لماذا لا نرى جميع النجوم الميتة في مجرّتنا؟

المستعر الفائق كيبلر الذي رُصد عام 1604. بعد أربعة قرون، بقيت المواد الناتجة من الانفجار تتوسع بسرعة تتجاوز 32 كم/ساعة. - مصدر الصورة: ناسا/ سي إكس سي/ جامعة تكساس في أرلينغتون/ أم. ميلارد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

انفجر نجم في كوكبة «الترس» في 4 يوليو/تموز عام 1054، وعلى بُعد حوالي 6500 سنة ضوئية منه، انتبه لذلك سكّان أحد الوديان الذين سيُطلق عليه بعد قرون اسم «نيو مكسيكو». رسم هؤلاء تلك الألعاب النارية السماوية؛ التي كانت على الأرجح أكثر سطوعاً من كوكب الزهرة، على وجه أحد الأجراف، وتبيّن سجلات صينية مفصَّلة عن «النجم الضيف» أنّه كان مرئياً خلال النهار لأكثر من 3 أسابيع، وخلال الليل لحوالي سنتين.

يُقدّر الفلكيّون أنه ربما انفجر ما يصل إلى 50 نجم في مجرّتنا خلال الألفية الأخيرة، بمعدّل نجم واحد كل عقدين من الزمن تقريباً، لكنّ انفجار المستعر الأعظم سنة 1054 هو واحد من بين 5 انفجارات نجمية حددَها الباحثون بثقة في السجلات التاريخية، وآخرها حدث منذ أكثر من 400 سنة. إذاً أين كل المستعرات الفائقة؟ أين الألعاب النارية السماوية؟

استكشف فريق من الفلكيين المفتونين بهذا التناقض مؤخراً مدى صعوبة رصد المستعرات الفائقة، وما المواقع في السماء التي من المرجّح أن تُرصد فيها. أعلن الفلكيون في ورقة؛ ليست مدقّقة بعد، نُشرت مؤخراً على موقع «أركايف»، عن نتائج غريبة: على الرغم من أنّ العدد الكلي للمستعرات الفائقة لا مشكلة فيه، إلى أنّ مواقعها كلها كانت خاطئة.

يقول «براين فيلدز»؛ فلكي في جامعة الينويز، ومؤلّف مشارك للدراسة الجديدة: «لقد فوجئت، كل المستعرات الفائقة أخذت مواقع مختلفة عن تلك التي تنبّأ بها النموذج النظري».

بعد أن ينفجر أحد النجوم ويمر بمرحلة المستعر الأعظم، يبقى الغبار والغازات، وتُعتبر مراقبة هذه الانفجارات النجمية إحدى الطرق التي يراقب بها الفلكيون توسُّع الكون، ويمكن لبقايا نجم من نوع آخر أن تقدم لنا طريقة أخرى.

قام عدد من الباحثين في مرحلة قبل التخرّج -تضمنت «تانر مورفي وجيكوب هوغان»- بالعمل على تحليل عمل باحثين آخرين لمواقع المستعرات الفائقة المرجّحة في درب التبّانة. تعامل الباحثون مع المجرّة كأنها مثل بيضتين مقليّتين موضوعتان فوق بعضهما: المجرّة لها قرص مسطّح (والذي نراه كنهر من النجوم مار في السماء) له انتفاخ دائري في الوسط. يجب أن تكون المستعرات الفائقة أكثر انتشاراً في الوسط حيث تحتشد النجوم؛ وبالأخص العمالقة الحمر المنتفخة الجاهزة للانفجار، بالقرب من بعضها. بيّنت هذه الحسابات سابقاً أنّ نجماً واحداً يموت كل بضعة عقود في مكان ما في الانتفاخ، أو في القرص.

لكن لا تُلاحظ كل الانفجارات من قبل الراصدين، إذ أنّ الغبار الذي لفظته الأجيال السابقة من النجوم يجعل المجرّة بأكملها؛ وخاصة مركزها، تبدو ضبابية، ويمكن أن يكون من الصعب رؤية المستعرات الفائقة الموجودة على الجهة الأخرى من القرص من الأرض، وليدخُل مستعر أعظم في السجلات التاريخية، يجب أن يكون مثيراً للانتباه للغاية. قدّر الفريق أنه ربما واحد من أصل 5 انفجارات للمستعرات الفائقة تكون ساطعةً بما يكفي لتخترق الضباب الغباري، وتتألّق لـ 90 يوماً، مما يعني أننا قد نتوقّع وقوع هكذا حدث مرّة كل قرن أو اثنين كما تشير السجّلات التاريخية.

