سنة 1853 قدّم العالم الفيزيائي الإسكتلندي ألكسندر وود والجراح الفرنسي تشارلز بافاز إختراعاً طبياً هاماً، لكنه لا زال حتى يومنا هذا مصدر رعب للأطفال، والذي هو الإبرة الطبية. وقد أصبح هذا الإختراع جزء من الصورة النمطية للأطباء. ورغم أن الأطفال - ولنكن صادقين، الكبار أيضاً - يكنّون الكثير من الحقد لهذه الأداة الطبية، فهم سيحبون الإبرة السعودية التي ظهرت مؤخراً، أيضاً بفضل مخترعين شابين.
يعاني كثير من الأطفال من مشكلة الأذن الخفاشية او الأذن البارزة، والتي تتجلى ببروز صيوان الأذن باتجاه الخارج بدل أن يكون قريباً من الجمجمة. ومن الممكن معالجة هذه الحالة عن طريق إجراء عمل جراحي، تقوم على شق الجلد خلف الأذن ونحت الغضروف حتى تعود الأذن للوضع الطبيعي. هذه العملية التي تترافق مع التخدير العام وتشهد نزيفاً خلف الأذن وتتطلب وضع رباط حول الرأس لمدة خمسة أيام، ليست تجربة جيدة بالنسبة للطفل. هذا ما فكر فيه الطبيب السعودي د. عبد الكريم رضا فدا طبيب جراحة الوجه وجراحة الأذن، الأنف والحنجرة، فقد بحث هذا الطبيب عن طريقة تساعد على نحت الغضروف دون التدخل الجراحي، وللحصول على المساعدة التقنية تواصل مع المخترع السعودي مشعل الهراساني صاحب الثلاثين براءة اختراع، وذلك من أجل تحقيق هذا السبق الطبي.
بعد عدة محاولات أثمر هذا التعاون عن ظهور إبرة مسننة كنصل المنشار، لكن بأبعاد الإبرة الطبية العادية، والتي يمكن لها الدخول من فتحة صغيرة خلف الأذن، لتتحرك وتنحت الغضروف دون الحاجة للعمل الجراحي، أي دون نزول نقطة دم واحدة. كما أن هذا الأسلوب سيجنب المريض التخدير العام حيث سيتم الاكتفاء بالتخدير الموضعي، هذا عدا عن تقليل كلفة المعالجة. وقد حصل المخترعان على براءة اختراع رقم 4109 من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وتكفلت شركة أي نيكس I Nex الفرنسية بتصنيع هذه الأداة الجديدة. وقد تم إطلاق هذا الاختراع خلال مؤتمر الصحة العالمي الذي استضافته دبي في فبراير الماضي.
لقي هذا الاختراع نجاحاً كبيراً على المستوى العالمي، حتى أن صاحبي الاختراع تلقيا دعوة من الحكومة الألمانية لزيارة ألمانيا وتدريب الأطباء على استخدام الإبرة، وهذا ما يعتبر اعترافاً مهماً بأهمية هذا المنتج السعودي وبفضل أصحاب هذا المنتج على عالم الطب.
هي عناصر أربعة اجتمعت معاً، علم جراحي، فكر إبداعي، رسالة إنسانية وتصميم على النجاح، فكانت النتيجة فتح جديد بعالم الطب، وهذه هي النتيجة الطبيعية لالتقاء العلم النظري مع المهارة التقنية الابتكارية، هذه هي باختصار قصة إبرة فدا.
للمزيد من المعلومات حول إبرة فدا يمكنك مشاهدة هذا الفيديو المنشور على قناة "ديجيتال لاب" في جامعة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية على يوتيوب: