يجب ألا نتجاهل الأفكار التي تأتي من الأدمغة النامية للمراهقين

إنهم يدركون تماماً ما يمرون به. حقوق الصورة: ويكيميديا كومنز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما بدأ طلاب مدرسة ستونمان دوغلاس الثانوية صفهم في 14 فبراير، فقد كان يبدو عيد الحب يومها مثله مثل أي يوم آخر. ولكن بحلول الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، أصبح من الواضح بأنه يوم ستظل ذكراه السيئة مدى الحياة. إذ أقدم نيكولاس كروز – البالغ من العمر 19 عاماً والذي طرد من مدرسة ستونمان دوغلاس العام الماضي – على قتل 17 طالباً وجرح 14 آخرين، مما يجعله واحداً من أعنف حوادث إطلاق النار في المدارس في التاريخ الأميركي.

خلال الأسبوعين التاليين لذلك الحادث، تحدث العديد من المراهقين الناجين إلى الصحف الوطنية والشبكات الإخبارية التلفزيونية حول مواجهة عنف الأسلحة النارية، ونظموا احتجاجات واجتماعات تشريعية للمكافحة من أجل فرض رقابة أكثر صرامة على الأسلحة في الولايات المتحدة. وفي حين أن الكثيرين تحدثوا لدعم جهودهم – من الشخصيات السياسية إلى بعض المشاهير مثل إلين دي جينيريس – فإن آخرين قد اختلفوا ليس مع رسالة الناجين فحسب، بل أيضاً مع فكرة أن لديهم الحق في قول أي شيء على الإطلاق.

وتم وصف طلاب مدرسة ستونمان دوغلاس الثانوية بأنهم غير ناضجين وعديمو الاحترام وعاطفيون بشكل مفرط. إذ بدت دوافعهم موضع تساؤل، كما هو الحال مع وضوح تفكيرهم. وتم إعادة مشاركة تغريدة نشرت في عام 2008 من قبل المتحدثة باسم الاتحاد القومي الأميركي للأسلحة دانا لوش والتي قالت إن “المراهقين يضايقونني” بعد تفاعلاتها الشرسة مع الناجين من مدرسة ستونمان دوغلاس وأنصارهم. فبالنسبة للكثيرين، يبدو بأن الطلاب أصغر من أن يكون لديهم رأي حول إطلاق النار الذي أثر بشكل كبير على حياتهم.

لكن نيكولاس ألين – الخبير في تطور المراهقين في جامعة أوريجون – يقول بأن الفصل الشامل للمراهقين على أساس عمرهم أو تطورهم الإدراكي المتصور هو أمر لا مبرر له. والأكثر من ذلك، فإن الأسباب التي تدفعنا إلى القيام بذلك لا تستند إلى العلم على الأرجح، بل إلى سوء تفسير الأبحاث الحديثة حول التطور العاطفي والإدراكي للمراهقين.

تصدّر المتظاهرون الطلاب عناوين الأخبار بسبب احتجاجاتهم الصوتية على حرب فيتنام، والتي اعتبرها كثيرون في ذلك الوقت بأنه غير أميركية.
حقوق الصورة: ويكيميديا كومنز

وغالباً ما تعتبر المراهقة – التي تحددها منظمة الصحة العالمية حالياً بأنها من عمر 10 إلى 19 – مفهوماً جديداً إلى حد ما. إذ ظهرت الكلمة بحدّ ذاتها لأول مرة في اللغة الإنجليزية في خمسينيات القرن الخامس عشر، ولكنها اكتسبت قوتها في أوائل القرن العشرين. ومع ذلك، فقد ميزت مختلف الثقافات مرحلة الانتقال من الطفولة إلى سن البلوغ – غالباً ما كانت تنذر بفترة من التعلم والتفكير المكثفين – منذ آلاف السنين. وهناك بعض الأمثلة الشائعة على الاحتفال ببلوغ الشباب أو البنات سن البلوغ. ويقول ألين: “حتى في المجتمعات القديمة والتقليدية، كان هناك بعض الإحساس بوجود فترة لا يكون فيها الشخص طفلاً ولا يكون راشداً بعد. إذ أن هناك العديد من العمليات التي ترتبط بهذا الانتقال، والتي غالباً ما يتعين عليها التعامل مع تعلم المهارات المطلوبة لاستكشاف عالم الكبار.”

