية من الحرائق الضخمة؟

هل تكون ممارسات السكان الأصليين خير وسيلة للوقاية من الحرائق الضخمة؟
يمكن أن تكشف حلقات الأشجار، مثل هذا المقطع العرضي لأشجار الصنوبر من نوع بونديروسا، عن آثار حرائق ومعلومات تاريخية عن الغابات. كريستوفر روس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تسببت حرائق الغابات الضخمة في السنوات الأخيرة في إحداث دمار كبير في الولايات المتحدة، ما تسبب في مشكلات صحية، وتعطيل الصناعات، وتشريد السكان القدامى. وعلى الرغم من أن تغيّر المناخ قد أدّى إلى تفاقم حرائق الغابات في جميع أنحاء البلاد، فقد قال العلماء إن السياسة السابقة لدائرة الغابات الأميركية هي المسؤولة جزئياً عن ذلك. في القرن العشرين، قامت الإدارة بإخماد جميع الحرائق، حتى الصغيرة منها، التي لم تشكّل أي خطر مباشر على حياة البشر والبنية التحتية.

اقرأ أيضاً: دراسة: التغيّر المناخي يهدد بتدمير المواقع الأثرية المهمة

الجانب المشرق من حرائق الغابات

ومع ذلك، تتطلب النظم البيئية مثل تلك الموجودة في الجنوب الغربي بعض الحرائق لتظل سليمة. تمنع الحرائق المنتظمة النمو السريع للغابة وزيادة كثافتها، كما تُزيل المواد العضوية الميتة، وتشجّع على نمو أنواع نباتية معينة. في العقود القليلة الماضية، حاول مديرو الغابات إعادة إحياء ممارسات السكان الأصليين في إدارة حرائق الغابات، حيث كان أولئك السكان هم الأوصياء على الأرض في السابق.

حيث تتمثل إحدى هذه الممارسات في إحداث حرائق مفيدة يتم التحكم بها وتسمى أيضاً الحرائق الموصوفة. حيث يساعد حرق أجزاء من الأرض بشكلٍ متعمّد في القضاء على الأعشاب والأشجار الصغيرة، التي تكون بمثابة وقود يغذّي الحرائق الضخمة والمدمّرة. لكن العلماء تساءلوا عن مدى تأثير هذه الممارسات على النظام البيئي عندما كانت الحرائق تأخذ مسارها الطبيعي، قبل وجود سياسة إدارة الغابات في إخماد الحرائق. وقد كشفت دراسة جديدة من جامعة ساوذرن ميثوديست (Southern Methodist ) عن رؤية جديدة حول مدى تأثير تلك الممارسات على الأرض.

حيث قامت الدراسة، التي نُشرت في 7 ديسمبر/ كانون الأول في مجلة ساينس أدفانسيس، بالبحث في ممارسات الحرق لثلاث قبائل مختلفة كانت تتخذ من الجنوب الغربي موطناً لها، وقارنت تلك الممارسات بحجم وكثافة حرائق الغابات التاريخية. ومن خلال استخدام سجلات حلقات الأشجار، وجد الباحثون أن الحرائق الموصوفة كانت بمثابة وسائل وقائية من الظروف المناخية من عام 1500 إلى عام 1900.

اقرأ أيضاً: درجات حرارة قياسية تضرب القطبين الجنوبي والشمالي

تعكس البيانات نمطاً نموذجياً للحرائق المرتبطة بالتغيّرات المناخية في الجنوب الغربي: فقد كان معدل سقوط الأمطار أعلى من المتوسط لمدة تتراوح بين عام إلى ثلاثة أعوام، ثم أعقب ذلك عام من الجفاف الشديد. وقد أدّى هطول الأمطار إلى نمو المزيد من النباتات، ثم أدى القحط إلى جفاف العشب، ليصبح وقوداً يساعد في انتشار الحرائق بشكلٍ أوسع. حدث هذا النمط بغض النظر عمّا إذا كانت القبائل تمارس الحرائق الموصوفة أم لا. ولكن عندما قاموا بالحرق، أضعفت هذه الممارسة الارتباط بالمناخ، ما يعني أن توقيت الحرائق وحجمها لم يتأثرا بأنماط الرطوبة، كما أوضح مؤلفو الدراسة.

الحرائق الموصوفة: ممارسة قديمة للسكان الأصليين

يقول المؤلف المشارك في الدراسة، كريستوفر جيترمان، وهو عالم بيئة الحرائق في جامعة كولورادو بولدر: “هذه الدراسة دقيقة جداً من ناحية اختيار المكان والتوقيت الذي تبحث فيه، والطريقة التي تدرس من خلالها العلاقة بين المناخ والحرائق مقارنة بتكرار الحرائق، والمواسم التي تحدث فيها تلك الحرائق، كما أنها تكشف عن بصمة إدارة السكان الأصليين بطريقة لم تظهر من قبل”.

