عندما يتعلق الأمر بتمارين القوة، يعتقد الكثيرون أن بناء العضلات تحكمه علاقة طردية مع الأوزان الثقيلة؛ أي كلّما زادت الأوزان زادت الكتلة العضلية، إلّا أن هذا الاعتقاد مُضلِّل. ففي السنوات الأخيرة، أظهرت الأبحاث أن استخدام الأوزان الخفيفة يُمكن أن يكون بفاعلية الأوزان الثقيلة نفسها في نمو العضلات، لكن ذلك يتطلب اعتماد التقنيات والاستراتيجيات الصحيحة.
فما هو الأساس العلمي لنمو العضلات؟ وكيف يمكن بناء العضلات باستخدام الأوزان الخفيفة؟
كيف تتضخّم العضلات؟
تُعرف العملية التي تزداد من خلالها العضلات في الحجم والقوة، بتضخّم العضلات (Hypertrophy)، حيث تتكوّن العضلات من حزم من الألياف العضلية (الخلايا العضلية). تحتوي كل خلية عضلية على لييفات عضلية تساعد العضلة على الانقباض. عند ممارسة تمارين رياضية مثل تمارين المقاومة أو رفع الأثقال أو حتى ممارسة مجهود عضلي كثيف، تتعرض ألياف العضلات لتمزقات مجهرية. يصلح الجسم الأنسجة العضلية التالفة ويرممّها عن طريق دمج الألياف معاً، ما يجعلها أكثر سمكاً وقوة. تحتاج هذه العملية إلى بروتين عضلي بدءاً من الأحماض الأمينية التي يوفّرها الغذاء. تُعرف هذه العملية باسم تخليق بروتين العضلات (MPS)، ويعتمد معدل حدوثها على عدة عوامل مثل حجم التدريب وكثافته وتكراره.
تساعد تمارين القوة والمقاومة الجسم على إطلاق هرمونات النمو والتستوستيرون، وعامل النمو الشبيه بالإنسولين، والتي:
- تعزّز نمو العضلات وتخليق البروتين.
- تنشّط الخلايا الساتلية (نوع من الخلايا المناعية) التي تساعد على تجديد أنسجة العضلات.
- تحسن كيفية معالجة الجسم للبروتينات.
اقرأ أيضاً: هل يمكن الحصول على عضلات قوية دون الذهاب إلى الصالة الرياضية؟
العناصر الأساسية لبناء كتلة عضلية
يتطلب بناء العضلات تضافر عدة عوامل أساسية مع بعضها بعضاً، وهي:
الاستمرارية
تُحفّز تمارين القوة والمقاومة المنتظمة نمو العضلات من خلال إحداث تمزّقات دقيقة في أليافها، والتي تُصلح نفسها مع مرور الوقت بتكرار الجهد.
التغذية المناسبة
يحتاج بناء الكتلة العضلية إلى تناول سعرات حرارية كافية يومياً لتعويض السعرات التي تحرقها خلال ممارسة الرياضة ولأداء الوظائف اللازمة للبقاء على قيد الحياة، مع فائض منها لإصلاح العضلات يتراوح بين 300 و500 سعرة حرارية إضافية يومياً في حال كنت تمارس التمارين بشكل قاسٍ، وترفع الأثقال إلى حد التعب نحو ثلاث إلى أربع مرات في الأسبوع. من الضروري أن يتضمن الغذاء نسبة كافية ومتوازنة من الكربوهيدرات والبروتينات والدهون لضمان أقصى قدر من الامتصاص والتوزيع لمكونات البناء الغذائية، بما فيها 1.4 إلى 2 غرام من البروتين لكل كيلوغرام من وزن الجسم، ثلاث بيضات، وهو ما يعادل قطعتين من اللحم، وكوب من لبن الزبادي، وصدر دجاج، وبعض المكسرات.
الراحة والتعافي
لا بد لك من الحصول على ما لا يقل عن 7 ساعات من النوم ليلاً لمنح العضلات الوقت الكافي لإعادة الإصلاح وبناء نفسها من جديد. كما أن النوم وحده قد لا يكون كافياً، إذ لا بد من الاسترخاء والتحكّم في التوتر لتقليل مستويات الكورتيزول، التي تُعيق بناء العضلات.
التدريب والاستخدام الصحيح للأوزان
القاعدة الأساسية لبناء العضلات هي إحداث التمزقات فيها من خلال التدريب، لكن نوعية التدريب ووزن الأثقال يتعلق بعاملين أساسيين هما، حجم التدريب وشدته، إذ يخدم كل منهما غرضين مختلفين:
1- حجم التدريب: إجمالي العمل المنجز خلال فترة زمنية مُحددة، ويحسب من:
(عدد المجموعات × تكرارات × وزن)
يُعد الحجم الكبير مثالياً لنمو العضلات لأنه يزيد وقت الشد العضلي ويحفّز تضخمها عن طريق إحداث تمزقات دقيقة في ألياف العضلات. بالنسبة لمن يهدفون إلى بناء العضلات، فإن إعطاء الأولوية للحجم يعني التركيز على المزيد من التكرارات والمجموعات والأوزان المعتدلة للاستمرار في جلسات أطول.
