وقع تشخيص "العقم" ليس سهلاً على الآباء أو الأطباء أبداً، فأن تخبر زوجين أنهما لن يكونا قادرين على تكليل زواجهما بطفلٍ هو بلا شك من أصعب المهام التي تقع على عاتق الطبيب. إلا أن "التلقيح الصناعي" جعل من تخطي ذلك ممكناً وفتح باباً واسعاً أعطى الأمل لآلاف الأزواج لخوض شعور الأمومة والأبوة.
ما هو التلقيح الصناعي؟
التلقيح الصناعي هو تسهيل عملية تلقيح الحيوانات المنوية للبويضة بمساعدة عوامل خارجية بشرية، وللتلقيح الصناعي نوعان، يُدعى النوع الأول بالإخصاب في المختبر (In Vitro Fertilization) ويتم فيه استخراج البويضات الناضجة من المبيض وتخصيبها بالحيوانات المنوية في المختبر بعد زرعها على وسط مغذي يؤمن كافة متطلباتها، حيث يؤدي هذا الوسط دور البطانة الرحمية التي تستقبل البيضة الملقحة، ليتم نقل البويضة الملقحة بعد ذلك إلى الرحم.
اقرأ أيضاً: ما أسباب العقم عند الذكور والإناث؟
أما النوع الآخر للتلقيح الصناعي فهو التلقيح ضمن الرحم (Intrauterine insemination) ويتضمن إدخال عينة من الحيوانات المنوية إلى جوف الرحم بشكل مباشر، وشرطه الأهم هو إيصال الحيوانات المنوية في الوقت الموافق للإباضة أي عند إطلاق البويضة من المبيضين للسماح لعملية التلقيح بالحدوث. وعادةً ما يستغرق الأمر ما يقرب أسبوعين بعد الإجراء لتحديد ما إذا كان العلاج ناجحاً أم لا.
متى يتم اللجوء إلى التلقيح الصناعي؟
يوفر التلقيح الصناعي علاجاً لمرضى العقم ويكون التلقيح الصناعي خياراً علاجياً جيداً في حال كان العقم ناجماً عن الحالات الصحية التالية:
- العقم عند السيدات اللاتي تجاوزن الأربعين عاماً.
- تلف قناة فالوب أو انسدادها: والذي يؤدي بدوره إلى صعوبة وصول الحيوانات المنوية لتخصيب البويضة أو صعوبة في نقل البويضة الملقحة إلى جوف الرحم.
- اضطرابات الإباضة: والتي يقل فيها عدد البويضات المتاحة للتلقيح.
- الإصابة بداء البطانة الرحمية الهاجرة: والذي يؤثر على وظيفة المبيضين والرحم وقناتي فالوب.
- الأورام الليفية الرحمية: نظراً لأنها تتداخل مع انغراس البويضة الملقحة في جوف الرحم.
- إجراء سابق لربط البوق: حيث يكون التلقيح الاصطناعي بديلاً لجراحة عكس ربط البوق.
- العقم الناجم عن ضعف إنتاج الحيوانات المنوية أو اضطراب وظيفتها: أحد أهم العوامل التي تجعل من تخصيب البويضة صعباً هو نقص تركيز الحيوانات المنوية أو ضعف حركتها، ويساعد التلقيح الصناعي في تجاوز هذه العقبة.
- الحفاظ على الخصوبة: تؤثر الإصابة بالسرطان وما تتطلبه من علاج كيميائي وإشعاعي على خصوبة الإناث والذكور على حد سواء، لهذا يكون التلقيح الصناعي أحد خيارات الحفاظ على الخصوبة، وذلك عن طريق حصاد البويضات وعينات السوائل المنوية وحفظها إلى حين الانتهاء من العلاج.
