دراسة: مناديل الحمام الورقية تحتوي على مواد سامّة

دراسة: مناديل الحمام الورقية تحتوي على مواد سامّة
من الممكن أن تتسرب مركبات البولي فلورو ألكيل إلى التربة والهواء والماء. بيكسلز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يحتوي العديد من المنتجات الاستهلاكية مثل المواد اللاصقة ومواد تغليف الطعام وأواني الطهو على مواد كيميائية تسمى البولي فلورو ألكيل (PFAS) لجعلها مقاومة للحرارة أو الزيوت أو الدهون أو الماء. تم تحديد أكثر من 9,000 مركب من هذه المواد الكيميائية التي تستخدم في الكثير من الاستعمالات الصناعية والتجارية.

وعلى الرغم من دور هذه المواد المهم في العديد من المنتجات الاستهلاكية، فهي تملك جانباً سلبياً خطيراً؛ إذ إنها لا تتحلل بسهولة في البيئة بسبب تركيبتها الكيميائية التي تقاوم التحلل العضوي. وهذا يفسر سبب تسميتها بالمواد الكيميائية الأبدية.

تأثير المواد الكيميائية الأبدية على المياه الجوفية

يقول أستاذ البيئة والاستدامة في جامعة ميشيغان، ألين بيرتون (Allen Burton)، الذي يدرس علم السموم البيئية: “إن تركيب هذه المواد يسمح لها بالانتقال عبر المياه السطحية والجوفية والبقاء في التربة والطبقات الرسوبية، فهي تتراكم بيولوجياً في البشر والحيوانات، وهي منتشرة لدرجةٍ تجعل تجنبها ليس سهلاً”.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تحذّر من مواد كيميائية تخفّض خصوبة النساء بنسبة 40%

يمكن أن تتسرب هذه المواد إلى التربة والهواء والماء، وهي موجودة بالفعل في دم الإنسان وبوله. كما تشير الدراسات أيضاً إلى أن مواد البولي فلورو ألكيل شديدة الانتشار في مياه الصرف الصحي المحلية، ليس فقط في مخلفات مصانع النسيج أو الورق التي تعد مصدراً رئيسياً لها، ولكن أيضاً في مياه الصرف ذات المصادر غير الصناعية مثل خزانات الصرف الصحي والمباني الإدارية. وتشير بعض الدراسات إلى أن هذه المواد الكيميائية تصل إلى مياه الصرف الصحي من خلال الألياف الدقيقة للملابس المقاومة للماء في أثناء الغسيل أو من فضلات الإنسان. لكن بحثاً جديداً يكشف عن مصدر آخر لهذه المواد، وهو مناديل الحمام الورقية.

مركبات فوسفات الفلورو ألكيل غير المشبع

تعد المواد الكيميائية التي تُعرف باسم فوسفات الفلورو ألكيل غير المشبع (diPAPs) أحد مركبات البولي فلورو ألكيل الرئيسية الموجودة في المخلفات الحيوية الصلبة، أي النفايات الصلبة الناتجة عن محطات معالجة مياه الصرف الصحي. لذلك قرر الباحثون فحص مناديل الحمام الورقية، التي تُستخدم فيها مركبات فوسفات الفلورو ألكيل غير المشبع بشكل شائع. وتشير نتائج دراسة حديثة نشرت في مجلة العلوم البيئية والتكنولوجيا (Environmental Science & Technology Letters) إلى أن مناديل الحمام الورقية قد تكون مصدراً رئيسياً لمواد البولي فلورو ألكيل في أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي.

حيث يقول مؤلف الدراسة وطالب الدراسات العليا في جمعية أبحاث إدارة المواد المستدامة (Sustainable Materials Management Research Group) بجامعة فلوريدا، جيك تومسون (Jake Thompson): “من المهم تحديد مصادر مواد البولي فلورو ألكيل لكي يتمكن صانعو القرار من اتخاذ قرارات مدروسة حول كيفية الحد من انتشارها البيئي”.

جمع تومسون وزملاؤه عينات من حمأة مياه الصرف الصحي من 8 محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي في الولايات المتحدة بالإضافة إلى لفائف من مناديل الحمام الورقية التي تباع في أميركا الشمالية والجنوبية والوسطى وإفريقيا وأوروبا الغربية لاستخراج مركبات البولي فلورو ألكيل وتحليلها. واكتشفوا وجود كمية كبيرة من مركبات فوسفات الفلورو ألكيل غير المشبع؛ وتحديداً مركب يسمى ثنائي فوسفات فلوروتيلومر 6:2 (6:2 diPAP).

يعد هذا المركب من الأنواع الأولية للبولي فلورو ألكيل، ويمكن أن يتحول إلى أنواع أخرى أكثر استقراراً، مثل حمض البيرفلوروكتانويك (PFOA) أو حمض البيرفلوروديكانويك (PFDA)، وتؤثر هذه المركبات على صحة الإنسان والبيئة، إذ تصنف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) حمض البيرفلوروكتانويك (PFOA) مثلاً على أنه “مادة مسرطنة محتملة”.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر المواد الكيميائية صعبة التفكك على مستهلكي الأسماك؟

تهديد للسلسلة الغذائية

يقول بيرتون، الذي لم يشارك في الدراسة: “تكون هذه الأنواع المتغيرة ذات قطبية أقوى وأشد ارتباطاً بالتربة والطبقات الرسوبية، ما يجعلها تدوم أكثر، ولأن هذه المركبات تتراكم في التربة والطبقات الرسوبية بمرور الوقت، تصبح متاحة بدرجة أكبر لتستهلكها اللافقاريات التي تعيش في تلك الطبقات، وبالتالي تشكل تهديداً للسلسلة الغذائية”.