النتيجة النهائية كانت خريطة توضّح المواقع في السماء التي من المرجح أن تُرصد فيها أكثر انفجارات المستعرات الفائقة سطوعاً، ولم تكن خريطة معقّدة. شملت الخريطة مواقع حوالي 300 حادثة انفجار معروفة بالنسبة للباحثين، تجمّعت في القرص المجرّي وبالأخص قرب مركز درب التبّانة.

لكنّ هذه المواقع ليست نفسها التي وثّقها الفلكيون القدماء عن النجوم العابرة؛ والتي انفجرت فوق وتحت القرص. المستعر الأعظم في 1054 خلّف سحابة حُطاميّة في الجهة المعاكسة تماماً (خلفنا، بعيداً عن مركز المجرّة). يقول فيلدز: «هذا هو أكثر موقع مستبعَد في نموذجنا؛ وهو الذي رُصد فيه أشهَر مستعر فائق. هذا مذهل للغاية بالنسبة لي».

لا يستطيع الباحثون القيام بادّعاءات قوية إحصائياً باستخدام حفنة من الأحداث الموثّقة، لكنهم يتوقّعون أنّ المواقع الغريبة للمستعرات الفائقة التاريخية تُشكّك في افتراض واحد على الأقل من افتراضاتهم. مثلاً، التعامل مع مجرّة درب التبانة كبيضتين مقليتين ليس نموذجاً فائق الدقة؛ إذ أنه لا يأخذ بالحسبان تجمّع النجوم ضمن الأذرع الحلزونية، وهو أمر يأمل الباحثون أن تشمله الأبحاث المستقبلية.

تُبيّن نتائج الفريق أيضاً فجوة في السجلات التاريخية. كل التقارير تأتينا من حضارات في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، على الرغم من أنّ الراصدين في جنوب أميركا، أفريقيا وأستراليا كان لديهم منظور أوضح للقرص المجرّي. ربما تكون تمثيلات حضارة الإنكا للمستعر الفائق الذي انفجر سنة 1054 مدفونة في مكان ما في غابات الأمازون في البيرو.

يخبرنا الفلكي في جامعة لويزيانا «برادلي سكافر» -غير مشارك في الدراسة- في رسالة عبر البريد الإلكتروني أنّ المجموعة أنجزت عملاً جيداً، وصنعت خريطة سماوية منطقية تتلائم مع النتائج السابقة، ولا تقلقه المواقع الغريبة للمستعرات الفائقة التاريخية كثيراً، نظراً لعددها القليل وغياب السجلات من نصف الكرة الجنوبي.

ينصبّ جزءٌ كبير من الاهتمام في هذا المجال الفلكي التاريخي على فهم كيف فكّرت الحضارات القديمة بالنجوم، لكنّ البيانات القديمة يمكن أن تقود إلى اكتشافات علمية حديثة. بحسب فيلدز، فالعديد من المواقع التي تحتوي على حطام النجوم ما زالت تشتعل كسُحُب متوسّعة، وتحديد أصولها يمكن أن يساعد الفلكيين في معرفة تاريخها.

يتأمّل الباحثون أيضاً في الماضي ليُجهّزوا للمستقبل. عندما ينفجر المستعر الفائق التالي، سواء بعد سنة أو قرن، فلن يفوّت الفلكيون ذلك بالتأكيد. رصدت كاشفات النيوترينو مستعراً فائقاً في مجرة قريبة سنة 1987، وإذا حدث شيء مشابه في مجرتنا، يقول فيلدز أنه سيضيء «كشجرة عيد الميلاد».

قد لا يهتم الباحثون اليوم إذا انفجر نجم مَحلّي، لكنهم سينبّهون بعضهم بسرعة، منسّقين أرصاد النيوترينو والأمواج التثاقلية، ومجالاً واسعاً من الأطوال الموجية الضوئية لتحويل أخفت الانفجارات إلى أكثر المستعرات الفائقة المفهومة في التاريخ.

هناك فرصة جيدة لأن نرى الانفجارات بالعين المجردة أيضاً. انفجار مستعر أعظم رائع طويل الأمد قد يكون حدث يقع مرة كل بضعة قرون، لكن سيوجّهنا الباحثون والإنترنت لرؤية حتى أخفت الانفجارات. حسب تقدير فيلدز في البحث الجديد، ربما تكون نصف الانفجارات بالكاد مرئية فقط إذا علمنا أين نبحث، وقد يحدث أحد هذه الانفجارات في أي يوم في هذه الفترة.

يقول فيلدز: «سيكون من الرائع حقًا أن نرصد مستعراً فائقاً مجرياً، علينا فقط أن ننتظر، وسوف يحدث ذلك».

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً