اكتشاف أطنان من المياه على المريخ في خزان باتساع 20 كيلومتر

الغطاء الجليدي للقطب الجنوبي المريخي مصدر الصورة: ناسا/ مختبر الدفع النفاث/ أنظمة مالين العلمية الفضائية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أن المريخ الآن ليس سوى عالم جاف مليء بالغبار، فقد كان الماء موجوداً عليه فيما مضى، ومن المحتمل وجوده بشكل متقطع في الوقت الحالي. ولكن للمرة الأولى، يقترح بحث جديد أن الكوكب الأحمر قد يحتوي على مخزون كبير ومستقر من المياه السائلة، يمتد على مساحة بعرض يقارب 20 كيلومتر، وهو مدفون تحت حوالي 1.5 كيلومتر من الجليد.

على كوكب الأرض، توجد الحياة عملياً في أي مكان توجد فيه المياه، ولهذا، فقد تعقب الباحثون دلائل وجود المياه على المريخ لزمن طويل لمعرفة ما إذا كان الكوكب الأحمر موطناً للحياة من قبل، واحتمال أنه ما زال كذلك حالياً.

لا يمكن للمياه أن تبقى على سطح المريخ حالياً بسبب الجفاف والبرد. غير أن الأبحاث السابقة كشفت عن تضاريس كانت منذ زمن بعيد قيعان بحار وشبكات من وديان الأنهار، وتبين أن المريخ كان فيما مضى مغطى بالأنهار والجداول والبرك، وربما حتى البحار والمحيطات.

حالياً، توجد كميات هائلة من الجليد المائي حول القطبين المريخيين. وتظهر على المريخ خطوط داكنة وضيقة تشير إلى احتمال جريان المياه المالحة على بعض المنحدرات كل ربيع وصيف، حيث تغلي بسرعة متبخرة في هواء الكوكب الأحمر ذي الكثافة شديدة الانخفاض.

تخيل فني لمارس إكسبرس وهو يسبر الكوكب في صورة مركبة على مقطع راداري للمخزونات الطبقية في القطب الجنوبي (تم تدوير المقطع بزاوية قائمة، وتشير المناطق باللون الأزرق الفاتح إلى المياه).
مصدر الصورة: إيسا، المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء الفلكية – تركيب الصورة: دافيد كويرو بورجا

لدراسة إمكانية وجود المياه السائلة تحت سطح المريخ، قام العلماء بتحليل البيانات التي جمعتها أداة مارسيس (الرادار المريخي المتقدم لما تحت السطح وطبقة الأيونوسفير) على متن مركبة مارس إكسبرس التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، والتي تدور حالياً حول الكوكب الأحمر. تقوم مارسيس ببث نبضات راديوية منخفضة التردد إلى سطح الكوكب بحيث تخترق القشرة وتنعكس عند الوصول إلى تغيرات في الكثافة أو التركيب. وقد نشرت نتائج الدراسة مؤخراً في مجلة Science.

باستخدام هذه التقنية، اكتشف الباحثون ما يبدو أنه خزان كبير للمياه السائلة تحت الأرض، وتحديداً تحت طبقة الجليد في القطب الجنوبي للمريخ. يقع هذا التجمع المائي تحت السطح بمسافة 1.5 كيلومتر، ويمتد جانبياً إلى مسافة 20 كيلومتر. يقول جيرونيمو فيلانويفا، عالم كواكب في مركز جودارد للتحليق الفضائي التابع لناسا في جرينبيلت، ماريلاند، والذي لم يشارك في الدراسة: “لقد أمضينا وقتاً طويلاً في البحث عن تجمعات مائية على المريخ، ما يجعلنا نشعر بحماس كبير تجاه هذا الاكتشاف”.

لم يقم العلماء بتحديد كافة خصائص الخزان بعد، ولكن يبدو أنه هائل الحجم. تقول إيلينا بيتينيلي، أخصائية بالجيوفيزياء في جامعة روما تري في روما: “لا نستطيع رؤية قعر هذا التجمع. إنه على عمق مترين أو ثلاثة على الأقل”.

توجد على الأرض أيضاً تجمعات مائية مدفونة عميقاً تحت الجليد، وعادة ما تكون موطناً للحياة. حيث أن الصفيحة الجليدية للقطب الجنوبي هنا على الأرض، والتي تبلغ سماكتها عدة كيلومترات، تحمي الماء من الهواء المتجمد وتتسبب بما يكفي من الضغط لتخفيض حرارة الذوبان للماء. تقول بيتينيلي: “من الممكن العثور على البكتيريا في الأجزاء القابلة للدراسة في القارة القطبية الجنوبية، ولهذا يوجد احتمال جيد بأن ما عثرنا عليه في المريخ يشكل بيئة جيدة لحفظ الحياة الميكروبية. من المحتمل أن الحياة ما زالت موجودة على المريخ”.

