نجم لا يتوقف عن الانفجار والتوهج

أنا ما زلت على قيد الحياة!
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من أسوأ الكلمات التي تستخدم للحديث عن العلم باستمرار هي كلمة “الحيرة”، خصوصاً في المملكة المتحدة، حيث نقراً على الدوام عناوين رئيسية في الصحف على الشكل التالي: العلماء يصابون بالحيرة بسبب اكتشاف جديد. غير أن رؤية تصريح كهذا يثير غيظ العلماء في الواقع، لأن الأوساط العلمية نادراً ما تصاب بالحيرة بهذا الشكل. فالعلم ليس مجرد مجموعة من الحقائق التي لا يمكن معاكستها بدون الاصطدام بلغز محير كلياً، بل هو طريقة للبحث عن الحقيقة نقدم فيها زيادات صغيرة وتراكمية إلى فهمنا للطبيعة بشكل مستمر وثابت. وتكون الاكتشافات مثيرة للجدل إذا اقترحت ضرورة وجود تغيير هام قريب في النماذج الحالية، وهي بشكل عام مفاجئة بعض الشيء، لأنه يوجد الكثير مما لا نعرفه بطبيعة الحال.

ولكن في هذه الحالة، يمكن القول إن الاكتشاف محير فعلاً، وبكل ما في الكلمة من معنى. ففي دراسة نشرت مؤخراً في دورية “نيتشر”، يصف الفلكيون حالة غريبة وغير مسبوقة لنجم يرفض ببساطة أن يموت. يبدو هذا النجم كمستعر أعظم (الانفجار الأخير الذي ينهي حياة النجم)، وله نفس ميزات المستعر الأعظم، غير أنه يتكرر بدون توقف، ولا يدري العلماء ما هو السبب بالضبط.

يقول مؤلف الدراسة نيك كونيداريس من معهد كارنيجي للعلوم في مقابلة مع موقع جيزمودو: “عندما رأيت البراهين على صحة الورقة البحثية أصبت نوعاً ما بالذهول”. وبما أن كل أب يعتقد أن أولاده رائعون، فليس من الغريب أن نرى الباحثين يتحدثون عن دراساتهم بإيجابية، غير أن باحثين آخرين يوافقونه الرأي أيضاً.

يقول الفلكي الفيزيائي ستانفورد ووسلي من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، والذي لم يشترك في الدراسة، لموقع Space.com: “أنا لست متأكداً مما يجري بحق السماء، ولا أعتقد أنه يوجد من هو متأكد. ولكن هذا الأمر حدث على أية حال، وهو ما يتطلب التفسير”.

كيف يفترض للمستعر الأعظم أن يبدو؟

يقول المؤلفون في السطر الافتتاحي لدراستهم: “كل مستعر أعظم رُصد حتى الآن تم اعتباره الانفجار النهائي لنجم ما”. وعلى الرغم من أن الانفجار موجود بالتأكيد، فإن هذه الاكتشافات الجديدة تلقي بعض الشك على كلمة “نهائي”. ولكن قبل أن نشرح ما هو الغريب بشأن هذا الاكتشاف الجديد تحديداً، لنلق نظرة سريعة على المستعر الأعظم التقليدي.

تشير جميع الدلالات التقليدية إلى أن الجسم iPFT1hl4s (اسم انسيابي اللفظ، أليس كذلك؟) مستعر أعظم من النوع 2. ويحدث هذا النوع عندما تموت النجوم الهائلة. حيث تنتهي طاقة الاندماج النووي فيها، وتبقى العناصر الثقيلة التي تملأ نوى هذه النجوم، حيث أنه لا يمكن لنجم أن يحصل على الطاقة عن طريق اندماج عناصر أثقل من الحديد. وأخيراً، تنهار النواة على نفسها، ما يتسبب بتحطم الطبقة الخارجية للنجم مبتعدة عنه بانفجار ضخم وساطع. تتجه هذه الغازات الخارجية إلى الفضاء – وقد تشكل في بعض الأحيان عناصر ثقيلة مثل الذهب، وذلك بفضل الطاقة المذهلة للانفجار نفسه – حيث تزرع البذور اللازمة لتشكل النجوم والكواكب في المستقبل. أما النواة المتبقية فتتحول إلى نجم نيوتروني أو ثقب أسود، اعتماداً على الكتلة. يحدث الانفجار خلال فترة قصيرة لا تتجاوز بضع ثوانٍ، كما في أغلب الأحيان، ويخفت الضوء الناتج عنه بعد بضعة أشهر.

