أنفاق وممرات مخبأة بعناية: كشف أسرار الهرم المصري العائم

هرم اللاهون. الصورة وزارة السياحة والآثار المصرية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كشفت قناة «ساينس شانل» عن هرم مصر العائم المذهل في منطقة «اللاهون» في محافظة «الفيوم»، في فيلم وثائقي جديد؛ وهي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن أسرار هذا الهرم. لكن لماذا يُعد هذا الهرم لا مثيل له؟ ولأي ملك يعود؟

اكتشاف هرم اللاهون وما كنا نعرفه عنه سابقاً

في أواخر القرن الـ 19؛ وفي العام 1889 تحديداً، اكتشف الإنجليزي «فلندر بتري» هرم «اللاهون» المصري الواقع بمحافظة الفيوم جنوب غرب القاهرة، وتمكّن من الوصول إلى حجرة الدفن التي تحوي بعض اللُّقى الأثرية؛ منها الكوبرا الذهبية التي كانت تعلو التاج الملكي، وهي معروضة في المتحف المصري حالياً، ليصبح الهرم من أبرز المعالم الأثرية والسياحية في مصر، وبعد مرور حوالي 130 عاماً على الاكتشاف، تم افتتاح هرم اللاهون للزوار في ديسمبر/كانون الأول 2019، بعدما مرّ بعدة مراحل من الترميم، يبلغ ارتفاع الهرم حالياً 41 متراً والقاعدة 106 أمتار.

أما عن صاحب هرم «اللاهون»؛ ورد في الجزء الثالث من موسوعة مصر القديمة للأثري المصري سليم حسن، أن الملك سنوسرت الثاني «١٩٠٦–١٨٨٣ق.م»؛ الملقّب باسم «خع خبر رع»، بنى الهرم لنفسه وسماه «خع سنوسرت»؛ الذي يعني «المضيء»، وبنى مدينة مجاورة له تُسمى «عنخ سونسرت» في منطقة اللاهون بالقرب من مدخل «الفيوم»؛ في بقعة يمكن منها رؤية بلدة «الفيوم» من قمة هذا الهرم، وبناء الهرم نفسه غريب في تركيبه؛ إذ إنه أقامه فوق صخرة كبيرة، أصلح بعض جوانبها ثم أكمل البناء بالأحجار واللِبن، ثم كساها بالحجر الجيري الأبيض مثل الأهرام الأخرى.

كان المدخل الرئيسي للهرم مغطىً بأرضية مقبرة إحدى الأميرات؛ وذلك احتراساً وتفادياً من اللصوص، أما المدخل الثانوي فإنه كان مخفيّاً تحت أرضية ردهة الهرم، ورغم كل العناية المقدَّمة أثناء بناء الهرم إلا أن حجرة الدفن قد نُهبت، ولا يزال التابوت الفرعوني المصنوع من الجرانيت باقياً للآن. يُذكر أن الفرعون الملك سنوسرت الثاني تولى المُلك بعد أبيه الملك «أمنمحات الثاني»، بعد أن اشترك معه في الحكم حوالي 7 أعوام، أما مدة حكمه للبلاد فكانت قصيرة؛ إذ لم يمكث على العرش أكثر من 19 سنة بما فيها الأعوام الأعوام الـ 7 التي اشترك فيها مع والده.

ما كشفه الفيلم الوثائقي الجديد عن هرم اللاهون العائم

كنز هرم اللاهون. الصورة وزارة السياحة والآثار المصرية

أوضح الفيلم الوثائقي «أن إيرثد» في الحلقة الثامنة منه؛ والذي تبثه قناة «ساينس شانل»، أن هرم اللاهون في الفيوم هرماً لا مثيل له، وذكرت القناة أنهم حصلوا على حق الوصول الحصري إلى داخل هذا الهيكل الضخم الغريب لأول مرة، ليستكشفوا الأنفاق المخبأة في أعماق الأرض؛ عن طريق تحليلات المسح والطب الشرعي الرائدة لفك تشفير أسرار الفرعون المحبوس منذ 4000 عام.

كشف الفيلم الوثائقي عن الهيكل الداخلي للهرم المبني على شكل نجمة، وعن الأنفاق المخفية، وعن الميزات الهندسية المذهلة، بالإضافة إلى الكنوز المفقودة منذ زمن طويل لحل لغز الهرم الأغرب على الإطلاق، وورد فيه أن الفرعون «سنوسرت الثاني»؛ رابع فراعنة الأسرة 12 في مصر، أمر ببناء هرم «لاهون» قبل وفاته، وكان يهتم كثيراً بمنطقة واحة الفيوم، وبدأ العمل على نظام ري واسع النطاق من «بحر يوسف» إلى «بحيرة مويرس» في مصر الوسطى. كان الغرض من مشروعه هو زيادة مساحة الأراضي الزراعية في تلك المنطقة، ونتيجة لجهوده، بقيت المنطقة العاصمة السياسية لمصر حتى الأسرة 13.

كشف الفلم أيضاً أن هذا الهرم محاط بخندق غريب، وهذا هو الهرم الوحيد الذي تم بناؤه على الإطلاق ليبدو وكأنه يطفو على الماء، وتم بناؤه حوالي عام 1870 قبل الميلاد، وهو نصب تذكاري عظيم مكسو بالحجر الجيري اللامع، ويرتفع 48.7 متراً فوق الصحراء، ويتوّج جزؤه العلوي بحجر من الجرانيت الأسود، ويوجد بجانبه هرم أصغر لملكة الفرعون وثمانية نصب تذكارية من الحجر، وكان كل شيء محاطاً بجدار ضخم من الأحجار والِلبن، وقيل أن مجمع الهرم كان محاطاً بالمياه، ويبدو أنه يطفو في صحراء مصر الغربية الشاسعة، وكانت هذه المنطقة الصحراوية خصبة سابقاً وتعرف بواحة الفيوم.

كشفت عالمة الآثار الرائدة «سليمة إكرام» في الفيلم، عن نظريتها حول كيف استطاع الفرعون أن يخلق وهماً بأن هرمه كان عائماً؛ فقالت: «يا له من مشهد يجب أن يكون للناس أن يروه، هذا الهرم المحاط بالمياه، نحن في وسط الصحراء، ولكن من بعيد، يمكنك أن ترى الكثير من المساحات الخضراء والنباتات. حقيقةً، وجود واحة خصبة هنا يعني أن هناك إمدادات مستمرة من المياه».

ويوضح الفلم أيضاً أنه بدلاً من استخدام حشو من الحجارة والطين والملاط، استخدم هرم سنوسرت الثاني حشواً من طوب الطين قبل إكساء الهيكل بطبقة من قشرة الحجر الجيري. تم ربط أحجار الكسوة الخارجية معاً باستخدام حشوات متداخلة، وبعضها لا يزال باقياً حتى الآن، وتم حفر خندق حول القلب المركزي مملوء بالحجارة ليكون بمثابة مصرف للمياه.