أثبتت التجربة عدم فعالية مواد البروبيوتيك في علاج الأمراض

وجدت إحدى الدراسات الجديدة أن بعض مواد البروبيوتيك تفاقم من حالة بعض الإنتانات، وبالتالي ألقت الضوء على سبب أهمية اختبار مواد البروبيوتيك بشكل صارم قبل أن تصل إلى الأسواق.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كانت البكتيريا تحمل دلالة سلبية باتفاق الجميع تقريباً، وذلك لسبب وجيه؛ إذ تؤدي هذه الكائنات المجهرية إلى الإصابة بالإنتانات التي تسبِّب المرض، وحتى الموت في كثير من الأحيان، ولم يدرك العلماء حتى وقت قريب أن هناك بكتيريا تساعد في الحفاظ على صحتنا بشكل أكثر بكثير من إصابتنا بالمرض،

وسرعان ما علمنا أن أجسادنا هي عبارة عن نظام إيكولوجي متكامل يعجُّ بالبكتيريا، ويعيش معظمها على الجلد وداخل الأمعاء؛ فهي تساعد في هضم الطعام، وتحافظ على حركة الأمعاء، وتمنع البكتيريا المسببة للأمراض من الاستيطان في الجسم عندما تستطيع ذلك.

واتَّضح أيضاً أن بعض الميكروبات هي أكثر تأثيراً من غيرها، كما أن بعض أنواع البكتيريا مثل العصيَّة اللبنيَّة والبيفيدوباكتيريا -وهي الكائنات الحية الموجودة في الأطعمة المخمَّرة مثل اللبن والكيمتشي- يعتقد بأنها تجعل الأمعاء أكثر صحةً، ومن هنا جاءت فكرة البروبيوتيك بأكملها؛ إذ تمتلئ الآن رفوف المتاجر بمكمِّلات البروبيوتيك التي تزعم مختلف الادِّعاءات أنها مفيدة للصحة. ولكن معظم الحبوب التي تشتريها من المتاجر غير خاضعة لرقابة الهيئات التنظيمية، وهذا يعني أنها -مثل مكمِّلات المعالجة المثلية- لا تحتاج إلى الخضوع للعملية الدقيقة لإدارة الأغذية والأدوية الأميركية من أجل الموافقة على الدواء، وهي العملية التي تُجبِر الشركات على إثبات أن منتجاتها تحتوي المواد التي تدَّعيها، وأنها تعالج الحالات المرضية التي تدَّعي علاجها بشكل فعَّال. وفي الواقع لا يوجد في الأسواق اليوم سوى عدد قليل من مكملات البروبيوتيك التي خضعت لتجارب سريرية لإثبات فعاليتها؛ مثل ألاين (Align) وكلتشوريل (Culturelle) وعددٍ قليل من المكملات الأخرى.

من السهل افتراض أن بقية المكملات غير ضارة في أسوأ الأحوال، فهي مجرد بكتيريا في النهاية، وللأسف لا تعمل الميكروبات بهذه الطريقة؛ إذ يمكن للبكتيريا الضارة -لنفس السبب- أن تستولي على الأمعاء بسهولة، كما هو الحال مع البكتيريا التي يُفترض أنها سليمة. وفي دراسة نشرت مؤخراً في مجلة أبلايد أند إنفايرونمنتال مايكروبيولوجي (Applied and Environmental Microbiology)، ذكر الباحثون أن البروبيوتيك الذي كان يهدف إلى علاج الإنتانات الطفيلية عند الفئران -في الواقع- جعلها أسوأ.

كان الباحثون يحاولون إيجاد طرق جديدة لعلاج داء خفيات الأبواغ؛ وهو أحد الأسباب الرئيسية للإسهال عند الرُّضَّع وخاصة في البلدان النامية، ويحدث بسبب الإصابة بطفيليات تسمى خفيات الأبواغ الصغيرة، فقام الباحثون بحقن الفئران ببكتيريا العصيَّة اللبنيَّة الروتيريَّة -وهي إحدى مكملات البروبيوتيك المتوفرة تجارياً- لمعرفة ما إذا كان يمكن للبروبيوتيك إعادة النظام الإيكولوجي البكتيري إلى حالته الطبيعية الصحية أم لا؛ إذ يجب على البكتيريا المتعايشة -التي تقوم بوظيفتها بشكل صحيح- أن تتمكن من القضاء على الأجسام الغازية، لأنها تحرم الطفيليات من وجود مكان تعيش فيه، وبالتالي تتلاشى في النهاية، ولكن ما حدث فعلاً هو أن الطفيليات اكتسبت مزيداً من النشاط، حتى أن الباحثين وجدوا بحلول نهاية الدراسة كميةً أكبر من الطفيليات عند الفئران التي حصلت على مواد البروبيوتيك من تلك التي لم تحصل عليها.