تتابع السطوع والخفوت للجسم iPTF14hls خمس مرات على الأقل خلال سنتين. وهو سلوك لم نره من قبل في مستعرات عظمى سابقة، والتي عادة ما تبقى ساطعة لمدة 100 يوم تقريباً ثم تخفت نهائياً.
حقوق الصورة: مرصد لا كومبر/ ويلكنسون

ما الشيء الغريب بخصوص هذا المستعر الأعظم؟

كما في أغلب الحالات، نجد أن الموقع والتوقيت هما أهم شيء. أولاً، ظهر iPFT1hl4s تماماً في مكان شيء بدا أنه يشبه مستعراً أعظم التقطت صورته في 1954. ويقول الباحثون أنهم شبه متأكدين من أن هذه ليست صدفة، نظراً لمعلوماتنا عن ندرة المستعرات العظمى (ولكن يبدو أن معلوماتنا حول أي شيء لم تعد موثوقة)، ومن غير المرجح أن نجماً قريباً منه لهذه الدرجة انفجر قبل فترة وجيزة. ويكاد اكتشاف حدثين قريبين من بعضها لهذه الدرجة سابقة تاريخية في علم الفلك، كما يقول مؤلفو الدراسة لصحيفة واشنطن بوست، وبالتالي يبدو احتمالاً بعيداً أن حدثاً نادراً كهذا يقع تحديداً لنجم ذي سلوك غريب كهذا.

وهنا نصل إلى الناحية الثانية من غرابة iPFT1hl4s، والتي تدعو الكثيرين لتسميته بالنجم الزومبي (من الأحياء الأموات في أفلام الرعب): حيث أن الضوء الناتج عن انفجاره بقي يسطع لعامين تقريباً، أي ما يقارب ستة أضعاف الفترة المعتادة، وهو أمر مثير للاهتمام بحد ذاته. ولكن خلال هذه الفترة، لم يخفت الضوء بشكل ثابت، بل صار يتغير بشكل عشوائي، ما يقترح أن iPFT1hl4s كان ينفجر بشكل متكرر طوال هذه الفترة.

عند الجمع ما بين هذه الحقائق، نميل إلى التخيل بأن هذا النجم الغريب قد نجا من انفجاره في 1954 ليبدأ بالانفجار من جديد في 2014. ويبدو أنه توجد نظرية تفسر هذا: نموذج عدم الاستقرار الزوجي النبضي. وتقول هذه النظرية أنه يمكن لنجم هائل الضخامة (أكبر من شمسنا بمئة مرة على الأقل) أن ينفجر أكثر من مرة قبل أن يموت فعلياً. وما نظنه علامة النهاية الحقيقية للنجم ليس سوى تفريغ للطاقة، بحيث يصبح النجم أقل استقراراً ولكن من دون أن يتحول فعلياً إلى مستعر أعظم.

يقول مؤلف المشارك دانييل كيسن من جامعة كاليفورنيا في بيركلي لشبكة بي بي سي: “وفقاً لهذه النظرية، من الممكن أن هذا كان نتيجة نجم ضخم وحار لدرجة توليد مادة مضادة في نواته. ما يتسبب بحالة عنيفة من عدم الاستقرار، وتكرر انطلاق انفجارات ساطعة على مدى السنوات”.

سيكون هذا أول مثال حقيقي على النظرية، ويلحظ مؤلفو البحث أن البيانات التي جمعوها لا تطابق النظرية بشكل كامل، ولكن هذا أفضل تفسير موجود حالياً، وفي الواقع، فهم يشعرون… بالحيرة.

يقول ستانفورد ووسلي من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز في مقالة عن البحث لدورية “نيتشر”: “حالياً، يمثل المستعر الأعظم أعظم إثارة للفلكيين. وهو شيء لا يمكن فهمه”.

من المحتمل أن iPTF14hls لا ينطبق تماماً على النموذج النظري نظراً لوجود أخطاء في النموذج نفسه، ولكن من المحتمل أيضاً أن العلماء اكتشفوا شيئاً جديداً تماماً. وبما أن الجسم يبدو كمستعر أعظم عادي (بغض النظر عن تغيراته مع الزمن) فقد لا يكون ظاهرة غريبة للغاية. وفي الواقع، نحن لا نعرف بالضبط كيفية عمل المستعر الأعظم حتى نحكم على حدث ما بأنه نادر الوقوع. ولزيادة معلوماتنا عن المستعرات العظمى، ومعرفة ما إذا كان iPTF14hls ظل باقياً وتابع انفجاراته حتى بعد آخر سطوع شديد له، يجب على العلماء ببساطة أن يتابعوا التحديق بالنجوم.