معظم ما قامت به الدراسة هو تحديد طريقة وتوقيت استخدام القبائل للنار. استخدمت كل قبيلة مشمولة في الدراسة، وهم قبائل نافاجو نيشن (Navajo Nation)، وبويبلو أوف جيميز (Pueblo of Jemez)، وأباتشي (Apache)، النار بشكلٍ مختلف اعتماداً على ظروفهم الاقتصادية والثقافية. حيث استخدمت قبائل النافاجو (The Diné of Navajo Nation) النار في المقام الأول لإدارة المراعي.

فقد كان معدل حدوث الحرائق في الأراضي التي ترعى فيها أغنامهم أقل. لكن معدل انتشار الحرائق في الأراضي التي كانت بمثابة طرق للسفر، حيث ينمو العشب بشكل كبير، كان أعلى. واستخدمت قبائل هيميش (Hemish)، التي سكنت في منطقة بويلبو أوف جيميز (Pueblo of Jemez)، النار في أعمال البستنة لتنظيف الحقول وإعادة تدوير العناصر الغذائية. وقد استخدموها أيضاً لحرق المساحات التي توجد فيها الشجيرات لتحفيز نمو أغصان طويلة ومستقيمة، تكون جيدة لنسج السلال. أمّا قبائل الأباتشي (The Ndée of the Apache)، فقد استخدمت النار للتعامل مع نمو النباتات البرية، والمساعدة في زراعة التبغ، وإبعاد الغزلان إلى مناطق معينة.

اقرأ أيضاً: اكتشاف انقراض جديد سمح للديناصورات بالاستيلاء على الأرض

وقد كان الحجم الإجمالي للمساحة المحترقة نفسه بعد ممارسة الحرائق الموصوفة، فيما اختلف حجم تلك المساحات عن الفترات التي لم تُمارس فيها تلك الأنواع من الحرائق. فبدلاً من أن يكون هناك حريق ضخم واحد، قد تكون هناك حرائق صغيرة محدودة. يقول المؤلف الرئيسي للدراسة، كريستوفر روس، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة ساوذرن ميثوديست: “إن الكثير من الحرائق الصغيرة الموصوفة يمكن أن تساعد في الحد من التأثر بالمناخ في الأماكن التي تهمنا، سواء كانت تلك الأماكن حول المجتمعات البشرية أو في بيئات أخرى”.

روس يجمع عينات من الحفريات في الأرض. مايكل آيوفالاسيت

يقول روس إن معرفة السكان الأصليين وخبراتهم ساعدت الدراسة بشكلٍ كبير في الكشف عن ممارسات الحرائق الموصوفة. فقد شارك أربعة أفراد من القبائل في تأليف الدراسة الأخيرة. واعتمد الفريق على أدلة أثرية للحرائق الموصوفة لتحديد الزمان الذي سكنت فيه هذه القبائل على تلك الأرض. لكن هذه السجلات ليست دقيقة. على سبيل المثال، تركت قبائل الأباتشي بقايا أثرية بسيطة لكن أفرادها يقولون إن القبائل كانت تعيش على تلك الأرض منذ زمنٍ بعيد. ويقول روس: “لم يقتنع أحد بفكرة غياب الناس عن ذلك المشهد، حتى في ظل غياب الأدلة الأثرية. لذا، فإن الأمر لا يتعلق بفترات استخدام الحرائق الموصوفة، أو فترات وجود وغياب السكان، وإنما يعبّر عن فترات من الاستخدام المكثّف والبسيط لتلك الحرائق”.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تربط بين نمط الحياة وانخفاض معدلات الإصابة بالخرف بين سكان الأمازون الأصليين

يأمل روس في أن توفّر الدراسة استراتيجيات لصانعي السياسات في مواجهة حرائق الغابات الضخمة المتزايدة في الجنوب الغربي. ويقول: إن ممارسات السكان الأصليين أظهرت فوائد إيجابية للبيئة وللناس.

كما يضيف: “أنا لست من السكان الأصليين، لكني أحاول توجيه أنظار من هم في مناصب صنع القرار إلى أن السكان الأميركيين الأصليين تمكنوا من إدارة الحرائق لعدة قرون في هذه الأراضي، ويجب أن تمنحنا هذه الروايات التاريخية الطويلة عن العلاقة بين الأميركيين الأصليين والحرائق الأمل حول ما يمكننا القيام به، بدلاً من مجرد الشعور بالعجز في مواجهة تحديات المناخ وحرائق الغابات”.