حكاية فتيات الراديوم

هذه المقالة عبارة عن مقتطف من كتاب "فتيات الراديوم" للكاتبة ميت مور
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان الوقت قد تجاوز التاسعة صباحاً بقليل، جاء الرجال إلى مقبرة روزديل في 15 أكتوبر 1927، وشقوا طريقهم بين صفوف من شواهد القبور، حتى توقفوا عند قبر معين. وقاموا بنصب خيمة فوقه وأزالوا شاهدة القبر. ثم قاموا بكشف النعش، وأخرجوا التراب الرطب خارج الحفرة، ثم كشفوا عن التابوت الخشبي الذي يحمل اسم أميليا “مولي” ماجيا، الفتاة التي قال عنها كثير من الناس أنها ماتت بمرض الزُّهري. ثم لفوا النعش بالحبال وربطوه بسلسلة معدنية قوية. رُفع النعش قليلاً لتخليصه من الماء الناتج عن الأمطار الأخيرة. ثم انتظروا وصول المسؤولين. قام بيري بالتنسيق مع إحدى شركات الكشف عن الراديوم للاجتماع عند تمام الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر. وعند تمام الثالثة، وصل خبراء الشركة إلى قبر مولي. وكان هناك ستة منهم بما فيهم باركر نائب رئيس الشركة، والدكتور فلين. طلب بيري من أحد المحققين الخاصين الحضور. وهو الآن يراقب أعضاء الشركة عن كثب بعد أن تجمهروا خارج الخيمة. وعند الثالثة والنصف، كما هو محدد، مشى بيرى إلى المقبرة مع السيدة هيوز والدكتور مارتلاند ومجموعة من أطباء نيويورك الذين سيشرفون على تشريح الجثة. كان هناك 13 مسؤولاً تجمعوا ليشهدوا استخراج جثة مولي.

الكتاب الأصلي

كان هناك ثلاثة رجال يقفون مرتبكين بين الأطباء والمحامين، وهم عائلة مولي: أبوها فاليريو، وزوجا أختيها جيمس ماكدونالد وجيمس لاريس. ولم تعترض العائلة على الفكرة التي طرحها عليهم بيري، وهي أن جثة مولي ستقدم دليلاً قاطعاً للعاملات اللواتي كن يعملن في تلوين أقراص الساعات.

بعد وصول فرق بيري، أجريت التحضيرات لرفع النعش. وتم سحب الستائر، ودخلت المجموعة كلها إلى الخيمة، وقام عمال المقبرة برفع الحبال والسلاسل. وببطء تم رفع جثة مولي حوالي 180 سم. كان الصندوق الخارجي في وضع سيئ وتم سحبه بسهولة. وكان النعش أيضاً جاهزاً للإنفصال. وعلى الرغم من كونه يوماً خريفياً باهتاً، فقد بدأ النعش بالتوهج بضوء غير طبيعي، كان هناك علامات لا لبس فيها على وجود الراديوم. كان داخل النعش يتوهج من مركبات الراديوم الدقيقة.

انحنى أحد الأشخاص على النعش وسحب اللوحة الاسمية الفضية من الخشب المهترئ، وقد كتب عليها: أميليا ماجيا. وقدموها لوالدها فاليريو للتحقق منها. أومأ فاليريو براسه موافقاً، إنه الاسم الذي اختارته العائلة لطفلتها الصغيرة.

وفورَ التأكد من شخصية مولي، تمت إزالة الأجزاء العلوية والجانبية من النعش. ها هي مولي تعود بثوبها الأبيض وحذائها الأسود، على الحالة التي دفنت بها عام 1922. تم فحص الجثة التي كانت محفوظة بحالة جيدة. قام الفريق بإخراجها من النعش بحذر، ووضعوها في صندوق خشبي، ثم أخذوها بسيارة إلى مكتب دفن محلي. وعند الرابعة والنصف مساء بدأ تشريح الجثة. سيكون بإمكان أماليا ماجيا أخيراً البوح بأسرارها.

بدأ الأطباء بفكها العلوي الذي تم تفكيكه إلى عدة أجزاء. أما فكها السفلي فلم يكن هناك حاجة للعمل عليه، لأنه لم يكن موجوداً أصلاً، حيث تمت إزالته في حياتها. قام الأطباء بنشر عمودها الفقري ورأسها وأضلاعها. كما قاموا بكشط عظامها بالسكين لتحضيرها للخطوات التالية. وكان هناك نوع من الإجلال في التعامل مع الجثة، حيث قاموا بغسل العظام بالماء الساخن وتجفيفها. وقد أخذت بعض العظام للفحص بالأشعة السينية، بينما أُحرق بعضها الآخر حتى تحول إلى رماد للتقصي عن وجود نشاط إشعاعي فيه.

عندما قام الأطباء بفحص فيلم الأشعة السينية بعد عدة أيام، وجدوا أنها بمثابة رسالة من مولي وهي في قبرها. لقد حاولت مولي مراراً أن تتكلم، وها هي الآن تجد أخيراً من يستمع إليها. لقد ظهرت عظامها على شكل صور بيضاء على فيلم الأشعة. وكان عمودها الفقري يتوهج على شكل أضواء بيضاء عمودية، تشبه مجموعة من عيدان الثقاب تحترق ببطء. لقد بدت تلك العظام وكأنها صفوف من العاملات اللواتي كن يعملن في تلوين أقراص الساعات وهن عائدات إلى بيوتهن من العمل. بينما كانت صور جمجمتها مع فكها المفقود والذي جعل فمها واسعاً بشكل غير طبيعي، وكأنها تصرخ، تصرخ من أجل العدالة طوال تلك السنين. وكان هناك لطخة من السواد في مكان عينيها. إنها نظراتها التي تحدق لتتهم الذين كذبوا عليها وشوهوا سمعتها.

يقول الأطباء الذين فحصوا الجثة: “لم يكن هناك أي دليل على المرض، وبالأخص مرض الزهري”. إذاً فلقد كانت بريئة. ويخلص الأطباء إلى نتيجة مفادها: “كل جزء من الأنسجة والعظام التي تم فحصها يثبت وجود نشاط إشعاعي”. لم يكن سبب الوفاة مرض الزهري كما كانت الشائعات تقول، بل كان السبب هو الراديوم.