وفي الآونة الأخيرة، بدأ العلماء بتحديد العلامات التجريبية والبيولوجية للمراهقة. فمن الناحية الجسدية، يخضع جسم الإنسان لتغيرات هائلة في سنوات المراهقة، وذلك بفضل بداية سن البلوغ. فالبلوغ – وزيادة الهرمونات التي تترافق معه – يسبب أيضاً تغيرات هائلة في التطور المعرفي والاجتماعي والجنسي. فالمراهقون – على سبيل المثال – يشعرون بالتعب بشكل طبيعي في وقت متأخر من المساء أكثر من الأطفال أو البالغين. ومن المعروف بأن القشرة أمام الجبهية – وهي جزء الدماغ المرتبط بالوظائف التنفيذية – تعتبر غير مكتملة حتى سن 25.

وفي عام 2011، شقت فكرة القشرة أمام الجبهية غير الناضجة طريقها إلى الوعي الشعبي عندما نشر ديفيد دوبس مقالته عن أدمغة المراهقين في ناشونال جيوغرافيك. وتحدث دوبس في مقالته عن كيف أن أبنائه المراهقين كانوا أذكياء وعاطفيين، ولكنهم أيضاً متهورين ومعرضين للخطأ. وكانت هذه القصة (والكثير غيرها حول نفس الموضوع) دقيقة في تناولها لتطور المراهقين والاختلاف الفردي. ولكن ما تمسك به الناس هو الفكرة التي تقول بأن المراهقين ليسوا مكتملي التطور – أو عقلانيين بالكامل – حتى منتصف العشرينات من أعمارهم، عندما يكتمل نمو القشرة أمام الجبهية.

من وجهة النظر هذه، يكون من الأسهل معرفة سبب رغبة الأشخاص في صرف النظر عن المراهقين الناجين من إطلاق النار الجماعي، فهم أصغر بعشر سنوات تقريباً من عمر البلوغ “الحقيقي”. ولكن الخبراء في نمو المراهقين يقولون بأن هذه نسخة شديدة البساطة من القصة.

ولكن يتطور كل شخص بسرعة مختلفة، مما يجعل الرقم السحري 25 مختزلاً. ويقول: “يأخذ بعض المراهقين أدوار الكبار حقاً في نهاية مراهقتهم، ولا يأخذ البعض الآخر أدوار الكبار حتى أوائل الثلاثينات من العمر. وأفضل طريقة للحديث عن المراهقة هي التفكير في هذه العمليات، بدلاً من التفكير بالعمر الزمني، والذي يعدّ علامة أقل أهمية بكثير في هذا العمر.” كما أن الناس يتغيرون بشكل كبير خلال يوم واحد. (كما يعرف أي شخص لديه أولاد مراهقون، فإن قدرات المراهقين على وجه الخصوص تتفاوت بنطاق مدهش). ففي حين أنهم قد يتصرفون بحماقة في إحدى اللحظات، فإنهم يستطيعون الظهور كشخص مثقف في اللحظة التالية.

ويقول ألين بأن هذا يرتبط بمرونة الدماغ التي تُعد علامة مميزة للمراهقة. إذ تظهر جميع الدراسات التجريبية بأن الشباب يواجهون مشكلة مع القرارات التي تتخذ بانفعال خلال لحظة حاسمة. ولهذا يعتقد ألين بأنه يجب أن يكون هناك قوانين صارمة لثني المراهقين – وحمايتهم – عن اتخاذ خيارات متهورة، مثل القيادة أثناء الثمالة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالقرارات التي تتيح لهم الوقت للتفكير، فإن الأدلة تشير إلى أن مهارات المراهقين يمكن أن تكون مساوية لشخص بالغ تماماً. ويقول ألين: “عندما يتعلق الأمر ببعض القرارات مثل التصويت والنشاط السياسي، فهذه تعدّ من القرارات التي يتخذها الناس استناداً إلى المعلومات والتفكير. وتشير الأدلة إلى أن معظم الأطفال في سن 16 سنة يتمتعون بنفس القدر من الكفاءة التي يتمتع بها البالغون في اتخاذ هذه القرارات.”

