كيف ظهرت كرة القدم ولماذا تثير فينا كل هذا الحماس؟

يُقال إن أول نصيحة تسمعها الفتاة المقبلة على الزواج هي ألّا تخيّر زوجها بينها وبين كرة القدم، لأن الإجابة لن تعجبها غالباً. فاليوم وقد قارب عدد سكان العالم عتبة الثمانية مليارات نسمة، يمكن القول إن هؤلاء الناس لا يتفقون على شيء بقدر ما يتفقون على عشق كرة القدم، كيف لا وعدد مشجعيّ الساحرة المستديرة يُقدَّر بخمسة مليارات إنسان من الرجال والنساء وحتى الأطفال. فلماذا كل هذا الشغف حول كرة القدم وكيف أصبحت الرياضة الأكثر شهرة في العالم؟

هل عشاق الساحرة المستديرة مخطئون؟ أصل كرة القدم ضارب في التاريخ

يعود تقليد ركل مجموعة من الأشخاص لكرة إلى أكثر من 2000 عام، يسبق حتى الألعاب الأولمبية. لكن أين بدأت كرة القدم وكيف نجت لتصبح الحدث الرياضي الأضخم على مستوى العالم؟ في الواقع، إن كرة القدم لم تبدأ في إنجلترا مثلما يعتقد الكثيرون، بل هي لعبة قديمة جداً انتشرت في جميع أنحاء العالم، فالكثير من الحضارات القديمة في عصور ما قبل التاريخ قد لعبت بالكرة باستخدام أقدامها مثل لعبة باهساهرمان (Pahsaherman) عند الأميركيين الأصليين، ولعبة مارن غروك (Marn Grook) عند سكان أستراليا الأصليين.

لكن، يقال إن أول لعبة كرة قدم مسجلة في التاريخ تعود إلى فترة الدول المتحاربة في الصين (476-221 قبل الميلاد)، وهي لعبة تدعى سوجو (Cuju) تتضمن استخدام القدمين فقط للتحكم بالكرة أثناء الجري والتمرير والتسجيل في الشبكة، مع عدم السماح باستخدام اليدين. ولأن هذه اللعبة تطلبت مهارة بدنية كبيرة، لذلك مُورست في البداية في التدريبات العسكرية، لكن شعبيتها انتقلت لاحقاً إلى الطبقات العليا والملاعب الملكية، فأصبحت لعبة ترفيهية في المدن الغنية.

ومن الممكن أيضاً أن يعود أصل كرة القدم الحالية إلى لعبة قديمة مشهورة في اليونان تُدعى إبيسكيروس (Episkyros)، وذلك بسبب رسمة منحوتة على إناء معروض في المتحف الأثري الوطني بأثينا، تجسد لاعب كرة قدم يونانياً قديماً يوازن الكرة، ويعود الإناء إلى فترة تمتد ما بين (400 و375) قبل الميلاد. تعتمد هذه اللعبة أيضاً على فريق جماعي مؤلف من 12 إلى 14 شخصاً، لكن وعلى عكس كرة القدم الاعتيادية، كان من المسموح استخدام اليدين لرمي وتلقي الكرة، لذلك يمكن ربطها بكرة القدم الأميركية أكثر من كرة القدم التقليدية.

ومن اليونان أخذها الرومان وركضوا بها حتى وصلت إلى إنجلترا. وعلى الرغم من أن أندية كرة القدم الإنجليزية قد تأسست منذ القرن الخامس عشر، لكنها لم تكن منظمة أو ذات صفة رسمية، حتى منتصف القرن التاسع عشر. ونتيجة حركة التجارة القوية بين إنجلترا وباقي الدول من حول العالم، فقد انتشرت كرة القدم كالنار في الهشيم، ثم وعلى الرغم من تراجع الإمبراطورية البريطانية لاحقاً، فإن كرة القدم اكتسبت شعبية حول العالم وطوّرت الدول نسختها الخاصة من اللعبة.

واليوم يضم الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) 211 اتحاداً وطنياً، تتنافس كل 4 سنوات في بطولة كأس العالم التي تستمر لمدة شهر، والتي تقام في مواقع مختلفة حول العالم.

لماذا كل هذا الشغف بكرة القدم اليوم؟

إن كرة القدم أكثر بكثير من مجرد لعبة ذات شعبية كبيرة، ففوز فريق مؤلف من 11 لاعباً يغيّر مزاج أمة كاملة مهما كانت الأعباء الاقتصادية التي تثقل كاهلها، بل إن خسارة فريق ما تصبح أمراً يهِمّ ويُحزن المشجعين الذين قد لا يتكلمون لغة الفريق أساساً، فلماذا؟ في الواقع، ثمة مجموعة من الأسباب المختلفة التي تجعل كرة القدم ذات شعبية كبيرة بين الناس وتدفعهم إلى متابعتها، ومنها:

مستوى عالٍ من الترفيه والمتعة

كرة القدم ممتعة، وهذا ما يشعر به دماغنا؛ فعندما يلعب الفريق الذي نشجعه بشكل جيد يبدأ الدماغ في إطلاق الدوبامين، وهو ناقل عصبي يشارك بشكل مباشر في تنظيم مراكز المكافأة والمتعة في الدماغ. في حين أنه وعلى العكس من ذلك، عندما يكون أداء الفريق سيئاً، يزداد إفراز التستوسترون والكورتيزول عند الرجال والنساء ما قد يؤدي إلى الشعور بالتوتر والغضب.

