أقاصي النظام الشمسي في انتظارنا، والوقت يداهمنا لفعل ذلك

يعتبر نبتون أحد الوجهات المرغوبة.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبعد العقد الجديد عنا سنة واحدة، وستأتي معه مجموعة كبيرة من أفكار البعثات الجديدة لناسا، بعضها إلى أماكن قريبة مثل المريخ، وبعضها الآخر بعيد، بعيد للغاية… إلى درجة أن البعض بدأ يأمل في إرسال رحلات روبوتية إلى عوالم لا تبعد ملايين الأميال فحسب، بل مليارات الأميال أيضاً. ومن هذه الوجهات البعيدة: أورانوس ونبتون؛ وهما كوكبان زرناهما في العامين 1986 و1989 على الترتيب، إضافة إلى منطقة تليهما بقليل وتعج بمئات الأجسام الجليدية، تسمى حزام كايبر.

هذا الحزام هو موطن بلوتو، والآلاف من العوالم الأخرى متنوعة الأحجام. وتتألف معظم الأجسام هناك من المواد الأساسية التي يتألف منها النظام الشمسي، والتي قُذف بها منذ زمن في غياهب هذه المنطقة المنسية. ويمكن لزيارة حزام كايبر أن تمنحنا بعض الأدلة حول كيفية تشكل كوكبنا والكواكب المجاورة، وسبب غزارة الماء لدينا هنا، وغيرها من الألغاز الأخرى.

ويعتبر أورانوس ونبتون لغزين مستقلين أيضاً، ومع زيادة معلوماتنا حول الأنظمة الكوكبية الأخرى، فقد لاحظنا أن أغلب العوالم فيها ليست بضخامة المشتري أو صغر الأرض، بل تميل إلى حجم قريب من حجم أورانوس ونبتون، اللذَين ينتميان إلى فئة العمالقة الجليدية، بسبب المياه المتجمدة الموجودة تحت أعماق طبقات السحب التي تغطيهما. ولن يساعدنا استكشاف أورانوس ونبتون على فهم كواكب النظام الشمسي فحسب، بل قد يساعدنا أيضاً على فهم الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى قريبة.

غير أن الكثير من هذه البعثات حسَّاسة بالنسبة للوقت؛ ففي الاستبيان العشري المُقبل لناسا -الذي سيحدد التوجهات حول إرسال المركبات الفضائية في العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن- قد تُحسم هذه المخططات البعيدة سلباً أو إيجاباً.

كيف يُجرى الاستبيان العشري؟

يبدأ الاستبيان في 2020، حيث ستجتمع مجموعة من الأكاديمية الوطنية للعلوم (التي تتضمن عدة جهات مهتمة بالفضاء) لوضع قائمة بأولويات أهداف الاستكشاف، وسيُدلي العلماء بدلوهم عن طريق كتابة توصيات معروفة باسم “الأوراق البيضاء”.

واعتماداً على هذه التوصيات، سيظهر إجماع عام على الأهداف ذات الأولوية الأعلى، وستلعب هذه الأهداف دور خطوط عريضة مقترحة لبعثات الجبهات الجديدة من الفئة المتوسطة (وقد كانت نيو هورايزونز وجونو قرب المشتري في هذه الفئة). وتدعو ناسا في البداية إلى تقديم اقتراحات للبعثات، ومن ثم تقوم بتصفيتها بشكل تكراري حتى تصل إلى اقتراح أو اثنين في النهاية، وما أن يحصل هذا الاقتراح على الضوء الأخضر، يمكن للفريق الذي قدَّمه أن يبدأ أخيراً بالتخطيط والبناء، وهي عملية قد تستغرق سنوات في أغلب الأحيان.

وبسبب هذا النظام، قد يكون من الصعب تجهيز البعثة في الوقت المطلوب للمهل المتاحة فعلياً لاستكشاف أورانوس أو نبتون والوصول أيضاً إلى أحد أجسام حزام كايبر. ونشرح فيما يلي سبب حساسية هذا التوقيت.

قد يكون أورانوس محطة أخرى.
مصدر الصورة: ناسا

زيارة إلى العملاق الجليدي

كانت إحدى المجموعات على وجه الخصوص تحاول إطلاق بعثة مزدوجة إلى أورانوس ونبتون، ويتضمن أحدث مخطط للبعثة مروراً عابراً قرب أورانوس، ووضع مسبار مداري قرب نبتون. يقود هذه المجموعة كل من مارك هوفستادر وأيمي سايمون، وتهدف إلى دراسة جانب من أورانوس يختلف عن الجانب الذي رأته مركبة فوياجر 2 في 1986، ودراسة نبتون وقمره الأكبر ترايتون، حيث يدور ترايتون بالعكس، وقد يعود هذا إلى أنه كان فيما مضى أضخم جسم في حزام كايبر، وذلك قبل أن يقع في قبضة نبتون، ليحل محل الكثير من الأقمار الأصلية للكوكب.

