فلكيون يعتقدون أنهم رأوا نجماً ينفجر من فقاعة عملاقة

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ظهر الوميض على إحدى أفرع مجرة لولبية بعيدة، وحجب وهج النجوم المجاورة، وتحول إلى عرض متألق وصل ذروته بعد 2.2 يوم في السماء. ومن ثم بدأ يخفت ببطء متلاشياً إلى العدم، حتى بعد أن سارع الباحثون لتوجيه المزيد من التلسكوبات في محاولة لالتقاط هذا الحدث المؤقت.

كان هذا الحدث الفلكي أكثر سرعة من المستعر الأعظم العادي، والذي عادة ما يتوهج ويخفت بشكل تدريجي أثناء دخول النجم المرحلة الأخيرة من حياته، منفجراً لفترة قد تمتد لأشهر عدة في عرض فلكي للألعاب النارية. تمكن العلماء من رصد حوالي دزينة من الأحداث المشابهة في الماضي، ويبدو أنها فئة مستقلة من الظواهر النجمية، والتي تسمى بالانتقالات المضيئة سريعة التطور، أو فيلت “FELTs” اختصاراً.

لم يكن أحد متأكداً من ماهية هذه الأحداث الفلكية. يمكن لنجم يفشل في التحول إلى مستعر أعظم أن يكون سريعاً، ولكن ليس بهذا التوهج. أو يمكن أن تكون مثلاً الوميض اللاحق لدفقة من أشعة جاما؟ إنه احتمال وارد، غير أن دفقات أشعة جاما نادرة، كما أنها لا تنطبق على طبيعة هذه الأحداث. قد تكون عبارة عن تصادم نجمين نيوترونيين، غير أن هذا التصادم ضعيف التوهج أيضاً. قد نفكر أيضاً بأنها ناتجة عن شيء جذبه ثقب أسود من المنطقة المحيطة به، وهي فكرة واردة أيضاً، غير أن الجهود المبذولة للعثور على التوافق ما بين هذا السيناريو والبيانات المتوفرة أدت إلى استبعاد هذا الأمر أيضاً.

ومن ثم، في عام 2015، تمكن التلسكوب الفضائي كيبلر من رصد هذا الفيلت الأخير على ذراع مجرة بعيدة، وقام بالتقاط صورة لهذا القسم من السماء كل نصف ساعة، ما أدى إلى الحصول على منظر تفصيلي لتوهج وخفوت هذا الفيلت بشكل غير مسبوق. نشر العلماء هذه الملاحظات في دراسة في مجلة Nature Astronomy هذا الأسبوع، ويعتقدون أنهم قد توصلوا على الأقل إلى معرفة جزء من الآلية التي تقف خلف هذه الظاهرة. لقد كان هذا مستعراً أعظم بالفعل، ولكنه كان مختبئاً ضمن شرنقة غازية لعدة أيام قبل أن يظهر، مثل فراشة مذهلة تموت بسرعة.

أي نوع من المستعرات العظمى يتكلم عنها الفلكيون؟ إليكم هذا الدليل المفيد
مصدر الصورة: ناسا

نص الصورة:

[دليل ناسا إلى المستعرات العظمى

أربعة طرق لانفجار النجوم

انفجار القزم الأبيض: النوع Ia: ينشأ المستعر الأعظم من هذا النوع عند انفجار نجم قزم أبيض. أما القزم الأبيض فهو الكتلة المتبقية شديدة الكثافة من نجم لم يعد قادراً على إشعال الوقود النووي في نواته، وهو الشكل الذي ستتحول إليه شمسنا في نهاية المطاف يوماً ما (على الرغم من أن الشمس نفسها لن تنفجر). في إحدى سيناريوهات نشأة المستعر الأعظم من هذا النوع، تبتلع جاذبية القزم الأبيض المواد من جسم كوني قريب. وعندما يصل القزم الأبيض إلى حوالي 1.4 ضعفاً من كتلة الشمس الحالية، لا يعود قادراً على التماسك بهذه الكتلة، وينفجر.

وفي سيناريو آخر، يمكن أن ينشأ هذا المستعر الأعظم عند اندماج قزمين أبيضين.

يعتبر هذا النوع من المستعرات العظمى مميزاً لأن التوهج الأساسي لكل هذه المستعرات يكاد يكون نفسه. وقد لعبت دوراً هاماً في قياس وتيرة توسع الكون.

انهيار النواة: النوع Ib, Ic, II: يجب أن يكون النجم عملاقاً –بكتلة أكبر من ثمانية أضعاف كتلة الشمس- حتى تنتهي حياته بانهيار النواة. ومع استمرار اندماج الجزيئات داخل النجم، يفقد في نهاية المطاف القدرة على تحمل كتلته، وتؤدي الجاذبية إلى انهدام النجم على نفسه. وتنفجر موجة الصدمة من النواة منتشرة نحو الخارج، وتتناثر مواد النجم. وقد تشكلت الكثير من العناصر الثقيلة في الكون بهذه الطريقة. تختلف تسمية هذا نوع من المستعرات العظمى بين Ib و Ic و Id حسب العناصر الكيميائية الموجودة فيه.