جرعة عالية من التنافسية والتشويق والمفاجأة

كرة القدم مثيرة وممتعة من الناحية الجمالية، وهي ذات قدرة تنافسية عالية جداً، فـ22 شخصاً من كلا الفريقين ينصبّ كل تركيزهم على كرة واحدة، بل إن ملايين المشجعين يركزون في كل لحظة على كرة واحدة. يمكن القول إن كرة القدم وسيلة صحية للتنافس بين الفرق وبين الناس. بالإضافة إلى ذلك، وبما أن عدد الأهداف في كرة القدم ليس كبيراً بل يتطلب الأمر الكثير من المجهود للحصول على بعض النقاط، لذلك فإن التشويق فيها مرتفع جداً، ويبقى كذلك حتى انتهاء وقت المباراة.

قواعد بسيطة وسهلة الفهم

قواعد كرة القدم بسيطة وسهلة الفهم ولا تحتاج إلى معدات وأدوات معقدة، لا تحتاج في الواقع سوى لكرة وأقدام، فهي لعبة غير مكلفة يمكن لجميع فئات الشعب سواء كانت غنية أو فقيرة اللعب بها، سواء على أرض الملعب أو المسطحات الطينية أو حتى في الشارع، وهذا ما قد يفسّر شعبية كرة القدم الكبيرة جداً.

تعزيز احترام الذات

إن حاجة الناس إلى زيادة إحساسهم بقيمة الذات تقودهم إلى البحث عن روابط واسعة، مثل الإحساس بالارتباط بفريق كرة القدم. فالناس قد يستمدون احترام الذات من الارتباطات البسيطة مع الآخرين الناجحين، لذلك ليس مستغرباً أن يتكلم المشجع بصيغة الجمع لوصف إنجازات فريقه، في حين تراه بحالة حزن شديدة عند خسارة هذا الفريق.

تلبية الحاجة للانتماء والاتصال بعالم واسع

بالنسبة لمعظم الناس، فإن الحاجة إلى الانتماء أقوى من الرغبة في احترام الذات، فالترابطية الاجتماعية ببساطة هي حاجة إنسانية حاسمة، بحيث تُعتبَر الانتماءات الرمزية مع الآخرين إحدى الطرق التي نستخدمها لتكوين الانتماء. بالتالي وعند النظر إلى الحافز الذي يدفعنا لمتابعة كرة القدم والهتاف لها، فإن الانتماء إلى الجماعة هو أحد أهم الأسباب، وهو أمر مفيد للرفاهية الاجتماعية والنفسية، بل إن التماهي مع فريق محدد يرتبط بمستويات أقل من الشعور بالاغتراب والوحدة وبمستويات أعلى من الشعور باحترام الذات الجماعي والعواطف الإيجابية.

على سبيل المثال، تسمح رؤية شخص ما يرتدي شعار الفريق بالتواصل الفوري معه، فقد تسهّل هذه الهوية المشتركة التواصل بين الأفراد أو تزيد الشعور بين المعجبين بأنهم يتشاركون القيم، فجزءٌ كبير من الإحساس بالارتباط مع فريق كرة القدم لا ينتج فقط من الارتباط بالفريق وإنما نتيجة الارتباط مع قاعدة المعجبين، وهو ما قد يكون وسيلة فعّالة بشكل خاص لتعزيز الانتماء.

تلبية الحاجة إلى إيجاد الهدف والمعنى

على المستوى العالمي، نحتاج جميعاً أن يكون لدينا اتجاه واضح في الحياة، وأن نشعر كما لو أن لحياتنا معنى، فالأشخاص الذين لديهم إحساس أكبر بالهدف في الحياة يتمتعون برفاهية أكبر وقد يعيشون فترة أطول. بالتالي، فإن بدء مهمة جديدة في العمل أو بدء مشروع جديد أو أي شيء مثير نركز عليه اهتمامنا يعطينا إحساساً بمعنى للحياة. وعلى الرغم من أننا لا نملك سوى القليل من التحكم، هذا إن وجد، في مصير فريق كرة القدم المفضل، فإن الحديث عنه والاستماع إلى أخباره وشراء منتجاته وتشجيعه والبحث عن لاعبي الفريق ومشاهدة المباريات الكبيرة، يجعلنا نشعر بالارتباط مع الفريق أو بطريقة ما وكأننا مسؤولون عن نجاحه، وتصبح مشاهدة الفريق في المونديال ودعمه أولوية قصوى في حياتنا.

وسيلة لإنعاش اقتصاد البلاد

لا شك أن كرة القدم تحظى بشعبية متزايدة، فهي تساعد اقتصاد الدول النامية، بالإضافة إلى أنها وسيلة ناجحة تستخدمها العلامات التجارية للترويج لمنتجاتها.

ختاماً، قد نتابع كرة القدم لأسباب مختلفة، وقد تتعلق هذه الأسباب بنا أكثر مما تتعلق باللعبة بحد ذاتها، لكن ومهما كانت الأسباب، فإن شعبية كرة القدم تتكلم عن نفسها، ولا يمكن أن تكون إلا لعبة يملؤها التشويق والمتعة.