دليل أحفوري من لبنان يكشف أن ذكور البعوض كانت تلسع أيضاً

3 دقيقة
دراسة جديدة تبيّن أن ذكور البعوض كانوا قادرين على مصّ الدم قبل ملايين السنين
بعوضة مغلفة براتنج العنبر. يمكن أن تحتوي رواسب راتنج هذه الأشجار على أدلة تفيد في دراسة الحشرات والنباتات المزهرة التي تطورت على نحو مشترك بمرور الزمن. داني أزار شير

إذا تعرّضت من قبل للدغة بعوضة، فهذه الحشرة كانت أنثى بالتأكيد. إناث البعوض هي كائنات دامية، أي أنها تتغذى على دم الحيوانات. تستطيع هذه الحشرات استخدام الدم الذي تمصّه لإنتاج البيوض. لكن ذكور البعوض ليسوا كائنات دامية، بل إنهم يتغذّون على رحيق النباتات لأن الأجزاء الفموية لديهم، التي تحمل اسم "الخراطيم"، ليست قوية بما يكفي لاختراق الجلد.

ذكور البعوض كانوا قادرين على مص الدم سابقاً

مع ذلك، كان ذكور البعوض يتغذّون على الدم قبل مئات الملايين من السنين. فقد عثر فريق من علماء الحفريات على حفريتين تعودان للعصر الطباشيري المبكّر لذكري بعوض يتمتعان بخرطومين ثاقبين سليمين وفكّين سفليين حادّين، وهي أعضاء ضرورية لمصّ الدم. وُصفت العينتان في دراسة نُشرت بتاريخ 4 ديسمبر/كانون الأول 2023 في مجلة كارنت بايولوجي (Current Biology)، وستساعدان العلماء على تضييق ما يدعى "فجوة النسب الغامضة" للبعوض.

دمويّة التغذية هي قدرة بعض الحشرات على مص الدم من الحيوانات الأخرى. يعتقد العلماء أن هذه القدرة تطورت من خلال اكتساب الحشرات للأجزاء الفموية الثاقبة والماصة واستخدامها لاستخراج السوائل من النباتات بدلاً من الحيوانات. من المحتمل أن البراغيث المنتشرة الآن التي تمص دم الحيوانات تطورت من أنواع سابقة من الحشرات التي كان مصدر غذائها الأساسي هو رحيق النباتات. كشفُ مراحل تطور دموية التغذية صعب بالنسبة للعلماء، ويعود ذلك جزئياً إلى وجود الثغرات في السجل الأحفوري للحشرات.

اقرأ أيضاً: دراسة: طفرات وراثية تجعل بعوض الزاعجة المصرية مقاوماً للمبيدات الحشرية

كشف مراحل تطور دموية التغذية

اكتُشفت الحفريتان المفحوصتان في الدراسة الجديدة في لبنان وكانتا محفوظتين في راتنج العنبر بحالة جيدة، وتعودان إلى الفترة بين 130 و125 مليون سنة مضت. العنبر (أو الكهرمان) هو راتنج شجريّ متحجّر تعد رواسبه الموجودة في لبنان من أقدم العينات المعروفة التي تحتوي على آثار لكائنات حية، منها الحشرات.

يمكن أن تساعد دراسة هذه المادة على سد فجوات النسب الغامضة، وهي سلسلة من الأسلاف لا تظهر عادة في السجل الأحفوري. شوكيات الجوف هي من الأمثلة الشهيرة على فجوات النسب الغامضة هذه.

تتمتع هذه الأسماك الفصيّة الزعانف بسجل أحفوري طويل يمتد من العصر الديفوني إلى العصر الطباشيري، أي نحو 300 مليون سنة. مع ذلك، لم يعثر العلماء على حفريات هذه الأسماك في رواسب أقدم من العصر الطباشيري، لذلك افترضوا أنها انقرضت منذ 80 مليون سنة. التقط الصيادون سمكة شوكية الجوف حية قبالة سواحل جنوب إفريقيا في عام 1938، وتعيش مجموعة أخرى من هذه الأسماك في إندونيسيا. ويبدو أنه لم تتشكل حفريات لهذه الأسماك خلال الـ 80 مليون سنة الماضية. 

ذكور بعوض تتمتع بأجزاء فموية قوية

يمكن أن تحتوي رواسب العنبر أيضاً على أدلة تساعد العلماء على كشف كيفية تطوّر الحشرات الملقِّحة والنباتات المزهرة على نحو مشترك بمرور الوقت. تشمل الحشرات الملقحة بعض أعضاء عائلة البعوضيات التي تنتمي إلى شعبة مفصليات الأرجل وتضم أكثر من 3 آلاف نوع من البعوض. 

قال عالم الحشرات في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، أندريه نيل، في بيان صحفي: "يشير التأريخ الجزيئي إلى أن عائلة البعوضيات نشأت خلال العصر الجوراسي، ولكن اكتشف العلماء سابقاً أن أقدم سجل لها يعود إلى العصر الطباشيري الأوسط. مع ذلك، تنتمي العينتان في دراستنا إلى العصر الطباشيري المبكّر، أي قبل 30 مليون سنة".

يصف الفريق في الدراسة الجديدة حفريتين تعودان إلى العصر الطباشيري لذكري بعوض يتمتّعان بأجزاء فموية ثاقبة. تشمل هذه الأجزاء فكاً سفلياً مثلثي الشكل حاداً للغاية وهيكلاً ممدوداً يحتوي على سُنينات صغيرة تشبه الأسنان. يشير وجود هذه الأجزاء إلى أنه من المحتمل أن ذكور البعوض الذين عاشوا خلال العصر الطباشيري المتأخر كانوا قادرين على اختراق جلود الحيوانات والتغذي على دمها مثل سليلاتهم من إناث البعوض المعاصرات. 

اقرأ أيضاً: ما هي نتائج أول تجربة لإطلاق البعوض المعدل وراثياً في الولايات المتحدة؟

أفاد الفريق أيضاً أن وجود البعوض المحفوظ في العنبر يبيّن أن شجرة عائلة هذه الحشرات تعود إلى فترة أقدم ضمن العصر الطباشيري. بالإضافة إلى ذلك، تشير دراسة الحفريتين أيضاً إلى أن تطور سلوك مص الدماء أعقد مما اعتقد العلماء سابقاً. وفقاً لنيل، يأمل الفريق في التحقيق ضمن الدراسات المستقبلية في السبب الذي جعل القدرة على التغذّي على الدماء مفيدة بالنسبة لذكور البعوض في العصر الطباشيري، ولماذا فقد الذكور هذه القدرة. 

المحتوى محمي