حيادية الإنترنت في خطر مرة أخرى

قد يكون لطريقة تنظيم الإنترنت أثر كبير على الشبكة كما نعرفها نورلاندو بوبر/ فليكر، رخصة 2 من كرييتيف كومونز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتبر الإنترنت ظاهرة بشرية كلياً. وهي بحر هائل من الحواسيب المتصلة التي تخزن حالياً مجمل المعرفة البشرية تقريباً. وهي متاحة لأثرى ملياردير كما هي متاحة لأي ولد يتصل بالواي فاي في مكتبة ما، وهو يتصفح المواقع باستخدام هاتف أندرويد رخيص. وما يحافظ على الانفتاح والمساواة في الإنترنت مبدأ “حيادية الشبكة”، وهو أداة تكنولوجية بقدر ما هو وجهة نظر اقتصادية وموقف أخلاقي. كما أن هذا المبدأ يتعرض للخطر بشكل متكرر. وقد أتى الهجوم الأخير عليه من مدير هيئة الاتصالات الفدرالية FCC، أجيت باي، والذي يريد تغيير كيفية تنظيم شركات الإنترنت، وهو إجراء قد يكون له آثار كارثية على حيادية الشبكة.

ما هي حيادية الشبكة؟

يفترض أن توجه مزودات خدمة الإنترنت حركة نقل المعلومات بدون تمييز، سواء أكان المستخدم يستعرض مدونة تخصصية حول تربية حيوان الأرماديلو، أو يحاول مشاهدة فيديو من نيتفليكس. هكذا تم تصميم الإنترنت تقنياً: لنقل حزم المعلومات لمسافات شاسعة بأسرع ما يمكن، بغض النظر عن محتوى هذه الحزم.

تعتبر حيادية الشبكة من الممارسات التي تنظم سلوك مزودات الخدمة. حيث تصل مودماتها أجهزة المستخدمين بالإنترنت مقابل أجر مادي في أغلب الأحيان. وهي صفقة جيدة بالنسبة لمزودي الخدمة، حيث أن خيارات الإنترنت محدودة في الكثير من أنحاء الولايات المتحدة، ما يجعل قاعدة الزبائن مضمونة إلى حد ما.

ولكن بدون الحيادية، يمكن لمزودات الخدمة بدلاً من هذا أن تفرض شروط الاستخدام على المواقع والمستخدمين في آن واحد. حيث يمكن مثلاً لمزود الخدمة أن يزيد فاتورة الزبائن مقابل بث الفيديوهات، ويتقاضى في نفس الوقت رسوماً من موقع نيتفليكس ليضمن بث فيديوهاته بنفس سرعة فيديوهات موقعي هولو ويوتيوب.

يوجد الكثير من التشبيهات التي تساعد على استيعاب مفهوم حيادية الشبكة. وقد قام فنان الرسوم المتحركة مايكل غودوين، في 2014، بتمثيل مزودات الخدمة على أنها الممر الذي يصل المنزل بشبكة الطرقات الواسعة للإنترنت، وأن حيادية الشبكة هي المبدأ الذي يمنع مزودات الخدمة من إبطاء جزء من حركة السير أو تقاضي رسوم خدمة مميزة لجزء آخر.

ما هو مصدر مصطلح “حيادية الشبكة”؟

قام تيم وو، وهو بروفسور في القانون في جامعة كولومبيا، بصياغة المصطلح “حيادية الشبكة” في ورقة بحثية نشرها سنة 2003 عندما كان في مدرسة الحقوق في جامعة فرجينيا، وذلك في محاولة لإعطاء تعريف محدد لرؤيا مفهومة حول الإنترنت. بالنسبة لوو، فإن حيادية الشبكة ليست مجرد أسلوب لإدارة حركة المعلومات على الإنترنت، بل فلسفة أساسية حول كيفية نشوء الإبداع.

من وجهة نظر مؤيدي حيادية الشبكة، فإن “عملية الإبداع منافسة حامية بين مطوري التقنيات الجديدة، يكون فيها البقاء للأقوى”، كما كتب وو، ويلحظ أيضاً أن الداعمين لهذا النموذج، القائم على التطور بالمنافسة، ينظرون بريبة إلى أية هيكلية تقوم بدلاً من هذا بالسماح لمن يتحكمون بالوصول إلى الإنترنت بفرض قواعد للتنافس.

باختصار، يقول وو أن أفضل شكل للإنترنت هو الذي يقرر المستهلكون فيه بأنفسهم مدى نجاح التطبيقات والاستخدامات والمواقع. ويعبرون عن خياراتهم هذه بزيارة هذه المواقع أو عدم زيارتها. وبدون حيادية الشبكة، يمكن لمزودات الخدمة أن تتلاعب بقواعد المنافسة، وذلك باستيفاء الرسوم من إحدى الشركات لتأمين نقل أفضل لفيديوهاتها، حتى لو كان هذا المحتوى ليس هو الأسرع في الحالة الطبيعية.

كيف يتم فرض حيادية الشبكة؟

يعتبر الحفاظ على نظام الحيادية جزءاً من صلاحيات هيئة الاتصالات الفدرالية، والتي تمارس دوراً هاماً، وإن كان جزئياً، في نجاح هذه المهمة. وعلى الرغم من أن الكثير من قواعد عمل مزودات الخدمة يصاغ على المستوى الفدرالي، فإن هذا ليس ضرورياً بقدر ما هو ممارسة اعتيادية.

تقول مؤسسة الجبهة الإلكترونية، وهي مجموعة للدفاع عن حقوق مستخدمي الإنترنت، حول حيادية الشبكة: “يمكن للحكومات المحلية أيضاً أن تلعب دوراً هاماً بدعم الشبكات التنافسية للتجمعات السكانية المحلية ومنظمات المجتمع الأهلي. عندما يكون بوسع المستخدمين التعبير عن آرائهم بشكل عملي ومؤثر، فإن هذا يدفع مزودي الخدمة إلى الالتزام بالحيادية”.

عند انعدام المنافسة المحلية بين مزودات الخدمة، يمكن للشركات أن تعمل كاحتكارات لا ضابط لها. وهو ما سعت هيئة الاتصالات الفدرالية إلى مواجهته عدة مرات.

سنة 2011، فرضت هيئة الاتصالات الفدرالية مجموعة من القواعد حول انفتاح الإنترنت. حيث تحظر إحدى هذه القواعد على مزودي الحزمة العريضة حجب أية مواقع موافقة للأنظمة والقوانين. وتمنعها قاعدة أخرى من إنشاء خطوط نقل بطيئة لحركة البيانات على الويب، واعتبارها “تمييزاً غير منطقي”. وتضمن قاعدة ثالثة الشفافية، حيث تفرض على المزودين “الكشف عن المعلومات التي تخص ممارسات إدارة شبكاتهم، وأدائها، والنواحي التجارية لخدمات الحزمة العريضة لديهم”.

ولكن في 2014، ألغيت قاعدتان من هذه القواعد الثلاث، وبقيت فقط قاعدة الشفافية، وذلك على إثر هزيمة هيئة الاتصالات الفدرالية أمام شركة فيريزون في المحكمة. وقد قام هذا الحكم على كيفية تعريف هيئة الاتصالات الفدرالية للشركات المقصودة بهذه القواعد: أهي شركات اتصالات خاصة، تلعب دور الوسيط بين مجموعة محددة من الزبائن، أم أنها تقوم بوصل إنترنت الحزمة العريضة إلى العموم، من شركة خاصة تخضع للقواعد الحكومية نظراً لتأمينها خدمة عامة؟ في ذلك الحين، كانت مزودات الخدمة تعمل تحت المادة 1 من قانون الاتصالات بصفة (خدمات معلومات) وبعدد أقل من الضوابط، ولهذا كانت تعمل بشكل أقرب للتعريف الأول.

ولكن بدعم من إدارة أوباما، تم تغيير الحكم في 2015 للسماح لهيئة الاتصالات الفدرالية بفرض قواعد المصلحة العامة على مزودي الخدمة والحزمة العريضة، بحيث تم وضعهم جميعاً تحت المادة الثانية بصفة “ناقل عام”، وهو وصف ينطبق أيضاً على خدمات مثل الخطوط الأرضية. وأصبح بإمكان هيئة الاتصالات الفدرالية منع مزودي الإنترنت من الممارسات التي تؤثر على حيادية الشبكة. ويعتبر عكس هذا التوجه جوهر الخطط الحالية لرئيس هيئة الاتصالات الفدرالية بخصوص الإنترنت.

ماذا سيحدث بغياب حيادية الشبكة؟

قامت فري بريس (الصحافة الحرة)، وهي منظمة تدافع بشراسة عن حيادية الشبكة، بوضع جدول زمني لانتهاكات حيادية الشبكة. ويتضمن هذا حجب خدمات الاتصالات الصوتية عن طريق الإنترنت، وإعادة توجيه حركة النقل المتعلقة بالبحث، وإبطاء حركة النقل، وخنق مجمل حركة النقل باستثناء حركة الحزم المتعلقة بموقع محدد، وغير ذلك. وعلى الرغم من وجود مصطلح حيادية الشبكة منذ 2003، وتفعيل القواعد الحالية التي تفرضها في 2015، فقد حاولت مزودات الخدمة الالتفاف حول حيادية الشبكة منذ سنوات، ونجحت محاولاتها في بعض الأحيان قبل أن يتم إحباطها لاحقاً.