وعلى الرغم من أن الدراسة كانت فاشلة من الناحية التقنية فيما يتعلق بالهدف المقصود، إلا أن النتيجة كانت مهمة للغاية؛ حيث أظهرت النتائج -كما أشار الباحثون في بيان مصاحب- أن البكتيريا المفيدة يمكنها أن تؤثر على نمو الطفيليات، وإن لم يكن بالاتجاه المنشود؛ قال جيوفاني ويدمر (مؤلف الدراسة، وعالم متخصص في الأحياء الجزيئية في كلية العلوم البيطرية بجامعة تافتس) في البيان: “لم نعرف ما إذا كان نمو خفيات الأبواغ في الأمعاء يمكن أن يتأثر بالنظام الغذائي أم لا”، ويخطط وِيدمر وفريقه الآن لإيجاد الآلية التي يتم من خلالها إنجاح ذلك، بالإضافة إلى محاولة العثور على سلالة بكتيرية تستطيع منع النمو بدلاً من تعزيزه.

كما أن النتائج تسلط الضوء أيضاً على أهمية اختبار مواد البروبيوتيك بشكل صارم قبل أن تصل إلى الأسواق.

وتعدُّ البكتيريا معقَّدة على عكس الأدوية؛ ففي حين أن هناك بعض السلالات البكتيرية الرئيسية الشائعة لدى الكثير من الناس، إلا أن غالبية البكتيريا المتعايشة في أمعاء الشخص هي نتيجة لنظامه الغذائي وبيئته، وحتى عاداته الأخرى مثل التمارين الرياضية، ولكن الطريقة التي تؤثر بها مواد البروبيوتيك على الأمعاء تعتمد على البكتيريا الموجودة بالأصل؛ مما يجعل من الصعب التنبؤ بكيفية تأثير أي سلالة بروبيوتيكية على الشخص،

ويمكن للباحثين -في حال إجراء ما يكفي من الاختبارات والتجارب- أن يحصلوا على صورة أوضح، وأن يكونوا أكثر قدرة على التنبؤ بما سيحدث، لكننا لم نصل إلى هذا الحدِّ بعد.

ومن المهم في هذه الأثناء اختبار مواد البروبيوتيك بشكل صارم قبل أن تصل إلى رفوف المتاجر أو عبوات الأدوية، ومع ذلك فإن نقص التنظيم لا يعني بالضرورة حدوث كارثة؛ فقد وجد الباحثون في عملية زرع البراز مثلاً -وهي إحدى أكبر نجاحات مواد البروبيوتيك حتى الآن- أن حالات الإنتانات الشديدة ببكتيريا المطثية العسيرة، عندما يُقدَّم لها البراز السليم المتبرَّع به (المجفف والموضوع في حبة) فإنه يمكنه أن يعالج الإنتان في كثير من الأحيان، وقد شهد العلاج نجاحاً كبيراً، وهناك العديد من التجارب السريرية التي تُجرى حالياً أو تم الانتهاء منها. ولكن هذه العلاجات لا تزال غير منظمة، ونحن لا نعرف ما نجهله عنها بالضبط، وما زالت هناك العديد من الفرص للبكتيريا المزروعة -سواء في زرعات البروبيوتيك أو زرعات البراز- حتى تؤثر سلباً على الأمعاء.

ولا نعرف حالياً إلا أنه لا يزال بإمكانك الحفاظ على سلامة البكتيريا المتعايشة عن طريق تناول نظام غذائي صحي مليء بالألياف، والتي تعدُّ الغذاء المفضل للبكتيريا، دون الحاجة إلى تناول أي من حبوب البروبيوتيك.