2- شدة التدريب: تُقاس شدة التدريب بـ "الحد الأقصى للتكرار الواحد" (1RM)، وهو الحد الأقصى للوزن الذي ترفعه مقارنة بأقصى وزن يمكنك رفعه في تكرار واحد. يمكن قياس شدة التدريب من:
100× (الوزن المرفوع/1RM)
تُعد الشدة العالية أساسية لاكتساب القوة والقدرة لأنها تتطلب بذل أقصى قوة وتجنيد ألياف عضلية سريعة الانقباض. يجب على من يستهدفون القوة إعطاء الأولوية للشدة من خلال رفع أوزان أثقل مع عدد أقل من التكرارات للوصول إلى أقصى حدودهم.
3- مدة التوتر: هي المدة التي تكون فيها العضلات تحت ضغط في أثناء التمرين. إبطاء الحركة قد يزيد مدة التوتر، ما يؤدي إلى نمو عضلي أكبر.
هل يمكن أن نبني العضلات بأوزان خفيفة؟
بالنسبة للمبتدئين أو كبار السن أو الذين يتعافون من إصابة حديثة، فلا يزال بإمكانهم بناء العضلات بأوزان خفيفة عوضاً عن الثقيلة، لكن ذلك يتطلب ضبطاً للعوامل الثلاثة، حجم التدريب وشدته ومدّة التوتر:
- زيادة الحجم: لإرهاق العضلات والوصول إلى مرحلة الإجهاد العضلي باستخدام أوزان خفيفة، لا بد من زيادة حجم التدريب من خلال زيادة التكرارات. غالباً ما يساعد التمرين لأكثر من 12-20 تكراراً في تعزيز نموّ العضلات.
- مدة التوتر: كلما طالت مدة بقاء العضلات تحت الضغط (متقلصة)، فإنها تتعرض لإجهاد أكثر، ما يحفّزها للتكيف والنمو. لذا، لتحقيق أقصى نمو للعضلات عند استخدام أوزان أخف، من الضروري إبطاء كل تكرار والتركيز على الحركات البطيئة والمُتحكم بها، ما يؤدي إلى استجابات تضخمية أفضل. على سبيل المثال، إنزال الوزن خلال 3-4 ثوانٍ ورفعه خلال ثانية أو ثانيتين، بما يضمن عمل العضلات بجهد طوال نطاق الحركة.
- شدة التمرين: الشرط الأساسي لبناء العضلات هو الوصول إلى مرحلة الإجهاد العضلي، وهي الحد الذي تصبح فيه عضلاتك عاجزة عن الانقباض بفاعلية، حيث تشعر بالتعب الشديد الذي يستدعي التوقف وأخذ قسط صغير من الراحة، كما في حمل الأوزان الثقيلة. ومع ذلك، تحقق الأوزان الخفيفة إجهاد العضلات أيضاً في حال زيادة عدد التكرارات والتركيز على الحركات البطيئة والمدروسة. كشفت دراسة نُشرت في "مجلة أبحاث القوة والتكييف" (Journal of Strength and Conditioning Research)، أن كلاً من الأوزان الخفيفة ذات التكرارات العالية والأوزان الثقيلة ذات التكرارات الأقل يمكن أن تؤدي إلى زيادة مماثلة في حجم العضلات، بشرط أن يكون التمرين قريباً من الإجهاد العضلي.
وفي دراسة برازيلية نُشرت في مجلة بلوس ون (PLOS One)، طلب الباحثون من المشاركين أداء إما مجموعات من (7-9) تكرارات بأوزان ثقيلة، أو مجموعات ما بين 21-36 تكراراً بوزن أخف، فأظهرت كلتا المجموعتين نمواً عضلياً متشابهاً.
اقرأ أيضاً: ما هي العضلات المستهدفة في تمرين السكوات؟
ما هي الأوزان الخفيفة؟
تختلف الأوزان الخفيفة بين فرد وآخر، حيث يؤثر مستوى اللياقة البدنية وسجل التدريب بشكل كبير في مدى خفة الوزن. عموماً تشير الأوزان الخفيفة إلى:
- أي وزن يمكنك رفعه 15 تكراراً أو أكثر قبل الوصول إلى مرحلة الإجهاد العضلي، عند دمجه مع حركات أبطأ أو مجموعات ممتدة. ومع ذلك، تحذّر خبيرة التغذية ومدربة بناء الأجسام تسنيم الصباغ، من تجاوز عدد التكرارات 30 دون الوصول إلى حالة الإرهاق العضلي، لأن ذلك يشير إلى أن النشاط قد تحوّل من تمرين بناء الأجسام الذي يعنى ببناء الكتلة العضلية، إلى تمرين كارديو يساعد على زيادة القدرة على التحمل.
- أي وزن يمثل 55-60% أو أقل من الحد الأقصى الذي يمكنك رفعه في تكرار واحد لتكرار واحد. على سبيل المثال، إذا كان الحد الأقصى للتكرار الواحد هو 90 كيلوغراماً، فإن وزناً يتراوح بين 50-54 كيلوغراماً تقريباً يندرج ضمن فئة "الوزن الخفيف".