الأشجار تمنحك الإحساس بالراحة، حتى في الأماكن المغلقة

ما هي فوائد الأشجار؟
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن لشجرة واحدة من أشجار المدينة أن تحدث فرقاً. توفر الأشجار منظراً جميلاً عندما تزدهر، وتوفر الظل في الجو الحار، وتلهم الشعراء، ومن هنا جاء مصطلح “حاضني الأشجار” الذي يشير إلى الناشطين في مجال حماية البيئة.

وحالياً، تبين للعلماء أن أشجار المدن -حتى ولو كانت شجرة واحدة- يمكن أن تساعد البيوت والمباني المكتبية في توفير الطاقة، من خلال تقليل قوة تبريد الرياح القوية. وتحافظ الأشجار على راحة المشاة عند نزولهم إلى الشوارع، وتساهم في تخفيض تكاليف تدفئة المباني، من خلال التقليل من ضغط الرياح. حتى الأشجار عديمة الأوراق يمكن أن تساعد في إبطاء الرياح.

وقد فهم العلماء منذ وقت طويل أن الأشجار يمكن أن تبرد المباني عندما يكون الطقس حاراً، ولكن لم يتم إيلاء اهتمام يذكر لدورها في تدفئة المباني- وبالتالي توفير الطاقة – عندما يكون الطقس بارداً.

ويشكل هذا إسهاماً مهماً في مواجهة التغير المناخي، حيث يمكن لهذه المعرفة أن تساعد مخططي المدن في تصميم الأبنية والشوارع والمجمعات المدنية لتعزيز راحة الناس ومنع فقدان الطاقة. كما يمكن أن تحسن التنبؤات الجوية من خلال مساعدة خبراء الأرصاد الجوية في التنبؤ بتأثير العواصف على المباني والمشاة. وقد نشرت النتائج بالتفصيل في دراسة وردت في دورية “تطورات الموارد المائية”.

يقول ماركو جيوميتو مؤلف الدراسة وزميل في مرحلة ما بعد الدكتوراه في الهندسة المدنية بجامعة كولومبيا البريطانية: “ضغط الرياح مسؤول عن أكثر من ثلث استهلاك الطاقة في المبنى. وقد فوجئنا بوجود هذا الانخفاض الشديد في سرعة الرياح”. ويضيف بأن الباحثين وجدوا أيضاً أن الأشجار تعمل كمرشحات تحمينا من سرعة الرياح، والاضطراب، والجسيمات كالدخان القادم من حرائق الغابات والملوثات الأخرى.

واستخدم العلماء تكنولوجيا الليزر بالاستشعار عن بعد لتصميم نموذج حاسوبي مفصل للغاية في أحد أحياء فانكوفر، وصولاً إلى كل شجرة ونبات ومبنى. ثم استخدموا المحاكاة الحاسوبية لمعرفة كيف تؤثر الحالات المختلفة (عدم وجود أشجار، أشجار مورقة، أشجار عارية) في جريان الهواء والأنماط الحرارية في الشوارع والبيوت. وقارنوا الاحتمالات التي تمت محاكاتها ببيانات الرياح التي تم قياسها على مدى عشر سنوات من برج أبحاث بارتفاع حوالي 30 متراً، تديره الجامعة في نفس الحي من مدينة فانكوفر.

يظهر هذا التمثيل الحاسوبي حركة الرياح في أحد أحياء فانكوفر بكندا
حقوق الصورة: جامعة كولومبيا البريطانية

ويعتقد أن هذه النمذجة هي أول محاكاة لحي مدني حقيقي بمثل هذه التفاصيل الدقيقة، وذلك وفقاً لأندرياس كريستين، المشارك في الدراسة، وأستاذ الجغرافيا في جامعة كولومبيا البريطانية.

ووجد الباحثون أن إزالة جميع الأشجار قد يزيد سرعة الرياح بمعدل الضعف. يقول جيوميتو: “هذا الأمر من شأنه أن يحدث فرقاً ملحوظاً لشخص يسير في الشارع”، ويضيف أن الرياح التي تبلغ سرعتها 16 كيلومتراً في الساعة تكون ممتعة، بينما تكون محاولة السير مع سرعة رياح مضاعفة أكثر صعوبة. وعلاوة على ذلك، فقد وجد العلماء أن إزالة جميع الأشجار حول المباني زادت من استهلاكها للطاقة بمعدل 10 في المائة في الشتاء، و 15 في المائة في الصيف.