ينتقد الشباب الوضع الراهن في مراحل مختلفة عبر التاريخ. ويحتج الناس هنا ضد الأسلحة النووية.
حقوق الصورة: ويكيميديا كومنز

ولن يكون كل ما يقوله المراهق أو يفعله ذكياً أو جيداً. (يجب ملاحظة أن نفس الشيء ينطبق أيضاً على البالغين). ويجب أن نبذل قصارى جهدنا لحماية المراهقين من أولئك الذين يستغلون هفواتهم العرضية في إصدار الأحكام. ولكننا نستطيع – ويجب علينا – أن نستمع إلى المراهقين وأن نتحدث معهم حول تصوراتهم عن العالم. ويقول ألين: “في كثير من الأحيان، فإننا نفكر في المراهقين من وجهة نظر الوالدين. فما نفعله غالباً هو التحدث عن الطرق التي يقوم فيها المراهقون بإزعاج الآباء ثم محاولة تفسير ذلك كنوع من صفة عدم النضج”. ولكن الأدلة تشير إلى أن المراهقين ليسوا مجرد نسخ مصغرة عن البالغين تسيء التصرف، بل هم في مرحلة فريدة من النمو، ومناسبة تماماً للمتطلبات الخاصة في سن المراهقة.

ويتفق الخبراء إلى حد بعيد على أن هناك ثلاث مراحل رئيسية في مرحلة المراهقة. إذ يأتي أولاً سن البلوغ، والذي يتظاهر في الغالب من خلال التغيرات الجسدية. ويلي ذلك ما يسمى بمرحلة المراهقة المتوسطة حيث يبدأ الشباب بتطوير التنظيم الذاتي واستغلال عواطفهم. ويمكن وصف هذه المرحلة على أنها المرحلة الجامحة، حيث يظهر الجنس والمخدرات والرقص والموسيقى الصاخبة. وتتميز المرحلة الثالثة والأخيرة – وهي البدء بمرحلة البالغين – بشباب يحاولون إيجاد مكان في عالم الكبار. فهم الآن يحاولون التوافق مع ما كانوا يخالفونه مؤخراً.

في كل هذه المراحل، يعد التجريب أساساً لنجاح المراهق، في الضراء والسراء. وقد يقوم المراهقون بخطوات خطيرة، ولكن غالباً ما تكون أفعالهم المتمردة هي في الواقع سليمة تماماً. ويقول ألين: “يحتاج المراهق إلى التجربة واختبار المخاطر ومحاولة القيام بأشياء مختلفة. وإلا، فإنه سيصبح مجرد نسخة كربونية من والديه.” قد تبدو هذه الفكرة جيدة للوالدين في الوهلة الأولى – إذا كان ابنك مثلك تماماً، فلن تحتاج إلى الكثير من القواعد المنزلية – ولكنه سيعني أيضاً بأن ابنك لن ينمو أبداً. إذ أن القدرة على اتخاذ القرارات الخاصة هي السمة الحقيقية للبلوغ. ويصدف أن ذلك يتطلب ارتكاب الأخطاء (والتعلم منها كما هو مأمول) خلال هذا الطريق.

من الواضح بأن معظم المراهقين لديهم الكثير ليتعلموه عن العالم وعن الطريقة التي ينسجمون بها معه. ولكن كما يقول ألين، فإن العالم لديه الكثير ليتعلمه من المراهقين، سواء أرادوا الاعتراف به أم لا. ويقول: “إن ما يضيفه المراهقون إلى الوضع هو هذه القدرة على الابتكار والتفكير الجديد والتجريب. وهذا أمر بالغ الأهمية للحضارة. فإذا لم يكن ذلك موجوداً، فستظل الحضارة على ما هي عليه”.

وبدلاً من تجاهل المراهقين في المرة القادمة التي يتكلمون فيها عن رأيهم الذي يعتقدون بأنه صحيح، فإنه يجب علينا دفعهم للتفكير بشكل نقدي وتصحيح آرائهم في مواجهة الحقائق. ولكننا يجب أن نسمح لأنفسنا بأن ننتقل – من خلال رؤيتهم – إلى عالم مختلف، مع أمل بأن يكون عالماً أفضل.