أنظار العلماء تتجه صوب أكبر مستكشف للمادة المظلمة

هل ستبوح المادة المظلمة بأسرارها؟
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في منتصف شهر أبريل 1930، تمكن كلايد تمبو ذو الـ 23 ربيعاً من اكتشاف الكوكب إكس آخر كواكب المجموعة الشمسية والذي أُطلق عليه اسم بلوتو (لا زال العلماء غير متفقين حول كون بلوتو كوكب أو كويكب)، لتتوالى الاكتشافات بالتوازي مع التطور التكنولوجي الذي أضاف لعيوننا الفضائية التي تسمى تلسكوبات قدرة هائلة على سبر أغوار الفضاء. لكن السر الأعظم الذي لم يجد من يفك طلاسمه، لا يحتاج لتلسكوبات متطورة لأنه شديد القرب، بل يحيط بنا في كل مكان، إنها المادة المظلمة والتي تشكل أكثر من 90% من كوننا البالغ قطره حوالي 15 مليار سنة ضوئية.

السيرة الذاتية للمادة المظلمة

خلال القرن الثامن عشر لاحظ العالم البريطاني الشهير اللورد كالفن وجود فجوة كبيرة بين القياسات والأرصاد التي قام بإجرائها على سرعة تحرك نجوم مجرة درب التبانة وعلى كمية المادة الموجودة ضمن هذه المجرة. ترتبط سرعة الأجسام، بحسب نيوتن، بالقوة المطبقة، والتي هي قوة الجاذبية، لكن ما لاحظه كالفن هو أن هذه السرعة هي أكبر من تلك التي يجب أن تتولد بفعل جاذبية الأجرام التي تضمها درب التبانة. وقد وضع فرضية مفادها أن هناك “أجسام معتمة” ضمن النجوم، لا ترى لكن تأثيرها واضح.

سنة 1922 أطلق الفلكي الهولندي جاكوب كابتين اسم “المادة المظلمة” على المادة التي افترض أنها تملأ الكون وتعمل على خلق التأثير الثقالي الذي يتم رصده، والذي هو أكبر من تأثير الأجرام الظاهرة التي نعرفها.

واليوم من المعلوم لدى العلماء أن مزيج الطاقة-الكتلة الذي يملأ الكون يتألف من المكونات التالية: 4.9% المادة المرئية التي نعرفها، 26.8% مادة مظلمة و68.3% طاقة مظلمة. وقد أثبت أينشتاين أن الطاقة والمادة مرتبطتان بحسب المعادلة E=MC2 (الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء).

طوال القرن الماضي، ظلت المادة المظلمة لغزاً حير العلماء، وكانت آخر فرضية طرحت بهذا الخصوص هي التي تقول أن هذه المادة تتألف من جسيمات متناهية الصغر تسمى جسيمات تفاعل الكتلة الضعيف WIMPs، لكن برزت مشكلة أخرى تتعلق بكيفية التقاط هذه الجسيمات – إن وجدت – ودراستها، فلم يكن هناك حساس معزول بدرجة كافية لكي يتمكن من القبض على هذه العناصر الدقيقة بعيداً عن الأشعة الكونية أو أي مشوشات أخرى تعيق عمله.

زينون ون تي

على عمق حوالي 1400م تحت صخور جبل جران ساسو وسط إيطاليا، يقبع أحد المختبرات التي تسعى لالتقاط أحد الجسيمات التي ستحل اللغز المستغلق منذ أكثر من قرن. التجربة التي تعرف بتجربة زينون ون تي، تتألف من أسطوانة مملوءة بـ 3500 طن من سائل الزينون الذي تم تبريده لدرجة -95 درجة مئوية، وقد وضعت الأسطوانة داخل خزان مياه يحتوي على ماء شديد النقاوة من أجل تحقيق العزل الأمثل. عند حصول أي تصادم لجزيء WIMPs مع السائل يتولد بروتون يقوم بدوره بتشغيل أحد حساسات الضوء الـ 248 الموجودة داخل الأسطوانة والتي ستصدر ضوءاً ينبه القائمين على التجربة. وقد أعطت التجربة أولى نتائجها أواخر الشهر الماضي.

لم تكن النتائج التي أصدرها فريق البحث المشارك بالتجربة مبشرة لداعمي نظرية جزيئات WIMPs، فالأسطوانة لم تسجل التقاط أي جزيء بعد حوالي شهر من تشغيلها، لكن الخبراء لم يفقدوا الأمل حيث أنهم يعلمون أن مدة شهر غير كافية لالتقاط أحد الجسيمات، ويعتبرون أنه بغض النظر عن عدم إضاءة الحساس فإن البيانات التراكمية التي يحصل عليها العلماء من هذه التجربة بمثابة كنز حقيقي وسيكون له أثره على الأبحاث اللاحقة.

يذكر أن فريق المشاركين بالتجربة يضم علماء من عدة دول نذكر منها: الولايات المتحدة الأميركية، ألمانيا، إيطاليا، سويسرا، فرنسا وهولندا مع تواجد العنصر العربي ممثلاُ بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يشارك باحثون من جامعة نيويورك أبوظبي بهذا العمل الضخم الذي يترقبه الملايين حول العالم.