من المتوقع أن درجة الحرارة عند قاعدة الغطاء الجليدي للقطب الجنوبي المريخي تساوي 68 درجة مئوية تحت الصفر، وهي أخفض بكثير من درجة تجمد المياه النقية. غير أن العلماء يقولون أن مواد المغنيزيوم والكالسيوم والصوديوم الموجودة في صخور المريخ قد تنحل في المياه لتشكيل محلول ملحي. وبفضل هذه الملوحة، إضافة إلى ضغط الجليد من الأعلى، يمكن لهذا التجمع المائي أن يبقى في الحالة السائلة، وفقاً للباحثين.

لم يتمكن العلماء من تحديد طبيعة هذا التجمع المائي بالضبط، فقد يكون بحيرة مائية، أو جيباً من الوحل المائع، أو كتلة من الصخور المسامية التي تحتوي على الماء. تقول بيتينيلي: “يستحيل علينا باستخدام التجهيزات الحالية أن نجزم ما إذا كان هذا التجمع بحيرة أو لا”.

قد تكون هناك على المريخ تجمعات مائية أخرى أصغر حجماً. تقول بيتينيلي: “لا أرى سبباً لوجود تجمع واحد فقط”. ويقول فيلانويفا أن التنقيب في بيانات مارسيس لاحقاً قد يكشف المزيد من الجيوب المائية.

تخيل فني لمارس إكسبرس أثناء سبر القطب الجنوبي للمريخ (منطقة الدراسة محددة بالمستطيل)
مصدر الصورة: المركز العلمي للجيولوجيا الفضائية التابع للوكالة الأميركية المسح الجيولوجي، جامعة أريزونا الحكومية، إيسا، المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء الفلكية – تركيب الصورة: دافيد كويرو بورجا

يوجد نظام رادار آخر لاختراق السطح باسم شاراد، وهو على متن مسبار الاستطلاع المريخي التابع لناسا، والذي يدور حول المريخ، غير أنه لم يتمكن من كشف هذا الخزان، ولكن كما تقول بيتينيلي: “يستخدم نظام شاراد الأمواج الراديوية عالية التردد، ولهذا فهو غير قادر على اختراق أعماق كبيرة مثل مارسيس”.

يقول علي برامسون، وهو عالم كواكب في جامعة أريزونا في توكسون، ولم يشارك في هذا العمل، أن الخزان يقع فعلاً تحت الحدود التي يصل إليها نظام شاراد: “أعتقد أن احتمال وجود مياه سائلة سيكون أقوى لو تمكن كلا الرادارين من اكتشاف إشارات متماثلة. ونحتاج إلى دراسة إضافة للخواص الرادارية للمواد المريخية لتأكيد صحة تفسيرنا للإشارات المكتشفة”.

بفرض وجود هذا الخزان فعلاً (وهو ما يعتقده العلماء، ولكن التأكد يتطلب المزيد من الاختبارات)، فقد يمر وقت طويل قبل أن يتمكن العلماء من تفحص عينات من مياهه. يقول برامسون: “من الصعب للغاية أن نبقي مركبة فضائية في حالة عمل نشطة قرب القطبين، وذلك بسبب الحرارة شديدة الانخفاض، وفقدان ضوء الشمس لعدة أشهر متتالية في فصل الشتاء. إضافة إلى هذا، فإن الهبوط على القطب الجنوبي للمريخ ليس بالأمر السهل، نظراً للارتفاع الكبير، والذي يعني أن الغلاف الجوي لا يكفي لإبطاء المسبار السطحي عند الدخول والهبوط”.

وحتى لو كان لدينا مركبة فضائية قادرة على الهبوط في المنطقة القطبية، فليس لدينا القدرة حالياً على الوصول إلى المياه. يقول برامسون: “إن حفر هذه المسافة للوصول إلى قاعدة الجليد، حيث يقع هذا الخزان المفترض تحت الجليد، يتطلب التركيز والإنفاق على توسيع القدرات الهندسية الموجودة لدينا حالياً بهدف تحقيق الحفر العميق عن بعد في كوكب آخر. ولكن إذا حققنا هذا، فسوف يكون أمراً رائعاً من الناحية العلمية، كما سيساعدنا إلى حد كبير على استثمار الموارد الموجودة على كواكب أخرى، وهو ما قد يساعد على إرسال البشر لاستكشاف المريخ، وما بعده”.