تقول سايمون إن البعثات يجب أن تجري ضمن فترة 15 عاماً، بما فيها وقت السفر والاستكشاف، ويعود هذا إلى الفترة التي يمكن أن تصمد فيها القطع والتجهيزات في الفضاء بشكل شبه مضمون. وعلى الرغم من أن المركبات الفضائية قد تتجاوز فترة حياتها المفترضة -وهو ما حدث مرات عديدة- فإن 15 عاماً هو الحد الأدنى الكافي لتحقيق الأهداف العلمية للبعثة باستطاعة كاملة تقريباً. ولكن كيف تحرص على ألا تضيع الكثير من الوقت في الرحلة على حساب مرحلة الاستكشاف الفعلي؟ يمكنك مثلاً أن تزيد من سرعة المركبة الفضائية باستخدام قوة الثقالة لأحد الكواكب حتى تعطيها دفعة إضافية.

تقول سايمون: “عادة ما نحتاج إلى المرور قرب الكواكب للوصول إلى هناك في أقل من 12 شهراً، ويتضمن ذلك في أغلب الأحيان المرور قرب الأرض والزهرة. وتتضمن أفضل الحالات المرور قرب المشتري أيضاً، حيث إنه الأضخم كتلة، ويمكن أن يزيد من سرعة المركبة إلى حد كبير”. وفي هذه السيناريوهات، تدخل المركبة ضمن ما يسمى البئر الثقالي للكوكب، على أمل الحصول على تأثير يزيد من سرعة المركبة مع استخدام الحد الأدنى من الوقود.

وعلى سبيل المثال، اعتمدت نيو هورايزونز على مساعدة المشتري للوصول إلى بلوتو، أما كاسيني فقد استخدمت أربع عمليات عبور منفصلة للتسارع نحو زحل بعد الانطلاق من الأرض؛ حيث حصلت على دفعة مزدوجة من الزهرة، وعبرت قرب الأرض ثانية للحصول على المزيد من السرعة، قبل مساعدة نهائية من المشتري.

وتقول سايمون إن الوصول إلى أورانوس بسرعة كافية تتيح وقتاً كافياً للعمل يستوجب الاستعانة بعملية مرور قرب زحل، وهو ما يجب أن يحدث بين العامين 2024 و2028 بحيث يكون العملاق الغازي في المكان الصحيح ضمن دورته حول الشمس التي تدوم 29 سنة. وسيحتاج تحقيق هذا الأمر إلى سرعة كبيرة في العمل وفقاً لمعايير ناسا؛ حيث إن البعثات تمر عادة بمرحلة تخطيط تستمر لعقد كامل تقريباً قبل إطلاقها، على الرغم من أن بعضها (مثل نيو هورايزونز) انتقلت من التخطيط إلى البناء والإطلاق خلال خمس سنوات، ولهذا من المرجح أننا سنخطط لاستغلال المهلة المقبلة، التي تتضمن المرور قرب المشتري ما بين 2029 و2032، والتي يمكن أن تقدم ظروفاً ممتازة للحصول على دفعة قوية للبعثة نحو نبتون، ولن تحل الفرصة المقبلة قبل عقد كامل على الأقل.

ويمكن لبعثة إلى أورانوس أن تعتمد على الوقود والمركبات التقليدية للوصول إلى مواضع الاستعانة بالكواكب بشكل سريع، إما باستخدام صاروخ أطلس 5 أو صاروخ دلتا 4 هيفي، وفقاً لسايمون. ولكن نظراً للبعد الكبير لنبتون، وعدم مثالية تراصف المسار، فقد تميل البعثة نحو استخدام نظام الإطلاق الفضائي، وهو الجيل الجديد من الصواريخ الثقيلة لناسا (الذي لم يصل حتى الآن إلى مرحلة الطيران). وإذا لم يكن جاهزاً في الوقت المناسب، فقد نضطر للاعتماد على تقنية مختلفة من الجيل الجديد، وهو: الدفع الكهربائي الشمسي، الذي يستخدم الطاقة الشمسية لإشعال الغاز المؤين لدفع المركبة.

وهذه التقنية لم تُستخدم حتى الآن إلا في المركبة الفضائية داون قرب فيستا وسيريس، ولبعثتين صغيرتين نحو الكويكبات. تقول سايمون: “حتى في حالات استخدام الكهرباء الشمسية، فأنت في حاجة إلى المحركات الكيميائية، من أجل استخدامها عندما تصبح الطاقة الشمسية غير كافية، ولاستخدامها للكبح والتمركز في المدار”.

إذن، يبدو أن الوقت ضيق بعض الشيء، ولكن إذا قمنا بتنفيذ البعثتين بسرعة كافية، فيمكن لكلتيهما أن تخدما غرضاً آخر، وهو: الوصول إلى عوالم حزام كايبر.

المجهول الكبير

قدم ثلاثة أعضاء من فريق نيو هواريزونز بحثاً آخر يدرس احتمالات العودة إلى حزام كايبر بعد رحلتهم الناجحة إلى بلوتو، وتقول تيفاني فينلي (مهندسة رئيسية في معهد ساوث ويست للأبحاث، ومؤلفة مشاركة في البحث الذي سيُنشر في مجلة Journal of Spacecraft and Rockets): “لقد رأينا كم أن هذا المكان مثير للاهتمام، ورغبنا في معرفة المزيد عنه”.

