أعداد كبيرة من الكواكب الافتراضية تساعد جوجل وناسا في اكتشاف الكواكب الحقيقية

فجر "تيس"؛ هذه هي الصورة العلمية الأولى التي التقطها القمر الاصطناعي لمسح الكواكب الخارجية العابرة، أو تيس.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أمضى الباحثون في مختبر تطوير الجبهة الفضائية “إف دي إل FDL” التابع لناسا -الواقع في ماونتن فيو بكاليفورنيا- فترةَ الصيف وهم يعملون على معالجة مشاكل من خارج هذا العالم، وقد أتى هؤلاء الباحثون من كافة أنحاء العالم، ومن مختلف الاختصاصات، فمنهم مهندسو حواسيب وعلماء كواكب، بل حتى عالم مختص بفيزياء الجسيمات. وعلى مدى ثمانية أسابيع انكبَّ هؤلاء على البيانات والخرائط، وقاموا بتشكيل عوالم وأغلفة جوية، وصنَّفوها، ومن ثم اختبروا خوارزمياتهم في عمليات محاكاة حاسوبية. لكن المنتجات النهائية ما زالت في حاجة إلى المزيد من الصقل، ولكن البعض يأمل أنهم سيُسهمون في تحسين فهمنا لنظامنا الشمسي، ودعم الجهود الإجمالية للعثور على كواكب صالحة للسكن -وربما مسكونة- في أماكن أخرى من الكون.

وبلغ برنامج إف دي إل سنته الثالثة حالياً، وكانت الجولات السابقة قد تضمنت العمل على مشاكل مثل كشف الكويكبات ومسحها والتصدي لها، إضافة إلى مسح العواصف الشمسية، أما هذه السنة فقد ركزت بعض الجولات على نظامنا الشمسي، وعملت بعض المجموعات على إيجاد وسائل لتحسين أساليب توقع الطقس الفضائي، وذلك بتمويل من آي بي إم، وكي إكس، ولوكهيد مارتن. كما حصلت فرق أخرى على تمويل من إنتل، وسبيس ريسورسز، وإكس برايز؛ من أجل استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أساليب جديدة لرسم الخرائط والمسارات على سطوح الكويكبات وغيرها من الأجسام الكوكبية، وذلك من أجل البحث عن الموارد الفضائية. أما خارج النظام الشمسي فقد موَّلت جوجل كلاود ثلاثة مشاريع مختلفة للبحث عن الكواكب الخارجية، ودراسة أغلفتها الجوية، والبحث عن دلالات وجود الحياة على سطحها.

وقد أُنشئ إف دي إل كشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تقدم الشركات التمويل والموارد والتجارب، في حين أن ناسا ومعهد سيتي يقدمان البيانات والخبراء والمنشآت، وبهذا تحصل ناسا على معلومات حول مجالات جديدة للبحث يمكن أن تساعد في مشاريع مثل تلسكوب تيس في المستقبل، كما يتسنى للشركات مثل جوجل فرصة لاستعراض تقنياتها في غرفة مليئة بالعلماء والمهندسين المتميزين، وهم زبائن محتملون قد يرغبون باستخدام هذه المنتجات في مشاريع بحثية لاحقة. حتى أن جوجل كلاود -التي موَّلت ثلاثة من التحديات- قد أوردت في عرضها أن منتجها يمثل خياراً أقل تكلفة وأسهل للوصول مقارنة بالحواسيب الخارقة الحالية التي يمكن أن تلعب دوراً مشابهاً، حيث قال ماسيمو ماسكارو (المدير التقني للذكاء الاصطناعي التطبيقي في جوجل، وأحد المشرفين على المشروع): “تمتلك ناسا حاسوبها الخارق الخاص بها “بلياديس”، ولكن حجز وقت لاستخدام هذا الحاسوب يعد أمراً صعباً للغاية”.

وبطبيعة الحال لا يستطيع خيار جوجل كلاود أن يعوِّض تماماً عن قوة حاسوب خارق حقيقي، ولكنه قادر على معالجة كميات هائلة من المعلومات بسرعة جيدة نسبياً، وهو أمر ضروري عندما يضطر الباحثون إلى التعامل مع آلاف العوالم المحتملة، بل ربما الملايين منها.

عوالم أخرى

لشركة جوجل بعض الخبرة بالكواكب الخارجية، فقد قامت في العام الماضي بتطوير تقنية للتعلم الآلي اكتشفت بها كوكبين خارجيين في البيانات التي جمعها التلسكوب الفضائي كيبلر، ولكن مع وصول كيبلر إلى نهاية عمله قريباً، يرغب الباحثون في إيجاد حل لمتابعة استخدام هذه الطريقة الناجحة مع الجيل الجديد من التلسكوبات المخصصة لصيد الكواكب الخارجية “تيس”.