واستناداً إلى النتائج والبيانات حول مستويات البولي فلورو ألكيل في مياه الصرف الصحي ونصيب الفرد من استخدام مناديل الحمام الورقية في بلدان أخرى، تشير تقديرات المؤلفين إلى أن هذه المناديل يمكن أن تكون مصدراً لنحو 4% من مركبات ثنائي فوسفات فلوروتيلومر 6:2 (6:2 diPAP) في مياه الصرف الصحي في الولايات المتحدة وكندا؛ فيما ترتفع النسبة إلى 35% و89% في السويد وفرنسا على التوالي. ويعتبر تأثير مناديل الحمام الورقية في السويد وفرنسا أعلى نظراً لاحتوائهما على تركيزات أقل بكثير من ثنائي فوسفات فلوروتيلومر 6:2 في مياه الصرف الصحي مقارنة بأميركا الشمالية.

بالإضافة إلى أن الناس في أميركا الشمالية يستخدمون مناديل الحمام الورقية أكثر من البلدان الأخرى، ما يشير إلى أن مركبات ثنائي فوسفات فلوروتيلومر 6:2 في أنظمة مياه الصرف الصحي في الولايات المتحدة تأتي غالباً من مصادر أخرى تستحق الدراسة، مثل مستحضرات التجميل وصناعة المنسوجات ومواد تغليف الطعام. كما يقول تومسون: “يأمل المؤلفون في تحديد مصادر البولي فلورو ألكيل، لكي يتسنّى لصنّاع القرار الاستعداد على نحو أفضل للتصدي لمخاطر البولي فلورو ألكيل”.

اقرأ أيضاً: دراسة تكشف تسبب ألواح التقطيع البلاستيكية بتلوث اللحوم

تقنيات معالجة مياه الصرف الصحي والتخلص من المركبات الكيميائية الأبدية

وقد أعلنت وكالة حماية البيئة (EPA) في وقت سابق من هذا العام عن خططها الجديدة لتطوير وسائل للحد من تلوث مياه الصرف الصحي وتقليل مستويات تصريف البولي فلورو ألكيل من مياه الصرف ذات المصادر الصناعية. وعلى الرغم من ذلك، تجب دراسة قدرة محطات معالجة مياه الصرف الصحي على إزالة البولي فلورو ألكيل. إذ ما تزال تقنيات معالجة مياه الصرف الصحي المتاحة حالياً غير قادرة على التخلص من مركبات البولي فلورو ألكيل. ولا يمكن لأساليب معالجة مياه الصرف الصحي التقليدية إزالة هذه المواد بفعالية؛ وإنما تقوم فقط بتمريرها عبر البحيرات والجداول والمياه الجوفية.

يقول بيرتون: “إن العثور على مركبات البولي فلورو ألكيل في مناديل الحمام الورقية ومياه الصرف الصحي لا يعد أمراً غريباً، فهي مصدر موثّق واسع الانتشار لتلوث البيئة بهذه المركبات، كما يعد تقليل نسبة هذه المواد في مياه الصرف الصحي هو إحدى الوسائل لتقليص آثارها السلبية على البيئة والحد من مخاطر تعرض البشر والكائنات الحية لها، كما أن أفضل الوسائل فعالية وكفاءة للحد من تلوث مياه الصرف الصحي بها هي السيطرة على مصادرها، ومما لا شك فيه أن هذا سيسهم في الحد من استخدام مركبات البولي فلورو ألكيل في صناعة مناديل الحمام الورقية والمنتجات الاستهلاكية الأخرى”.

اقرأ أيضاً: كيف أدت محطات الصرف الصحي إلى وصول انبعاثات غاز الميثان إلى مستويات قياسية؟

تُعد المنتجات الورقية غير المصبوغة والمنتجات المصنوعة من الخيزران وأوراق النخيل وأدوات المائدة القابلة لإعادة الاستخدام خيارات أفضل من مركبات البولي فلورو ألكيل التي تُستخدم في مواد تغليف الطعام (التي تستخدم مرة واحدة) لمقاومة الزيوت والدهون. كما تُستخدم مركبات البولي فلورو ألكيل أيضاً في صناعة المنسوجات لمقاومة الدهون والبقع والماء، ولكن يمكن للمصنعين استخدام المركبات القائمة على الميلامين بدلاً منها. كما يمكن التخلص تدريجياً وبشكل كامل من الاستخدام غير الضروري لمركبات البولي فلورو ألكيل في منتجات العناية الشخصية ومستحضرات التجميل على سبيل المثال.

يقول بيرتون: “إذا فشل المجتمع في الحد من المخاطر المضاعفة لمركبات البولي فلورو ألكيل، فإننا نزيد من احتمالية أن يواجه الأطفال والحيوانات مخاطر جسيمة”.