إيقاف إزالة الغابات ربما يكون أسهل مما نظن

غابات في منطقة الدراسة.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

توفر الغابات المورقة في أوغندا موئلاً لآلاف الأنواع من النباتات والحيوانات، بما في ذلك أنواع الشمبانزي المهددة بالانقراض. ولكنها قد تكون أيضاً ملكية خاصة لملاك الأراضي الذين يضطرون أحياناً إلى قطع بعض الأشجار لتغطية نفقاتهم.

وفي إطار المعركة الجارية على نطاق واسع ضد إزالة الغابات، أرادت الحكومة الأوغندية معرفة ما إذا كانت هناك طريقة لإنقاذ الغابات المطيرة دون إلحاق ضائقة مالية بملاك الأراضي. إن دفع الأموال للناس مقابل عدم قطعهم للأشجار هو جزء من فكرة تسمى “الدفع مقابل خدمات النظام البيئي” وقد تم اتباعها في عدة أماكن بما فيها كوستاريكا والمكسيك، كوسيلة لحماية المناطق الحراجية.

ويبدو الدفع مقابل خدمات النظام البيئي فكرة رائعة، ولكن حتى وقت قريب، لم يتم التأكد من مدى نجاحها. وقد يكون الأشخاص الذين التحقوا طواعية بالخطة قد خططوا بالفعل للحفاظ على الأشجار، دون أن يحدثوا فرقاً في العدد الإجمالي للأشجار التي تم إنقاذها. أو ربما وجد الأشخاص الذين سجلوا في الخطة ثغرات سمحت لهم بتقليص الغابات في الأراضي المجاورة، ما يزيد الأمور سوءاً، ويهدر المال في نفس الوقت.

وتشير دراسة جديدة نشرت في يوليو 2017 في مجلة العلوم، أن برنامج الدفع مقابل خدمات النظام البيئي في أوغندا كان خطة مثمرة.

وقد قامت سيما جاياشاندران، خبيرة اقتصاد التنمية من جامعة نورث ويسترن، بإعداد تجربة امتدت لعامين، تشمل 120 قرية في أوغندا. وكان ملاك الأراضي في نصف هذه القرى يحصلون على المال مقابل الحفاظ على الغابات ضمن نظاق ملكيتهم، بخلاف النصف الآخر من القرى التي مثلت عينات معيارية للمقارنة.

تقول جاياشاندران: “تم إطلاق التجارب العشوائية في الكثير من المناطق فيما يتعلق بالسياسة الاجتماعية، بينما لم تطلق تجارب مماثلة تتعلق بالحفاظ على البيئة. ونحن نحاول إطلاق أساليب تقييم أقوى تخص سياسة الحفاظ على البيئة. والتحدي في قياس تأثير هذه السياسة هو في أنك تحتاج إلى أن تعرف ما الذي سيحدث في غياب هذا البرنامج”.

وفي نهاية العامين، قام المزارعون في مجموعة القرى المعيارية بإزالة الغابات من 9٪ من أراضيهم. أما في المجموعة التجريبية التي تلقت حوالي 28 دولاراً سنوياً للهكتار الواحد (2.5 فدان) من الأراضي الحرجية التي حافظت عليها، كان معدل إزالة الغابات 4 في المائة فقط. وتتبع الباحثون فقدان الغابات والحفاظ عليها من خلال الرصد على الأرض والصور عالية الدقة من الأقمار الصناعية التجارية، مما سمح لهم بتتبع كل شجرة في المنطقة.

تقول جاياشاندران: “هناك الكثير من الناس يدركون أن الحفاظ على الغابة سيكون أمراً حسناً، ولكنهم يحاولون تغطية نفقاتهم. لقد جعلني هذا المشروع  أدرك كم أن الحفاظ على البيئة نوع من الترف. أنا مرتاحة مادياً بما فيه الكفاية بحيث يمكنني اتخاذ القرارات التي تجعلني أنفق من مالي لحماية البيئة”.

كوخ في منطقة الدراسة
حقوق الصورة: ميجان كيرنز

ولكن إذا كنتَ مزارعاً أوغندياً فقيراً تكافح من أجل حياة مريحة لعائلتك، فإن هذا القرار سيصبح أصعب بكثير. وتشير جاياشاندران إلى أن العديد من الناس في المنطقة يدركون أن الحفاظ على البيئة أمر مهم، ولكن عليهم أن يتخذوا خيارات صعبة؛ فإما أن يقطعوا ثلاث أشجار مقابل 30 دولاراً تمكنهم من دفع الرسوم المدرسية لأولادهم لمدة عام، أو أن يتركوا الأشجار في مكانها ويحرموا أولادهم من التعليم.