فيلت: مستعر أعظم غير نموذجي لا يندرج ضمن الفئة I أو I. ويسمى بالانتقال المضيء سريع التطور. في هذه الحالة، ينفث النجم غلافاً من الغازات والغبار يحيط به قبل حوالي سنة من انفجاره. تتحول معظم الطاقة من المستعر الأعظم إلى ضوء عند الاصطدام بالمواد المنفوثة قبلاً، ما يؤدي إلى ومضة إشعاعية سريعة. راقب العلماء هذا الوميض على مدى بضعة أيام فقط، وهي فترة لا تتجاوز 10% مما في حالة المستعر الأعظم العادي.]

من المرجح أن النجم يطلق غلافه الغازي قبل فترة تتراوح بين بضعة أشهر وسنة قبل أن تنفجر نواته، كما يشرح أرمين ريست، وهو فلكي في معهد علوم التلسكوبات الفضائية، والمؤلف الأساسي للبحث.

يقول ريست: “عادة ما يكون الغلاف الذي يقذف خارجاً مؤلفاً من العناصر الأخف، مثل الهيدروجين والهيليوم، كما أنه أبرد نسبياً. وتأتي أغلب هذه المواد من نواة النجم، والتي تكون غنية بالعناصر الأثقل، ما يؤدي بالمستعر الأعظم إلى إنتاج المزيد من هذه العناصر الأثقل، كما ترتفع حرارته إلى عشرات الآلاف من الدرجات المقدرة بالكلفن”.

نحصل في نهاية المطاف، كما يوضح ريست، على عناصر شديدة الحرارة ترتطم بالعناصر الأخف والأبرد نسبياً بسرعة عالية، وهو ارتطام عنيف ومفاجئ أشبه بارتطام سيارة بجدار. ينتج عن هذا الحادث المروري العنيف انتشار سريع للحرارة والضوء نحو الفضاء، يلي ذلك خفوت مفاجئ ناجم عن انتثار الطاقة بعد هذا الانفجار.

يتوافق هذا السيناريو مع المنحني الضوئي (تغيرات السطوع مع الزمن للنجم) الذي رصده ريست بشكل جيد. حيث تقوم غمامة الغاز في البداية بحجب ضوء المستعر الأعظم، وبالتالي عندما تصل المواد الناتجة عن الانفجار أخيراً إلى هذه الشرنقة الغازية، تلتقط التلسكوبات ومضة ضوئية مفاجئة. ولكن في هذه المرحلة، لا يتبقى الكثير من مواد النجم، ولهذا يخفت الضوء بسرعة.

بسبب سرعة الحدث، لا يتاح أمام الفلكيين مثل ريست ما يكفي من الوقت لتوجيه التلسكوبات الأرضية القوية والبطيئة نحوه لرصده. وبسبب المتطلبات الحالية لكيبلر، فإن الأجسام التي تظهر في هذا التلسكوب الفضائي ليست مرئية من الأرض إلا لعدة ساعات فقط كل يوم.

تمكن الفلكيون من التقاط صورة واحدة جيدة للمستعر الأعظم في ذروة سطوعه، ولكن السماء الملبدة بالغيوم أعاقت محاولة التقاط صورة ثانية في الليلة التالية. يقول ريست: “لم نتمكن من التقاط صورة أخرى إلا بعد 14 يوماً، وإذا نظرت إلى المنحني الضوئي بعد 14 يوماً سترى أنه شبه معدوم”.

من أسوأ الأمور المتعلقة بدراسة الفيلت هو وجود الكثير من الأسئلة حول تشكلها، والتي تحتاج إلى إجابات بطبيعة الحال، بدون وجود ما يكفي من الوقت. ما زال الباحثون يحاولون التوصل إلى سبب انفجار الغاز من النجم في المقام الأول. ومع أن آليات هذه الأحداث ما تزال لغزاً صعباً، فإن عمليات الرصد المماثلة لما تحدثنا عنه قد تساعدنا على التوصل إلى حل.

يقول ريست: “ما يجعل من هذا الحدث أمراً رائعاً هو هذا المنحني الضوئي المميز، وهو ما يسمح لنا ببناء عمليات محاكاة، ونماذج نظرية، وتوقع المنحنيات الضوئية التي سنراها لاحقاً”.

عمل ريست وزملاؤه مع باحثين من بيركلي لبناء نماذج المحاكاة هذه. ويشرح: “والآن، يمكننا أن نحدد ما نوع الغلاف الغازي، وكم يبعد عن النجم، وما هي سماكته، وكتلته. وبوجود هذه المعاملات جميعاً، يمكننا أن نحدد نوع المنحني الضوئي للحدث. وفي المستقبل، سيساعدنا هذا على تحديد معاملات عملية النفث التي أدت إلى إطلاق الغلاف الغازي”.

سيتابع الفلكيون دراسة هذه الأحداث وما يشبهها، معتمدين في ذلك على تلسكوب كيبلر إلى أن ينفد وقوده، والتلسكوب الفضائي من الجيل الجديد تيس بعد ذلك. ولا يتوجب عليهم سوى مراقبة النجوم والمجرات الثابتة، والمسارعة إلى العمل ما أن يروا أحد تلك الانفجارات، على أمل أن تكون السماء صافية في تلك اللحظة. وعندها، لن يكون أمامهم بالمعنى الفلكي سوى لحظة، ولن يكون لديهم وقتٌ حتى لطرفة عين.