وقد أُطلق على هذا التلسكوب اسم “تيس TESS” اختصاراً لعبارة (القمر الاصطناعي المخصص لمسح الكواكب الخارجية العابرة)، وبعد بضعة أشهر فقط من الرصد، تمكن العلماء المشرفون عليه من اكتشاف كوكبين خارجيين محتملين. غير أن الباحثين الذين كانوا يعملون في إف دي إل هذا الصيف لم يتمكنوا من الوصول إلى هذه البيانات، حيث إنها ليست موجودة فعلياً، بل استخدموا بيانات سابقة من كيبلر وبيانات افتراضية من تيس (قامت ناسا باستحداث هذه البيانات قبل إطلاق تيس لاختبار تقنيات اكتشاف الكواكب قبل البدء في تلقي النتائج الفعلية).

واستخدم الباحثون التعلم الآلي لتصميم خوارزمية قادرة على كشف الكواكب الخارجية في بيانات كيبلر بشكل أفضل بقليل من البرامج الموجودة حالياً (بدقة 96% مقابل 94%)، وبعد ذلك قاموا ببناء نماذج حاسوبية قادرة على كشف أية إشارات صغيرة للكواكب من بين جميع المعلومات الخلفية في بيانات تيس الافتراضية، ورغم أن هذه الطرائق ما تزال في مرحلة التطوير، إلا أن الباحثين يأملون في أنهم سيتمكنون من مساعدة العلماء المشرفين على تيس في تصنيف الكواكب بسرعة أكبر مع استمرار تدفق البيانات.

ويعتبر اكتشاف الكواكب مسألة مختلفة تماماً عن فهم طبيعتها بالفعل، وهنا يأتي دور تحديات البيولوجيا الفلكية، حيث تمكَّن أحد الفرق -التي تعمل على تصنيف الأغلفة الجوية للكواكب- من محاكاة مجموعة بيانات افتراضية لثلاثة ملايين كوكب خارجي، وجميعها كواكب صخرية مماثلة للأرض. وفي الواقع فإن البشر لم يكتشفوا حتى الآن سوى بضعة آلاف من الكواكب خارج نظامنا الشمسي، يُصنف الكثير منها ضمن فئة العمالقة الغازية، ولهذا فإن هذه المجموعة المؤلفة من ثلاثة ملايين كوكب والتي من الممكن استخدامها للتجارب -حتى لو كانت مجرد محاكاة حاسوبية- تعتبر أمراً هاماً للباحثين في مجال الكواكب الخارجية؛ وذلك حتى يتمكنوا من اختبار نظرياتهم على مجموعة البيانات الكبيرة أثناء انتظار وصول وتجميع بيانات تيس وغيره من التلسكوبات الفضائية المستقبلية.

ولن يكون الوصول إلى هذه الكواكب مقتصراً على الفلكيين المحترفين وحسب، حيث تقول مولي أوبراين (عالمة كواكب في جامعة بيتسبيرج، وأحد أعضاء الفريق): “ستكون مجموعة البيانات المؤلفة من ثلاثة ملايين كوكب متاحة للعامة”.

كما بحث الفريق أيضاً في الوسائل التي يمكن بها كشف التركيب المفصل لهذه الكواكب الصغيرة والصخرية، وهو ما قد يعطي فكرة لعلماء البيولوجيا الفلكية حول مدى صلاحية هذه الكواكب للسكن.

أما التحدي الثالث فهو أكثر عمقاً، حيث يقوم على محاولة الإجابة عن أحد أكبر الأسئلة حول استكشاف الفضاء، وهو: كيف يمكن كشف الحياة على الكواكب الأخرى؟ وبطبيعة الحال ليس أمام علماء البيولوجيا الفلكية سوى مثال واحد عن كوكب يحتوي على الحياة، وهو كوكبنا الذي نعيش عليه؛ ولهذا قاموا باستحداث 150,000 كوكب مع أغلفتها الجوية باستخدام برنامج حاسوبي مع جوجل كلاود، وبدؤوا يبحثون في العوامل التي يمكن للباحثين اللاحقين (أو برامجهم الحاسوبية) أن يستخدموها لتحديد الكوكب الذي يضج بالحياة.

وقد انتهت حالياً تلك الجولات البحثية التي دامت لثمانية أسابيع، تحمَّلت الفرق خلالها الكثير من النقاشات الليلية والحرمان من النوم، والآن ستخضع نتائجهم لجميع أنواع البحث والتدقيق والتحسين، ولن يتسنى للكثيرين فرصة مماثلة، حيث يجتمع علماء البيولوجيا الفلكية وعلماء الحاسوب معاً لمدة شهرين، يعملون خلالها على تدقيق التعليمات البرمجية والتساؤلات الكبيرة، ولكنهم يعرفون بالتأكيد ما قد ينتج عن تعاون كهذا.

ويرى ويل فوسيت (وهو أخصائي في فيزياء الجسيمات من جامعة كامبريدج) أن هذه المسألة هامة للغاية، حيث يقول: “يمكن أن نجري أبحاثاً عابرة للتخصصات بشكل فعلي، فهو إذن أمر متاح، ومفيد لجميع الأطراف المشاركة”.