تقول جاياشاندران: “أنا لا أخطّئ أحداً لاختياره قطع الأشجار مقابل إرسال أولاده إلى المدرسة. ولكن هذا البرنامج يقول بأننا سنعوضك بحيث تكون غنياً أو أفضل حالاً كنتيجة للحفاظ على البيئة، ولهذا ستكون رابحاً في الحالتين: وضعك المالي جيد، وتشعر بالسعادة لأنك حافظت على البيئة”.

وتمتد فوائد هذا البرنامج إلى ما وراء حدود أوغندا وملاك الأراضي الأفراد. فعندما تُقطع شجرة ويُحرق حطبها، أو تستخدم لتترك بعد ذلك لتتحلل، فإنها تطلق ثاني أوكسيد الكربون في البيئة المحيطة بها. وغاز ثاني اوكسيد الكربون هو أحد غازات الدفيئة، والكميات الزائدة منه والتي تضخ في الغلاف الجوي تسبب ارتفاع حرارة الأرض. والحفاظ على الغابات يعني إبقاء ثاني أوكسيد الربون محتجزاً داخل أنسجة الأشجار، بعيداً عن الغلاف الجوي لأطول فترة ممكنة.

إحدى الأراضي في أوغندا وقد تم إزالة الأشجار منها وحرقت. ويميل معظم المزارعين إلى إزالة الأشجار لتوسيع  حقول الزراعة، أو تضييق مساحة الغابة، باستخدام الأخشاب للحطب أو للبيع.
حقوق الصورة: ميجان كيرنز

وتركز جهود بيئية أخرى على البلدان المتطورة ذات الانبعاثات الثقيلة، والتي تنتج معظم انبعاثات الكوكب من ثاني أوكسيد الكربون. وبالرغم من الأهمية البالغة لهذه الجهود، فإنها مكلفة أكثر من برامج مثل الدفع مقابل خدمات النظام البيئي في أوغندا.

وتقدّر جاياشاندران أنه مقابل كل 200 دولار تم إنفاقها على البرنامج على مدى سنتين، حقق العالم فوائد بقيمة حوالي 500 دولار.

تقول جاياشاندران: “نحصل على الفوائد البيئية ذاتها في أي مكان من العالم نتجنب فيه طناً واحداً من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. إنها مشكلة عالمية حقاً”.

وترى جاياشاندران أنه وعلى الرغم من كونه برنامجاً لمدة عامين، فإن فوائد خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ما تزال كبيرة. وقد تبنى فريقها أكثر الآراء تشاؤماً، وهوأن الناس سوف تبدأ بإزالة الغابات بشكل أسرع بعد انتهاء البرنامج. وإذا كان الأمر كذلك، فقد وجدوا أن نسبة الفوائد إلى التكاليف لا تزال تقدر بنحو 2.5، مع أن الفوائد لا تزال تفوق التكلفة. وأظهرت حساباتهم أنه إذا استمر البرنامج لفترة أطول، فإن هذا الرقم يمكن أن يرتفع بشكل كبير، ليرفع معه النسبة بين الفوائد والتكلفة إلى حوالي عشرة إلى واحد إذا استمر البرنامج بشكل دائم. وقد يكون هذا الكلام غير منطقي من الناحية العملية، لأن الحكومات والمنظمات لديها ميزانيات عليها الالتزام بها.

ولكن جاياشاندران ترى أن هناك فرصة ممتازة لاعتبار أن تشاؤمهم هذا لا أساس له من الصحة. حيث يميل الناس في المنطقة لقطع الأشجار لتلبية النفقات الطارئة، وليس كمصدر دخل ثابت. ولذلك فإن هناك فرصة بألا يتسارع معدل إزالة الغابات. وهي تخطط للعودة لدراسة منطقة البحث الآن بعد أربع سنوات من انتهاء برنامج الإرشاد، وذلك لمعرفة ما هي الآثار على المدى الطويل.

تقول جاياشاندران: “آمل أن تجعل أدلتنا الناس يشعرون بمزيد من التفاؤل بأن هذا النهج يمكن أن يكون ناجحاً. وقد كان هناك فرص كثيرة للتلاعب بشروط البرنامج أو إيجاد ثغرات فيه، ولكن تلك السيناريوهات الأسوأ لم تتحقق في الواقع، على الأقل ضمن ظروف هذه الدراسة”.

وفي النهاية، فإن جعل الناس يتوقفون عن استخدام الغابات كمصدر مالي في أيام الحاجة، قد يكون أمراً بسيطاً كبساطة منحهم مساعدة مالية.