لم يكتشف العلماء بعد السبب وراء حاجتنا للنوم، وهم يعلمون فقط ما يحدث لأدمغتنا عندما لا ننام. ولكن بحثت دراسة جديدة نُشرت في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي في دورية «كورينت بايولوجي» في نوع فريد من الخلايا نجمية الشكل تجاهلها العلماء لوقت طويل، والتي يمكن أن تكشف بعض الإجابات حول هذا الموضوع، وأن تحدد لنا بشكل أكبر مدى أهمية النوم وتنظيم النوم في حياتنا.
الخلايا النجمية هي خلايا دبقية (والتي تعني حرفياً «صمغ») توفر الدعم البنيوي للعصبونات في الدماغ، وحتى وقت قريب، اعتُقد أن هذه هي وظيفتها الأساسية. في هذه الدراسة الجديدة من جامعة ولاية واشنطن، استخدم الباحثون ميكروسكوبات صغيرة ليتعقّبوا عملية تدعى «تأشير الكالسيوم» في أدمغة الفئران.
هذه الخلايا، والتي تدعى الخلايا النجمية، تتصرف بشكل مختلف أثناء نومنا.
ترسل الخلايا النجمية، في أدمغة البشر والفئران على حد سواء، جزيئات الكالسيوم لبعضها لتتواصل وتوفر الدعم المطلوب لنشاط الخلايا العصبية. وجد الباحثون أنه عند الفئران في الدراسة، يتغيّر نمط تأشير الكالسيوم بين الخلايا النجمية تبعاً لما إذا كانت الفئران مستيقظة أم نائمة. هذا الاكتشاف بحد ذاته لم يكن مثيراً للغاية، وذلك لأنه قد يقتضي أن الخلايا النجمية «تقلّد» ببساطة سلوك العصبونات التي تدعمها.
مع ذلك، تُظهر العصبونات مستويات أعلى من النشاط خلال فترة اليقظة، وبذلك فهي تساعدنا في التفاعل والتفكير. لكن الدراسة الجديدة وجدت أن الخلايا النجمية تصرفت بطريقة معاكسة، أي: أصبحت أنماط إشارات الكالسيوم أكثر وضوحاً خلال فترة نوم حركة العين غير السريعة. وهذا، وفقاً للفريق، هو اكتشاف غريب.
تقول الدكتورة آشلي إنجيوسي، وهي عالمة أعصاب في جامعة ولاية واشنطن، ومؤلفة رئيسية للدراسة: «لأن الخلايا النجمية لا تقلّد نشاط العصبونات فحسب، فهذا يوحي لنا بأنها ربما تلعب دوراً مباشراً أكثر في تنظيم النوم مما كنا نعتقد سابقاً».
يستطيع العلماء منذ زمن دراسة النشاط العصبي في الدماغ عن طريق عملية تخطيط كهربية الدماغ (إي إي جي)، والتي تستطيع قياس الإشارات الكهربائية التي تنتقل بين العصبونات في الدماغ. ولكن الخلايا النجمية، لا تستطيع إرسال الإشارات الكهربائية، ولذلك فإن عملية التخطيط الكهربي لا تنفع في دراستها. حتى الآن، لم يكن لدى الباحثين الأدوات اللازمة لتتبع إشارات الكالسيوم في الدماغ. وفي الدراسة الجديدة، استخدم الفريق أدوات شديدة الحساسية تدعى المجاهر ثنائية الفوتونات، والتي سمحت لهم برؤية حركة الكالسيوم في الدماغ كومضات ضوئية متلألئة بدقة فائقة.
قد يساعد هذا التقدم التكنولوجي أيضاً في فهم السبب وراء حاجتنا للنوم بالأساس، وهو سؤال يحاول العلماء الإجابة عنه لفترة طويلة. ركزت معظم الدراسات في النوم على نشاط العصبونات لأن هذه الأخيرة تلعب الدور الأكبر في نشاط الدماغ، ولأن نشاطها هذا يمكن قياسه بعملية الـ إي إي جي. ولكن من المحتمل أننا كنا نبحث في الخلايا الخطأ.
تقول إنجيوسي: «بهذه الدراسة، أصبحنا نملك الآن نوعاً جديداً كلياً من الخلايا، ليست عصبونات، ولكنها تتغير بشكل ديناميكي بالانتقال من حالتي النوم واليقظة، وتلعب دوراً في تنظيم النوم».
قد توفر هذه المكتشفات الجديدة نقطة انطلاق للباحثين في مجال النوم لمعالجة اضطرابات النوم التي يمكن أن تنتج من عدة حالات، مثل اضطراب طيف التوحّد، واضطراب ما بعد الصدمة، ومرض الألزهايمر؛ وفقاً لإنجيوسي. لا يعلم مؤلفوا الدراسة بعد إذا ما كان من الممكن خلق بيئة مثالية للكالسيوم في الدماغ، أو التحكم بكمية النوم التي يحتاجها البشر. لكن هذه هي الأسئلة التي تثير الباحثين في مجال النوم.
على الرغم من كل الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها بعد، فإن إمكانية أن تلعب الخلايا النجمية دوراً في تنظيم النوم هو اكتشاف مثير يمهّد لبداية عصر جديد كلياً من البحث في مجال النوم.
تقول إنجيوسي: «ربما كنا نبحث في المكان الخطأ لبعض الوقت»، وتضيف: «من المحتمل أننا وجدنا طريقاً لاكتشاف السبب وراء النوم بالأساس».
اقرأ أيضاً: النوم لأقل من 5 ساعات يزيد من خطر الوفاة لكبار السن