يحتوي حزام كايبر على البقايا الجليدية من زمن تشكل النظام الشمسي، وتتألف الأجسام فيه من مجموعة مذهلة التنوع من المواد. وعلى سبيل المثال، فإن بلوتو أضخم من إيريس (المعروف بأنه تسبب في إزالة صفة الكوكب عن بلوتو) بقليل، ولكن بلوتو يتألف بنسبة كبيرة من الجليد، ولهذا فإن كتلته أقل بكثير، أما إيريس فيحتوي على نسبة أكبر من الصخور، مما يجعله أكثر كثافة. ويكثر الميثان في بعض تلك العوالم، في حين أن بعضها الآخر يزخر بالأمونيا. إن الأمر أشبه بمعرض لبيع الكواكب القزمة، مليء بقطع مختلفة من التاريخ المبكر الضروري لفهم كيفية ظهور كواكبنا في الوجود، ونواحي الشبه والاختلاف مع الأنظمة الكوكبية الأخرى.

وقد اعتمد الفريق مجموعة من القيود الصارمة، حيث أعطوا البعثة عمراً اسمياً يبلغ 25 سنة، وقاموا بدراسة 45 جسماً من أكثر الأجسام سطوعاً في حزام كايبر، وقارنوها مع مجموعة من سيناريوهات العبور قرب الكواكب. ولم يكن من المفاجئ أن المشتري كان مناسباً لمعظم الأهداف على القائمة، ولكن المهلة المناسبة للمشتري تحل مرة كل 12 سنة، مما يجعل من المهمة حساسة من الوقت على أي حال. وقد أمكن تحقيق مجموعة جيدة من الأهداف باستخدام عبور بسيط قرب زحل.

ولكن عند جمع هذه العوالم مع أورانوس أو نبتون، فسوف نحصل على فرصة لاكتشاف أشياء جديدة حول كواكبنا البعيدة الغامضة، وبعض الكواكب القزمة المثالية البعيدة، في نفس الوقت.

يعتبر هاوميا من أكثر الأهداف شعبية الآن.
مصدر الصورة: ناسا

يتطلب الوصول إلى هذه الكواكب مساعدة ثقالية لزيادة السرعة، أولاً من المشتري وبعد ذلك من كوكب آخر. وتتراصف كل من هذه الكواكب مع المشتري في مهلة قصيرة في الثلاثينيات، وهذه التراصفات متوزِّعة على مدى العقد بشكل مرتب، فللذهاب مثلاً إلى قائمة العوالم في مسار نبتون، يجب أن تصل إلى المشتري في بداية الثلاثينيات، في حين أن الوصول إلى حزام كايبر عبر أورانوس يتطلب الوصول إليه في منتصف الثلاثينيات، ويتراصف المشتري مع زحل بشكل جيد للحصول على تسارع ممتاز نحو حزام كايبر في أواخر الثلاثينيات.

وتمثل قائمة الأهداف فرصاً مغرية، وعلى سبيل المثال فإن فارونا -وهو عالم مستطيل الشكل بسبب الدوران السريع- يعتبر وجهة مثالية لرحلة تتضمن مروراً قرب المشتري وأورانوس، وقد ذكرنا سابقاً أن نبتون يجلبنا إلى إيريس. أما بعثة المشتري – زحل فقد تجعلنا نزور سيدنا؛ وهو كوكب قزم بعيد بمدار قد يشير نحو كوكب عاشر مجهول. كما يمكن في هذه البعثة أن نتوقف قليلاً عند أحد الكواكب القزمة المثيرة للاهتمام، وهو: هاوميا.

وكما في حالة فارونا، فإن هاوميا أقرب إلى الشكل البيضوي من معظم الكواكب القزمة في حزام كايبر، التي تميل أكثر إلى الشكل الكروي. ولكن هاوميا أصبح كذلك على الأرجح بسبب اصطدام قديم منحه قمرين، ونظام حلقات، وأثراً من الحطام يلاحقه في حركته. وعندما تكون مجموعة من الكويكبات متماثلة التركيب، فهي تسمى “عائلة الاصطدام”، وقد أنتج هاوميا عائلة الاصطدام الوحيدة المعروفة في حزام كايبر. تقول أماندا زانجاري (باحثة في معهد ساوث ويست للأبحاث ومؤلفة مشاركة في البحث): “إن هاوميا أروع هذه العوالم من دون أدنى شك، والجميع يرغب في الذهاب إلى هناك”.

وأياً ما كانت وجهتنا، فإن الوقت هو المُعامل الأهم، ولهذا إذا رغبنا في رؤية حلقات هاوميا أو المسحة الحمراء الغريبة لسِيدنا، يجب أن يبدأ العمل قريباً. إن هذه العوالم وهذه العناصر الأساسية -التي ساهمت في تشكيل نظامنا الشمسي- صغيرة جداً، ولا توجد سوى وسيلة واحدة حتى ندرسها بالعمق اللازم: علينا أن نذهب إليها فعلياً.