أقدم الأحافير التي تعود للإنسان العاقل تظهر أنه عاش قبل 300 ألف عام

أقدم وأكثر حكمة جان جاك هوبلين، معهد ماكس بلانك لعلم الإنسان التطوري، لايبزيغ 4 من 5
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعود هذه الأحافير التي تعود إلى 40 ألف سنة إلى دائرة الضوء من ،بعد أن أخطأت من قبل في تقدير عمر الإنسان البدائي. وبحسب بحث جديد نشر في مجلة الطبيعة، فإن عظاماً اكتشفت في المغرب تنتمي فعلياً إلى الإنسان العاقل. وهي تعود لأكثر من 40 ألف سنة بكثير. وتمثل بقايا الجمجمة المكتشفة التي تعود إلى 315 ألف سنة أقدم مثال معروف للإنسان العاقل. أي أقدم بأكثر من 100 ألف سنة من النوع السابق الذي كان يحمل الرقم القياسي كأقدم إنسان عاقل.

ويعتبر فرق 100 ألف سنة مدة طويلة جداً بالنسبة لتاريخ أصل الأنواع. ولكن هذه النتائج تثبت الشكوك التي أثارها العديد من علماء الأنثروبولوجيا في وقت ما.

وظل معظم العلماء يعتقدون لفترة طويلة أن الإنسان العاقل كان قد تطور قبل حوالي 200 ألف سنة، حيث هاجر من شرق إفريقيا لينتشر في مختلف أنحاء العالم خلال 150 ألف سنة.

ولكن الدليل الوراثي الأخير أشار إلى أن خروج الإنسان مما يسمى “مهد البشرية” لم يحدث بشكل جماعي تماماً، وأن الإنسان العاقل يعود إلى زمن أقدم بكثير مما كان يفترض سابقاً.

لو صح أن هذه الأحافير-التي اكتُشفت في الموقع المعروف باسم جبل إيغود قبل عدة عقود، والتي شملتها هذه الدراسة- تعود فعلاً إلى 40 ألف سنة، فإنها ستمثل جماعة بشرية تابعت مسيرة الحياة على الأرض، بينما كان الفناء مصير المجموعات الأخرى. ولكن طبيعتها القديمة (التي تم تأكيدها باستخدام وسائل عدة، كتأريخ الأدوات الحجرية التي وجدت بجوارها، والتي تمت الإشارة إليها في دراسة أخرى نشرت في مجلة الطبيعة) توحي بدلاً من ذلك بأن الإنسان الأول انتشر في جميع أنحاء إفريقيا قبل أن يظهر الإنسان الحديث خارج هذه القارة.

وهذا يتطابق مع الأدلة الوراثية الأخيرة التي تشير إلى أن المجموعات البشرية انقسمت إلى ذريات مختلفة، قبل أن ينجح أسلافنا المشتركون في الخروج من القارة. وهذا يعني ضمناً أن الهجرة تساعد أيضاً في تفسير وجود أدوات تعود إلى 300 ألف سنة، كرؤوس الرماح الموجودة في مختلف أنحاء إفريقيا. وهي تمثل تحولاً من مرحلة الفؤوس الكبيرة التي صنعها الأقارب الأولون للإنسان. ولم يكن العلماء متأكدين ما الذي أدى إلى هذا التحول في التكنولوجيا، ولكن إذا كان أسلافنا قد انتشروا في إفريقيا قبل 300 ألف سنة، فإن وجود الأدوات المتطورة نسبياً يجعل الأمر منطقياً أكثر.

يقول شانون ماكفيرون المشارك في الدراسة والذي يعمل مع معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية في لايبزغ بألمانيا: “لقد وجدنا تحولاً كبيراً في السلوك، ولكن لم يكن هناك أي تحول بيولوجي يمكن التعامل معه. وجاء اكتشاف جبل إيغود ليملأ هذه الثغرة بشكل مناسب”.

ولكن كيف نعرف أن الأفراد الخمسة الذين وجدناهم في جبل إيغود ينتمون بالفعل إلى الإنسان العاقل؟ فهم بالمقارنة فيما بينهم متشابهون تماماً. يقول هوبلين في حديث لمجلة ناشيونال جيوغرافيك: “الوجه هو وجه شخص قد تصادفه في المترو، والأسنان كبيرة قليلاً، ولكنها تبدو أقرب إلى أسناننا من الأسنان التي نشاهدها عند العينات الأخرى التي تعود للإنسان العاقل”. لكن على فرض أنك ستلتقي بشخص يشبه الأفراد المكتشفين في جبل إيغود، فمن المحتمل أنه لن يكون لديك الكثير لتتحدث به معه. فبينما تبدو وجوههم مشابهة لوجوهنا نسبياً، فإن لهم قحفاً أكثر بدائية، ما يشير إلى أن البشر الحاليين بدؤوا يأخذون الشكل الذي هم عليه الآن قبل أن يبدؤوا بالتفكير بالطريقة التي يفكرون بها الآن.

يقول كريس ستينجر عالم الأنثربولوجيا في متحف لندن للتاريخ الطبيعي – والذي لم يشارك في أيّ من الدراسات الجديدة – في حديث للإذاعة الوطنية العامة: “بوجود التطور، فإن الإنسان الأول سيظهر بشكل أقل شبهاً بالإنسان الحديث”. وبالرغم من أن عينات جبل إيغود تظهر الجمجمة ممتدة، فإنها تملك ما يكفي من الخصائص المشتركة مع الإنسان الحالي لتقنعنا بأنها تمثل نسخة أقدم من إنسان اليوم. ويضيف ستينجر: “تملك العينات وجوهاً تبدو كنسخة أكبر من وجوهنا”. ومع ذلك، فقد أعرب العديد من الخبراء عن شكوكهم حول هذا التصنيف، مشيرين إلى أن الجماجم، وبرغم اقتناعهم بأنها تعود إلى 300 ألف سنة، فإنها لا تقدم إشارات تقليدية لصلتها بالإنسان الحديث بحيث يمكن نفي بشكل قاطع كونها تنتمي إلى أنواع أخرى. وربما تعود هذه البقايا إلى بشر شديدي القرابة بأسلاف الإنسان العاقل الأول، أكثر من كونها هي نفسها أسلافاً لنا.

هل كانت المجموعة التي عاشت حول جبل إيغود قبل 300 ألف سنة تنتمي إلى نوع سيكتب له البقاء، لتنقل مادتها الوارثها جيلاً بعد جيل، وصولاً إلى ولادة أقرب أسلافنا؟ أم أن الفناء أصاب ذريتها كحال الكثير من أقارب الإنسان الحديث؟

لم يتمكن الباحثون من استخلاص الحمض النووي من العظام، فالمادة الوراثية تفسد مع مرور الزمن، وهي تفسد بسرعة أكبر بكثير في المناطق الحارة والجافة كشمال إفريقيا. ولذلك ربما لا نصل إلى جواب حاسم.

ولكن مع استمرار العلماء في متابعة السجل الأحفوري لملء الثغرات المتعلقة بالتاريخ المبكر للبشرية، فإن البقايا الأخرى التي لم تكتشف بعد قد تظهر المزيد من الحقائق التي تجعل اكتشاف جبل إيغود أكثر وضوحاً.