لماذا تم الحجر الصحي على الطائرة التي هبطت في مطار كينيدي؟

من المثير للعجب فعلاً أننا لا ننشر المرض على الطائرات في كثير من الأحيان.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تحديث: أصدرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية تصريحاً جديداً عن الركاب الأحد عشر الذين نُقلوا إلى المستشفى، وفيه: “تشير الاختبارات الأولية إلى أن بعض المرضى ثبتت إصابتهم بالأنفلونزا وحدها أو مع غيرها من الفيروسات التنفسية الشائعة”، وهم يخضعون للعلاج الآن. كما طلبت مراكز السيطرة على الأمراض من الركاب الآخرين في الطائرة أن يتواصلوا مع مقدم الرعاية الصحية لهم إذا ما ظهرت عندهم أية أعراض.

الأخبار السارَّة هي أننا (ربما) لا نشهد بدء نهاية العالم، ولكن تلك الأخبار المتداولة صباح يوم الأربعاء (الخامس من سبتمبر لهذا العام) عن الحَجْر الصحي للطائرة التي تحمل أكثر من 500 شخص في مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك تُشير إلى أن الذي أثار مخاوف الرأي العام هو أن يكون انتقال المرض موجَّهاً.

فقد غادرت إحدى طائرات شركة طيران الإمارات مطارَ دبي الدولي -أحد أكثر المطارات ازدحاماً في العالم- الساعة 3:21 صباحاً بالتوقيت المحلي، وهبطت في مطار جون كينيدي صباح الأربعاء، بعد رحلة استغرقت 14 ساعة، وهناك تم فرض الحجر الصحي عليها على الفور، مما تسبَّب في تكهنات خطيرة بعد نشر التقرير.

وقد تلقَّت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تقريراً يفيد أن الركاب وأفراد الطاقم الذين كانوا على متن الطائرة “يعانون من أعراض مرضية تشمل السعال والحمى وأعراض أمراض الجهاز الهضمي”، وذلك بحسب ما صرَّح به بنجامين هاينيس (المتحدث باسم المراكز) لمجلة بوبيولار ساينس.

كما قام موظفو الصحة العامة في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها -وبالإضافة إلى المسؤولين المحليين والمسؤولين عن الاستجابة للطوارئ- “بإكمال التقييمات الصحية (ومن ضمنها قياس درجة الحرارة) لجميع الركاب البالغ عددهم 549 راكباً بالإضافة إلى أفراد الطاقم الذين كانوا على متنها”، وذلك كما جاء في تصريح هاينيس، وقد تم نقل 11 شخصاً إلى المستشفى، بينما ذهب بقية الركاب إلى شؤونهم في اليوم نفسه. ويضيف هاينيس: “نطلب من الركاب الذين تم تقييم حالاتهم الصحية وإطلاق سراحهم أن يتصلوا بمقدم الرعاية الصحية لهم وبوزارة الصحة في حال ظهور أية أعراض عليهم”، وبعد ظهر يوم الخميس أفادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن بعض المرضى قد ثبتت إصابتهم بالأنفلونزا وحدها أو مع غيرها من الفيروسات التنفسية الشائعة، وأنهم يخضعون الآن للمعالجة.

وقد غذَّت التغريدات الواردة من بعض ركاب الطائرة -خلال ما يسمى بالحجر الصحي- تلك التكهنات حول شدة المرض على الطائرة، ونشرت الراكبة إيرين سايكس على حسابها على تويتر مقطعاً مرئياً يُظهر مسؤولاً في الطائرة وهو يقول للركاب إن من الواجب عليهم البقاء على متنها بعد هبوطها، وكتبت: “هذا ليس تسمُّماً غذائياً بالتأكيد”. وبعد الهبوط تم استقبال الطائرة من قِبل المسؤولين وأول المستجيبين للخبر، وتُظهر لقطةٌ من الأخبار أن الطائرة التي هبطت كانت محاطة بالحافلات، وحوالي سبع سيارات إسعاف.

وقد قال مغني الراب فانيلا آيس -الذي كان على متن الطائرة- في تغريدة له إن الركاب الذين ظهرت عليهم الأعراض كانوا في الطابق السفلي للطائرة، ويؤيِّد كلامه مسافر آخر تحدَّث إلى وكالة أسوشيتد برس، وتعد الطائرة A380 ذات الطابقين التي قامت بالرحلة هي أكبر طائرة تجارية في العالم، وذلك وفقاً لشركة إيرباص التي قامت بتصنيعها.

