هاتفك الذكي يمكنه التمييز بين أنواع البعوض عن طريق أزيزها

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يُعد أزيز البعوض مثيراً للإزعاج وحسب، بل إنه ينذر بالسوء. فهو يدل على احتمال تعرضك للسع. وفي أحسن الأحوال، ستتعرض للسعة تثير الحكاك، ولكن في بعض الأحيان، وفي المناطق التي تنتشر فيها الأوبئة مثل الملاريا أو الضنك، قد تكون هذه اللسعة قاتلة. غير أن هذا الصوت المزعج يعتبر مصدراً غنياً بالمعلومات للباحثين الذين يدرسون الحشرات، حيث أن تردد الصوت الرفرفة السريعة لأجنحة البعوض يمكن أن يدل على شيء مفيد: نوع البعوض.

لا تشكل الصلة ما بين نوع البعوض وصوت الأجنحة أمراً جديداً بالنسبة لعلماء الحشرات، غير أن المهندسين في ستانفورد جمعوا ما يصفونه بأنه أكبر قاعدة بيانات مرجعية لأصوات أجنحة البعوض، وهو تحليل ترددي لأصوات أجنحة أكثر من 20 نوعاً مختلفاً. يبدو هذا الرقم ضئيلاً (بضآلة البعوضة نفسها) مقارنة بالعدد الكلي المعروف من أنواع البعوض، والذي يبلغ تقريباً 3,500، ولكن الباحثين الذين جمعوا الأصوات قرروا التركيز على الأنواع التي تعتبر أساسية في نقل الأمراض، إضافة إلى الأنواع التي تمكنوا من دراستها.

يأمل العلماء المشرفون على هذا المشروع أن يقوم الناس حول العالم بتسجيل صوت البعوض في البرية باستخدام هواتفهم، وإرسال هذه الأصوات بالإنترنت لمقارنتها مع السجل الرئيسي، وذلك لمساعدتهم على فهم توزع أنواع البعوض. ولبناء قاعدة البيانات هذه، قاموا باستخدام هاتف سامسونج قديم ورخيص، أي أن أي هاتف عادي يمكن أن يستخدم كأداة لجمع الأصوات.

قامت هاريبريا موكونداراجان، طالبة دكتوراه في قسم الهندسة الميكانيكية في ستانفورد والمؤلفة الأولى للدارسة، بنشر مقالة عن هذا البحث في مجلة eLife، وتقول إنهم سجلوا معظم الأصوات في مراكز السيطرة على الأمراض ومختبرات الوقاية، حيث قاموا بجمع العينات من مستعمرات مؤلفة من المئات من البعوض. كما تقول إن دقة خوارزميتهم في تحديد نوع البعوض تبلغ حوالي 68%.

أما الهدف العام من البحث فهو تحديد توزع أنواع البعوض، حيث أنها تجلب الأمراض مثل الملاريا (الذي حصد أرواح 429,000 شخصاً في 2015 وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية)، وزيكا، والضنك. تقول موكونداراجان: “من المهم أن نحدد توزع البعوض حول العالم، لأنها تنتشر في العديد من المواطن الجديدة الآن”. وتشير إلى أن معرفة أماكن توزع الأنواع المختلفة سيساعد مسؤولي الصحة العامة على توجيه آليات الإبادة لهذه الحشرات بشكل دقيق. ولهذا تعتقد موكونداراجان أن تسجيل أصوات هذه الحشرات ومقارنتها مع البيانات التي يجمعها الناس العاديون، سيساعد على رسم خرائط أكثر دقة لتوزع البعوض.

تقول موكونداراجان: “التعامل مع الصوت سهل. وهو طريقة تمكننا من تحديد نوع البعوضة عن بعد”. قام الفريق بإطلاق موقع إلكتروني للمشروع، وأطلقوا عليه Abuzz، حيث يمكن أن يقوم أي شخص بتقديم تسجيلات صوتية أجريت بالهاتف، سواء أكان هاتفاً قديماً أو آيفون.

لمزيد من التأكد، توجد خرائط لتوزع البعوض وفقاً للأنواع، وقد عرضت إحدى الدراسات في 2012 بعض الخرائط الممتازة لتوزع أنواع البعوض، ولكن موكونداراجان تقول أن هدفهم التوصل إلى خرائط ذات دقة أعلى بالاعتماد على عدد أكبر من نقاط البيانات.

تعتبر باعوضة الزاعجة المصرية Aedes aegypti من أشد أنواع البعوض خطورة وفتكاً، ويعتبر أحد الحوامل الأساسية لبعض الأمراض مثل الحمى الصفراء، والضنك، وزيكا. تقول موكونداراجان: “إنه نوع مخيف حقاً، لأنه ينتشر في مواطن جديدة وعلى نطاق واسع”. يشتهر هذا النوع بالقدرة على التكاثر ضمن مساحات صغيرة، مثل أصيص زهور، ضمن البيئات الحضرية. ومن أنواع البعوض أيضاً Anopheles gambiae، والذي يحمل الملاريا. يهدف البحث إلى وضع خرائط أكثر دقة لتحسين برامج إبادة البعوض، والتقليل من الأوبئة التي ينقلها.

تقول موكونداراجان أن الفريق تلقى حوالي 200 تسجيل للبعوض حتى الآن، وأنها تعمل على تلقيم هذه التسجيلات يدوياً للخوارزمية التي تحدد نوع البعض. وتأمل أن تحصل على تسجيلات من أماكن مثل البرازيل، والهند، والمناطق الريفية في أفريقيا، إضافة إلى زيادة مستوى الأتمتة في العملية.

وفي حين أن أصوات أجنحة البعوض تقدم معلومات قيمة للباحثين، فهي تلعب أيضاً دوراً في دورة حياة الحشرات نفسها. وتقول موكونداراجان أن هذا الصوت “مفيد للغاية في العثور على الشريك، وتختار الأنثى قرينها بناء على قدرته على موائمة تردد صوته لتردد صوتها”، حيث أن أزيز الإناث أخفض في الطبقة الصوتية، وأزيز الذكور أعلى.