دروس من التاريخ: هكذا ساهم تعاون الحكومات في احتواء الأمراض

كوفيد, درجة الحرارة, كوورنا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً


تهدد جائحة كورونا -التي تعتبر أكبر أزمة صحية خلال القرن- صحة البشر في جميع أنحاء العالم. وتتصدر الولايات المتحدة في عدد حالات الإصابات، إذ تجاوزت 6 ملايين حالة، بالإضافة إلى 180 ألف حالة وفاة.

ولكن بدخول الجائحة شهرها السادس، لا زالت الولايات المتحدة تواجه ، ومتوافرة على مجال واسع، بالإضافة إلى الحاجة لوجود بنية تحتية قادرة على إدارة هذه الاختبارات. والأهم هي حاجتنا للقاحات فعّالة وآمنة.

في الفترة القادمة، يمكن أن يلعب الابتكار في مجال الطب دوراً كبيراً جداً في احتواء المرض والوقاية منه، وعلاج الأفراد المصابين بالفيروس. لكن ما هي الطريقة المثلى لتسريع وتحفيز استحداث الابتكارات المتعلقة بالصحة العامة؟ يبين كل من التاريخ والأبحاث أن الحكومات يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تحفيز الابتكار في القطاع الخاص.

دروس من الحرب الأهلية

تلعب الحكومات في مجال الرعاية الصحية أدواراً لها آثار بعيدة المدى. فمثلاً، تمنح إدارة الغذاء والدواء الأميركية الموافقة على العلاجات الجديدة، ويحدد مدراء شركات التأمين العامة والخاصة العلاجات التي ستغطّيها شركاتهم. كما يحدد برنامج «ميديكير» أسعاراً تؤثر في مجال واسع ضمن نظام الرعاية الصحية. ويستطيع نظام براءات الاختراع الأميركي التحكم بشكلٍ غير مباشر بأسعار الأدوية؛ عن طريق تحديد ما إذا كان بإمكان المنافسين الدخول في السوق، ومتى يمكنهم فعل ذلك، بالتالي يؤثر على عائدات الشركات المالية. كما يتم تمويل الأبحاث الطبية الأساسية والتطبيقية من قبل وكالة المعاهد الوطنية للصحة للأبحاث، ووكالة المؤسسة العلمية الوطنية.

للحكومة أثر كبير على الابتكار الطبي. وسبب هذا هو أن الصناعة ضمن القطاع الخاص تتطلب معايير جودة محددة بدقة، و حوافز مالية واضحة حتى تسرع في تطورها، وهي تعتمد بشكلٍ كبير على الوكالات الحكومية التي غالباً ما تحدد القواعد.

في مجال بحثي الخاص كاقتصاديّ، أنا أبحث في آثار برامج التأمين الصحية الحكومية على العناية بالمرضى، وتسعير العلاجات، والابتكار في النظام الصحي. حلّلت مؤخراً مع زميلي «باركر روجرز» الابتكارات في تصميم وتصنيع الأطراف الصطناعية خلال فترة الحرب الأهلية الأميركية. هذا الموضوع يهمنا اليوم لأن الحروب كالجائحات؛ تخلق حاجة ماسة وغير متوقعة للابتكار الطبي.

مع تقدم صناعة السلاح، وانتشار رصاص «مينييه»، وغياب الخبرة الجراحية عند الأطباء، تطلب علاج العديد من الجنود الذين يعانون من إصابات في الأرجل والأذرع بتر الأطراف. وخسر حوالي 70000 محارب من الذين نجوا من هذه الحرب الدامية التي دامت 4 سنوات أحد أطرافهم.

ومع عودة المحاربين الذين فقدوا أطرافهم إلى منازلهم، أطلقت الحكومة مشروع «الحرب الأهلية الكبير» الخيري لتوفير الأطراف الصطناعية. فحص المسؤولون ورخّصوا النماذج الأولية للمخترعين، ثم اختار المحاربون من المنتجات الموافق عليها، والتي حصلت عليها الحكومة لاحقاً بأسعار تقابل اليوم 75 دولار للرجل، و50 دولار للذراع.

حدد نهج هذا المشروع المُراعي للتكلفة طريقة عمل المبتكرين، إذ دفعهم للتركيز على البساطة في التصميم، وتخفيض كلفة الإنتاج. وفي حين أن الأذرع والأرجل الصطناعية كانت بدائية مقارنة بأقرانها في عصرنا، إلا أن المخترعين ركزوا على التحسينات في الراحة والمنافع الوظيفية البسيطة. مُنحت 87 براءة اختراع للأطراف الصطناعية من 1863 حتى نهاية 1867، بينما منحت 15 فقط بين عامي 1858 و 1862.

تجاوب الإنتاج بشكلٍ كبير للحاجات الجديدة. إذ أنه قبيل الحرب، وفي سنة 1860، باع 5 مصنّعين ما يُقدّر بـ 350 طرف اصطناعي في الولايات المتحدة فقط. ولكن بحلول سنة 1865، ازداد الإنتاج ليصل إلى 10 أضعاف الرقم الأخير. وفي نفس السنة، منح الجيش الاتحادي حوالي 2020 قطعة من الأرجل الصطناعية، ونحو 1441 قطعة من الأذرع الصطناعية لجنوده. وبحلول 1870، بلغ عدد مصنعي الأطراف الصطناعية 24.

الأسس الاقتصادية للابتكار الطبي

ركّز معظم البحث في مجال الأسس الاقتصادية للابتكار الطبي على الأدوية. وبيّن هذا البحث القدرة الحقيقية للمحفزات المالية.

على سبيل المثال، بوجود القواعد الإرشادية، والتعليمات والسياسات الحكومية الأخرى التي زادت الأرباح المتوقعة، تسارع تطوير اللقاحات، وزاد انتشار النشاطات المتعلقة بدراسات الاختبارات السريرية خلال السنوات التي تلت مباشرة هذه التغيرات.

بينت أدلة إضافية أن ظهور مشروع الإعانة الدوائية الخاص ببرنامج ميديكير -الذي طُرح في 2003، ونُفّذ في 2005- قد سرّع الأبحاث الدوائية المتعلقة بأمراض تضرب كبار السن.

تتلقى الأمراض التي توفر سوقاً دوائياً نَشطاً أو متوسعاً اهتماماً خاصاً. ووجد الاقتصاديون أيضاً أن عملية تطوير الأدوية تتجاوب لمحفّزات يخلقها نظام براءات الاختراعات. وأخيراً، عندما تبدأ شركات التأمين الصحي بإلغاء تغطيتها لأدوية بعض الأمراض، فستميل عملية البحث والتطوير الخاصة بهذا المرض لأن تُبطئ.

حالات الفشل في التعامل مع جائحة كورونا

خلال الجائحة، وللأسف، لم توفر الحكومة الأميركية المستلزمات المناسبة لجعل الابتكار الطبي يزدهر كما يجب. وبذلك، أعاقت الحكومة تصرف الولايات والشركات الخاصة، مما أخر الاستجابة للجائحة في البلد ككل.

في أوائل الجائحة مثلاً، ساومت الحكومة على بعض الالتزامات التعاقدية مع الشركات التي عرضت تصنيع المَنَافِس. ولم يكن مسؤولي الولايات الذين وسعّوا مخزون ولاياتهم من معدّات الوقاية الشخصية متأكدين إذا كانت الحكومة ستصادر المؤن أم لا.

أثّرت الإجراءات الحكومية أيضاً على اختبارات كشف المرض. إذا أحبطت إدارة الغذاء والدواء جهود إنشاء بنية تحتية جديدة للاختبارات مدعومة من قبل مؤسسة «جيتس». وما زاد الوضع سوءاً هو الفشل في طرح أجهزة الاختبار في وقت مبكر، ورفض استيراد أجهزة الاختبار من بلدان أخرى. والنتيجة: لا زال الحصول على الاختبارات صعباً، وغالباً ما تتأخر نتائجها لدرجة أنها تصبح بلا فائدة.

وصفة للتقدّم

إذن ما هي أفضل طريقة لتحفيز صناعات القطاع الخاص بهدف محاربة الجائحة؟ بالنسبة لي، من الواضح أن للحكومة دور مباشر في توفير الظروف لذلك. كمثال، يمكن للحكومات أن تزيد الطلب على الأقنعة بتوعية العامة، وإصدار قواعد استخدام واضحة. الطلب الناتج يخلق محفزات مالية قوية للشركات كي تبتكر وتوسع الإنتاج.

وأيضاً، تستطيع الحكومة أن تحث تطوير وتوزيع الاختبارات واللقاحات عن طريق «التزامات الشراء المسبق» التي تضمن خلق سوق للمنتجات الموافق عليها حديثاً. أخذت الحكومة الأميركية خطوة كبيرة باتجاه الالتزام بشراء كميات كبيرة من لقاحات كوفيد-19 بعد الموافقة عليها.

في حين أن علم الابتكار الطبي صعب، فإن السياسة بسيطة نسبياً: تحديد مقاييس وتقديم حوافز واضحة، والسماح للعلماء ورياديّي الأعمال بالقيام بعملهم. يلعب كل من تطوير اللقاحات، والاختبارات السريعة، وتوافر معدات الوقاية دوراً في إنقاذ الأرواح وتحسين الوضع الاقتصادي.