ويقول ماثيو بولتون (عالم الأوبئة في جامعة ميتشغان، والذي شغل منصب كبير علماء الأوبئة في الولاية في الفترة من 1998 إلى 2005، وعمل مستشاراً علمياً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها): “من المؤكد أن الأمر لا يبدو كأنه بداية لوباء جديد”، وعلى الرغم من أن المعلومات غير واضحة في هذه المرحلة -كما يقول- فمن الواضح أن الطائرة احتُجزت مؤقتاً كإجراء احترازي، ولم يتم حَجْرها صحياً بشكل رسمي. ووفقاً لتعريف مراكز السيطرة على الأمراض: “يفصل الحجر الصحي ويحدُّ من حركة الأشخاص الذين تعرَّضوا لمرض مُعدٍ؛ وذلك لمعرفة ما إذا كانوا سيصابون بالمرض”، كذلك فالعزل هو الشيء نفسه، ولكنه يكون للأشخاص المصابين فعلاً؛ من أجل التأكد من أنهم لا ينقلون العدوى للآخرين.

يقول بولتون: “إن الحجر الصحي يعني بشكل ضِمني أنهم وصلوا، وأوقفوا الطائرة، وأن الأشخاص كانوا معزولين عن الناس لفترة من الزمن”، ولكن الأمر لم يكن كذلك هنا، فقد نزل جميع الركاب من الطائرة في غضون ساعات من الهبوط، وذهب معظمهم إلى شؤونهم على الفور.

ويرى بولتون أن احتمال أن يشير الأمر إلى ظهور عدوى جديدة كلياً تستدعي الحجر الصحي هو احتمال بعيد جداً، على الرغم من هَوَس وسائل التواصل الاجتماعي في إشاعة ما هو خلاف ذلك، ويصرِّح القانون الفيدرالي حالياً بالعزل والحجر الصحي في حال وجود تسعة أمراض معينة فقط؛ وتتراوح هذه الأمراض بين الحُمَّى النزفية (مثل مرض إيبولا) إلى “الأنفلونزا التي يمكن أن تتسبَّب في حدوث وباء” بشكل غامض، ومن المرجح أن الركاب لم تظهر عليهم أي أعراض لهذه الأمراض، وإلا لما كان سيُسمح لهم بمخالطة الناس. ويبدو أن إعلان مراكز السيطرة على الأمراض يوم الخميس (السادس من سبتمبر) يؤكد وجود شكوك سابقة حول مرض عادي نسبياً يُشبه الإنفلونزا.

ولم يكن أحد خبراء مراكز السيطرة على الأمراض -الذين يستطيعون التعامل مع سياسات الحجر الصحي في المنظمة- متاحاً حينها، ولكن هاينيس أحال مجلة بوبيولار ساينس إلى إرشادات مراكز السيطرة على الأمراض لمنع انتشار المرض على الطائرة، وهذه الإرشادات تُوصي باتخاذ الاحتياطات الأساسية؛ مثل غسل اليدين، وعزل الركاب المصابين، والإشارة إلى اللوائح التي تطلب من طاقم الطائرة إبلاغ مراكز السيطرة على الأمراض بأي وفاة أو أنواع معينة من المرض؛ مثل الحُمى التي تزيد درجة حرارتها عن 38 درجة مئوية والمقترنة بعرَضٍ آخر. وليس واضحاً ما تم إبلاغه إلى مراكز السيطرة على الأمراض في هذه الرحلة بالتحديد.

وقد استحوذت الطائرات -بمساحاتها الضيقة، والهواء المعاد تدويره، والشعور العام بالضيق- على التصور العام كطريقة لانتشار المرض، ولكن بولتون يقول: “إن أكثر ما يثير الدهشة هو أننا -بالنسبة لحجم الرحلات الدولية الموجودة- لا نرى الكثيرَ من هذه الحالات”.

ويرى بولتون أن سلسلة من الجوائح -مثل فيروس غرب النيل والسارس وإيبولا- المنتشرة خلال العقدين الماضيين قد أدَّت إلى جعل الناس أكثر إدراكاً بأن الأمراض لا تُبالي بالحدود؛ حيث يقول: “يمكن لانتقال الأمراض المحلية أن يكون له تداعيات عالمية”، ويمكن أن يكون السفر بالطائرة وسيلة مناسة لنقلها، وكثيراً ما يتم اتخاذ قرارات الحجر الصحي “اعتماداً على المكان الذي تأتي منه الطائرة”.

ومع أن ذلك لن يتسبب في أي ضرر جسيم غالباً على الركاب المصابين، لكنه يعد إشارة جيدة إلى أن المسؤولين الفيدراليين قد أخذوا المرض على محمل الجد، وتمكنوا من الاستجابة له بشكل صحيح. وعلى كل حال فإن 19 راكباً يتعرضون لنفس الحالة في رحلة واحدة هو رقم كبير؛ يقول بولتون: “في الواقع، هذا حشد ضخم للمرض في مكان واحد”، ومن الجيد أن نرى مراكز السيطرة على الأمراض قادرة على إدارة مثل هذا الموقف والتعامل معه.