في ظل غياب القواعد التي تسمح لهيئة الاتصالات الفدرالية بفرض حيادية الشبكة استباقياً، يجب أن يتم إبلاغ هيئة التجارة الفدرالية عن الانتهاكات بدلاً من هيئة الاتصالات الفدرالية، وهي مفوضة بالتحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية بعد وقوع الانتهاكات، لا بمنع وقوعها مسبقاً.

من أهم النواحي التي تثير القلق حول شبكة غير حيادية هو ظهور “خطوط النقل البطيئة”، حيث تقوم مزودات الخدمة بنقل المعلومات من بعض المواقع بالسرعة الطبيعية، ومن مواقع أخرى بسرعات أقل بكثير. وإذا كان تحميل الموقع بطيئاً جداً، فقد يدفع هذا بالمستخدمين إلى التوقف عن زيارته، وبالتالي يصبح غياب حيادية الشبكة وسيلة تستخدمها مزودات الخدمة لإرغام المواقع على دفع الرسوم لقاء سرعة النقل الطبيعية، أو المخاطرة بتخفيض سرعة النقل للموقع، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى دخوله طي النسيان. وقد كان هذا الموضوع جوهر حركة “إنترنت سلوداون 2014” الاحتجاجية، والتي طلبت من المواقع وضع رمز التحميل، ومن ثم توجيه المستخدمين إلى الاتصال بالكونغرس لمطالبته بحماية حيادية الشبكة.

يجب ألا نقتصر فقط على الاعتراض على ما قد يحدث بغياب حيادية الشبكة. ففي ديسمبر 2016، أوردت هيئة الاتصالات الفدرالية أنها كانت تحقق مع شركة AT&T حول برنامج بيانات ممول من قبلها، والذي يعفي الفيديوهات من المواقع الشريكة لشركة AT&T من حدود البيانات للمستهلكين، ولكن يطبق هذه الحدود على البيانات الأخرى. وفي 11 يناير، 2017، أوردت هيئة الاتصالات الفدرالية أيضاً أنها تجري تحقيقاً مماثلاً حول برنامج “فريبي داتا 360” من شركة فيريزون. في كلتا الحالتين، اتخذ مزودو الإنترنت الخيار نيابة عن زبائنهم: إما استخدام خدمات الفيديو التي تفضلها المزودات مع حسومات في الرسوم، أو دفع الرسوم الكاملة لقاء بيانات من مصادر أخرى. وهو ما يعتبر أمراً غير أخلاقي وفقاً لمبدأ حيادية الشبكة، وقد قام رئيس مجلس هيئة الاتصالات الفدرالية في ذلك الحين، توم ويلر، وقبل فترة قصيرة من تركه لمنصبه، بإرسال رسالة إلى أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ، لإعلامهم بوضع التحقيقات الجارية، موجهاً شكره إليهم لدعمهم الثابت للإنترنت المفتوحة.

ما الخطر الذي يهدد حيادية الشبكة حالياً؟

يرغب رئيس مجلس هيئة الاتصالات الفدرالية آجيت باي بتحويل قواعد مزودي الخدمة من ضوابط استباقية إلى قواعد تطبق بعد وقوع المخالفات، ما يفتح مجالاً كبيرة لحرية التصرف أمام مزودي الخدمة، والذين لا يرغبون بلعب دور مجرد أدوات حيادية لوصل الناس بالإنترنت. من المحتمل أن الخطط المعلنة لرئيس الهيئة ليست سوى إجراء أولي يهدف إلى دفع الكونغرس لرفضه وإقرار تشريع ضعيف المفعول بدلاً منه يؤمن حماية شكلية لحيادية الشبكة، ولكنه يضعف الكثير من مفاعيل القواعد السابقة لهيئة الاتصالات الفدرالية. ومن المرجح أيضاً أن باي ينوي تغيير القواعد من داخل الهيئة نفسها، على الرغم من أن إقرار هذه التغييرات يحتاج إلى الكثير من المداولات العامة. عندما طلب أوباما من هيئة الاتصالات الفدرالية مجموعة جديدة من القواعد في أواخر 2014، تم عرضها وإقرارها بعد خمسة أشهر، في بدايات 2015.

خارج إطار الكونغرس وهيئة الاتصالات الفدرالية، حكمت محكمة فدرالية مؤخراً بتثبيت قوانين حيادية الشبكة التي أقرت في 2015، ما قد يؤدي إلى استئناف القضية في المحكمة العليا.