أيهما أفضل.. خبز القمح الكامل أم الخبز الأبيض؟ أمعاؤك تجيب

يعتمد ارتفاع مستوى سكر الدم بعد تناول خبز القمحة الكاملة أو الخبز الأبيض على تركيبة البكتيريا في الأمعاء.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل تعتقد بأن خبز القمح الكامل أفضل لك من الخبز الأبيض (المُحسّن)؟ ربما يكون كذلك، وربما لا يكون. فبحسب دراسة نُشرت يوم الثلاثاء الماضي في مجلة الاستقلاب الخلوي، تعتمد الإجابة على التركيبة البكتيرية في أمعاء الشخص.

يقول المُعد الرئيسي للدراسة إيران إيلناف، الباحث في علوم المناعة بمعهد وايزمان للعلوم: “من الأسباب التي دفعتنا إلى التركيز على الخبز هو أنه أحد المواد الغذائية الرئيسية في جميع بلدان العالم. كما أنه يشكل المصدر لحوالي 10-40% من إجمالي السعرات الحرارية التي يتناولها الفرد يومياً”.
ويُضيف إيلناف: “نظراً لأهمية الخبز في حياة الشعوب، فقد نُسجت حوله الكثير من الخرافات والأساطير، وانتشرت العديد من المفاهيم المغلوطة حول ماهية الخبز الجيد والخبز الرديء، دون أن تستند تلك الادعاءات – في معظم الأحيان – لأي دليل علمي حقيقي”.

اشترك في الدراسة 20 متطوعاً، تناولوا 6 وجبات من الخبز يومياً على مدى أسبوعين. في الأسبوع الأول، حصل نصف المشاركين على ثلاث وجبات من الخبز الأبيض، وثلاث وجبات من الخبز الأبيض مع الزبدة. في حين النصف الآخر من المشاركين على ثلاث وجبات من خبز القمح الكامل، وثلاث وجبات من خبز القمح الكامل مع الزبدة. تَبِع ذلك فترة أسبوعين دون برنامج غذائي مخصص، كان الهدف منها إعادة ضبط الأمعاء. تلى هذه الاستراحة فترة أسبوع تبادل فيها المشاركون مواقعهم التي كانوا عليها في الأسبوع الأول، بحيث جرى تقديم الخبز الأبيض لمن تناول خبز القمح الكامل، وتقديم خبز القمح الكامل لمن تناول الخبز الأبيض، مع الحفاظ على نفس عدد وكمية الوجبات. كما قام الباحثون بقياس الاستجابة السكرية لدى المشاركين في أثناء أسبوعي تناول الخبز.

والاستجابة السكرية هي القياس الذي يعبر عن التبدل في مستوى سكر الدم بعد تناول وجبة طعام. وعلى الرغم من أن تناول أي طعام سوف يُسبب بعض الارتفاع في مستوى سكر الدم، إلا أن بعض الأطعمة تسبب ارتفاعاً حاداً فيه، وبعضها الآخر يُسبب ارتفاعاً متوسطاً. وبشكل عام، تُعد الاستجابة السكرية المرتفعة أمراً سيئاً، لأنها ترتبط بتطور المقاومة تجاه الإنسولين، أحد المؤشرات الباكرة للإصابة بداء السكري. وفضلاً عن كون السكري مشكلة بحد ذاته، إلا أنه يرتبط أيضاً بزيادة خطر أمراض القلب والسكتة الدماغية.

بشكل عام، فإن الأطعمة المعالجة والمحسنة بشكل كبير، مثل الخبز الأبيض، تُسبب استجابة سكرية أعلى من الأطعمة الأقل معالجة، مثل خبز القمحة الكاملة. ولكن، عندما قام فريق البحث بمعاينة نتائج الدراسة بشكل إجمالي، لم يجدوا فارقاً في متوسط الاستجابة السكرية لدى مستهلكي نوعي الخبز. أما عند معاينة البيانات بشكل إفرادي، فقد تكشفت بعض التفاصيل المثيرة للاهتمام. فقد أظهرت بيانات الدراسة استجابات سكرية مختلفة باختلاف نوع الخبز لدى المشاركين المختلفين، إلا أن تلك القيم كانت تُفني بعضها بحيث لم يظهر فارق نوعي بين استهلاك كلا نوعي الخبز عند حساب القيمة المتوسطة للاستجابة السكرية.

يقول إيليناف: “وجدنا بأن نصف المشاركين في الدراسة الذين استهلكوا الخبز الأبيض التقليدي كانت استجابتهم السكرية تجاهه أفضل بالمقارنة مع استهلاكهم لخبز القمح الكامل. في حين كانت النتائج معاكسة تماماً بالنسبة للنصف الآخر من المشاركين”.
بعبارة أخرى، فيما يخص سكر الدم، لا يوجد خبز جيد وخبز رديء، وإنما هناك خبز جيد لشخص ما، وسيء لشخص آخر. أي أن طبيعة الشخص هي من تحدد نوع الخبز الأفضل له.