وفي حين وجد العلماء أن الأشجار تقلل من استخدام الطاقة في الصيف، فإنهم لم يدرسوا دورها في تأثير الجزر الحرارية الحضرية، وهي ظاهرة تجعل المدن أكثر حرارة من المناطق الريفية القريبة منها. ويشير جيوميتو إلى أن العديد من الدراسات قد ركزت بالفعل على الآثار الحرارية للأشجار وتأثيرها على الجزيرة الحرارية، مشيراً إلى أنها تملك بالفعل هذا التأثير، وتساعد على الحد من الجزيرة الحرارية.

كما يرى جيوميتو الذي يعمل حالياً كأستاذ في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة ستانفورد، أنه حتى الأشجار العارية يمكن أن تبطئ الرياح، وإن لم يكن ذلك بدرجة كبيرة. ويقول: “لقد قدّرنا أن الأشجار النفضية -وهي الأشجار التي تسقط أوراقها في الخريف وتورق في الربيع- تبذل قوة ضد الرياح أقل بثلاثة أضعاف من نفس القوة التي تبذلها في الصيف. وهذا أمر واقعي، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الجذوع والفروع ما تزال موجودة في الشتاء، ولكن الأوراق قد تساقطت”.

ومع ذلك، “فإن الأشجار العارية تقلل من ضغط الحمولة على المباني على مدار السنة، وليست الأشجار دائمة الخضرة هي وحدها المهمة في المدينة”. وذلك وفقاً لمارك بارلانج، الذي أشرف على البحث كأستاذ للهندسة المدنية في جامعة كولومبيا البريطانية.

الأشجار في لوس أنجلوس
حقوق الصورة: بيكساباي

عندما يقترب الهواء من إحدى الأشجار، واعتماداً على كثافة أوراق الشجرة نفسها، فإن هذا الهواء يتباطأ بشكل كبير بسبب القوة التي تطبقها كل ورقة وفرع ضده. يقول جيوميتو: “النتيجة النهائية هي أن سرعة الرياح المحلية في الجانب الخارجي من الشجرة (الجانب المحمي من الرياح) تقل بشكل كبير”. ويضيف: “في مناطق الضواحي في شمال أمريكا، يمكن أن تكون شجرة واحدة ضخمةً نسبياً عندما تقارن بحجم مبنى نموذجي، وبهذا يمكنها أن تحمي المبنى. وبسبب تأثير الحماية هذا، يرجح أن يقل تدرج الضغط الذي يواجهه البناء بالمقارنة مع تدرج الضغط الذي يواجهه في حالة كونه منعزلاً”. وبالتالي، ستنخفض تكاليف التبريد والتسخين، لأن هذه القوى نفسها تدفع الهواء داخل البناء من خلال الفجوات والفتحات الصغيرة (الهواء البارد في الشتاء، والهواء الساخن في الصيف).

ويشير جيوميتو إلى أنه لا توجد بعدُ بيانات علمية يمكن أن تحدد أفضل انتشار مكاني للأشجار، لتحقيق أقصى قدر من الراحة، أو تقليل استهلاك الطاقة. ومع ذلك، فإن الدراسة تمثل خطوة أولى وضرورية نحو البحوث المستقبلية التي تهدف إلى الإجابة على هذا السؤال. ويضيف: “يجب أن تركز مثل هذه البحوث على تأثير الأشجار على علم المياه الحضري، وميزانية الإشعاع الحضري، بالإضافة إلى تأثير الأشجار على اضطراب الغلاف الجوي، والحرارة، والرطوبة، وتبدد الملوثات”.

ويرى جيوميتو أن سرعة الرياح الدنيا في الجانب الخارجي من الأشجار- والتي لم تكن جزءاً من الدراسة- تفيد المناطق الريفية أيضاً، حيث أن البيوت والمباني الأخرى تكون منعزلة غالباً، وتواجه سرعات رياح كبيرة في غياب الأشجار. ويختم جيوميتو : “إن التأثيرات المفيدة للأشجار فى خفض سرعة الرياح كانت معروفة بالفعل من قبل المزارعين قبل هذه الدراسة. والآن أصبح لدينا أداة لقياس ذلك، والمساعدة في تصميم مصدات الرياح لتعظيم آثارها”.