أصبحت الوصفة الواحدة لجميع الاحتياجات الغذائية ضرباً من ضروب الماضي.
مصدر الصورة: بيكسلز

ولعل النتيجة الأكثر إثارة للاهتمام هي تمكّن إيلناف وزملاؤه من توقع نوع الخبز الأفضل لكل مشارك، والذي لن يُثير استجابة سكرية مرتفعة لديه، بناءً على دراسة عينات من البكتيريا المعوية لديه.

تمارس أجسادنا دور المُضيف لعدد كبير ومتنوع من البكتيريا والفطور والفيروسات التي تساهم في تحديد طبيعتنا الفيزيولوجية والحيوية. وعلى الرغم من التصور السائد بين العامة بأن البكتيريا مضرة، إلا أن البكتيريا المقصودة هنا ليست كذلك، بل هي ضرورية جداً لتعزيز صحتنا وسلامة وظائف أجسامنا. وقد خلُصت بعض الدراسات إلى أن البكتيريا الموجودة على امتداد السبيل الهضمي (بما في ذلك المعدة والأمعاء) تمارس دوراً حيوياً في الهضم، والبدانة، وربما تعزيز مزاج الشخص أيضاً.

وكان إيلناف وفريق بحثه قد تمكنوا مسبقاً من ابتكار خوارزمية يمكن من خلالها توقع الاستجابة السكرية لدى شخص، وذلك بالاعتماد على نمط حياته، وتاريخه الطبي، وتركيب البكتيريا المعوية لديه. وعندما قام الباحثون في هذه الدراسة بأخذ عينات من البكتيريا المعوية للمشاركين ودراستها وتطبيق الخوارزمية عليها، تبين لهم صحة الخوارزمية. حيث تمكنوا من توقع الأشخاص الذين ستتحسن حالتهم مع تناول الخبز الأبيض والأشخاص الذين ستتحسن حالتهم مع تناول خبز القمحة الكاملة.

من الجدير ذكره بأن هناك بعض جوانب القصور في الدراسة. فقد كان حجم عينة الدراسة صغيراً. وعلى الرغم من أن الدراسة تجريبية وليست وصفية (لا تعتمد على المراقبة وحسب) إلا أن تصميم الدراسة لم يخدمها كثيراً، فقد ركز إيلناف على الاستجابة السكرية فقط، ولم يتناول باقي الاحتياجات الغذائية. كما إن العديد من المشاركين في الدراسة كانوا يشكون من الإصابة بالسكري أو مقدماته، وبالتالي كان من المهم التركيز أيضاً على المخاطر الصحية المترافقة مع تبدل مستوى سكر الدم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الدراسة لم تشرح الفوارق الموجودة بين الزمر البكتيرية عند المشاركين، وكيف يمكن أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على هضم الخبز، أو الآليات التي يمكن أن تؤثر من خلالها. وكل ما في الأمر أن الدراسة خلُصت إلى وجود بعض الفوارق في الزمر البكتيرية في الأجسام التي تُفضل الخبز الأبيض والأجسام التي تُفضل خبز القمحة الكاملة.

والآن، وكما هو شأن معظم الدراسات الغذائية، ينبغي ألا تؤثر نتائج هذه الدراسة مباشرةً على العادات الغذائية للمستهلكين، أو أن تُشجعهم على الإقبال على أنواع الخبز الأبيض المحسن والعدول عن منتجات الحبوب الكاملة. إن ما تقترحه هذه الدراسة هو أنك إذا كنت مُصاباً بالسكري أو بمقدمات السكري، ولاحظت بأن طعاماً معيناً يُسبب ارتفاع مستوى السكر لديك بشكل حاد، فمن الأفضل أن تتجنبه وتبحث عن طعام آخر، حتى وإن كان ذلك الطعام مُصنفاً تحت قائمة الأغذية الصحية والغنية بالعناصر المفيدة.

وبحسب الباحثين، فمن شأن إجراء المزيد من الدراسات المماثلة تعزيز فهمنا للزمر البكتيرية، وقد تؤدي مستقبلاً إلى تعديل الطريقة التي ندرس بها التغذية. وحالما تتوفر المعلومات الكافية فقد تؤدي إلى تعديل التعليمات الإرشادية في مجال التغذية أيضاً. ولكننا لا نزال بعيدين عن تلك المراحل.

ومن الأمور التي يعكف فريق إيلناف على القيام بها دراسة الأشخاص المُصابين بمقدمات السكري دون أن ترقى حالتهم لتأخذ شكل الإصابة الكاملة بالمرض، ومحاولة تعديل نظامهم الغذائي بهدف وقايتهم من الإصابة بالمرض. إلا أن أبحاثهم لا تزال جارية ولم تصل بعد إلى نهايتها.

يقول إيلناف: “أعتقد بأن هذه الطريقة الجديدة، أو لنقل النموذج الجديد في التفكير بمسائل التغذية، قد يقلب عالم التغذية رأساً على عقب، ويطرح أسئلة كبيرة وذات أهمية بالغة”.