- عدم وجود رحم وظيفي: يعتبر التلقيح الصناعي خياراً للإناث اللاتي لا يملكن رحماً وظيفياً أو ممن يشكل الحمل خطراً عليهن. فهو يسمح بحصاد بويضات الأم وتلقيحها بنطاف الأب لتغرس البويضة الملقحة في رحم أنثى متبرعة للحمل بهذا الجنين إلى حين ولادته، إلا أن هذه الطريقة ما زالت مثيرة للجدل وغير متفق عليها في بعض المجتمعات.
- العقم مجهول السبب: وهو يعني عدم وجود سبب واضح للعقم، ويوضع هذا التشخيص بعد نفي الأسباب التي ذكرت أعلاه.
اقرأ أيضاً: 5 علامات تشير إلى أن فترة الإباضة لديك انتهت
نسبة نجاح التلقيح الصناعي
تتفاوت نسب نجاح التلقيح الصناعي باختلاف الطريقة المتبعة، حيث يعتبر الإخصاب في المختبر ذو نسب واعدة أكبر مقارنة بالتلقيح ضمن الرحم وخاصة بالنسبة للمرة الأولى. وتُقدر نسبة نجاح الإخصاب في المختبر بـ 48.2% ويعتمد ذلك بشكل كبير على عمر الأم والتحضير الجيد للإخصاب. من جهة أخرى، يقدر معدل نجاح التلقيح داخل الرحم بـ 5-15% وقد تنخفض هذه النسبة إلى 8% وذلك عند الأمهات ممن تجاوزن الأربعين عاماً، ومن هذه النقطة نُسلط الضوء على اعتماد دقة هذه الأرقام بشكل كبير على مجموعة من العوامل.
عوامل وشروط نجاح التلقيح الصناعي
تعتمد فرص ولادة طفل سليم بعد استخدام التلقيح الصناعي على عوامل مختلفة، بما في ذلك:
- عمر الأم: كلما كانت الأنثى أصغر سناً كلما ازداد احتمال حدوث الحمل وولادة طفل سليم باستخدام التلقيح الصناعي، إذ تتراجع جودة البيوض بعد سن الأربعين ما يهدد صحة الحمل ويزيد من فرص ولادة طفل غير سليم.
- عمر الأجنة عند النقل في الإخصاب في المختبر: يرتبط نقل الأجنة الأكثر تطوراً بمعدلات حمل أعلى مقارنة بالأجنة الأقل نمواً، ومع ذلك قد لا تنجو كل الأجنة إذ لا يعتبر ذلك العامل الحاسم الوحيد.
- التاريخ الإنجابي الإيجابي: النساء اللواتي سبق لهن الولادة باستخدام التلقيح الصناعي هن ذوات نسبة نجاح أعلى مقارنة بالنساء اللواتي لم يسبق لهن الإنجاب.
- سبب العقم: تتفاوت نسب النجاح بالعودة إلى سبب العقم، حيث تزداد فرص نجاح التلقيح الصناعي بغياب الأمراض التي تؤثر على الإباضة. ومن جهة أخرى، تعتبر الإناث المصابات بالبطانة الرحمية الهاجرة أقل حظاً بنجاح التلقيح الصناعي مقارنة بالإناث المصابات بالعقم مجهول السبب.
- نمط الحياة: عادةً ما يكون لدى الإناث المدخنات عدد أقل من البويضات مقارنة بغير المدخنات ما يقلل من فرص نجاح التلقيح الصناعي، كما يزداد حدوث الإجهاض عند المدخنات وبذلك يقلل التدخين من نجاح التلقيح الصناعي بنسبة 50%. من جهة أخرى، تقلل البدانة المفرطة من فرص نجاح التلقيح كما أن استهلاك الكحول والأدوية بشكل غير مدروس يؤدي دوراً كبيراً في حدوث ذلك.
ما يجب على الزوجين تجنبه أثناء التلقيح الصناعي
هناك مجموعة من الخطوط الحمراء عندما يتعلق الأمر بالتلقيح الصناعي وهي الاستمرار بالتدخين وشرب الكحول وتناول الأدوية دون إشراف الطبيب، لأنها تؤثر بشكل كبير في نوعية البيوض والحيوانات المنوية. من جهة أخرى، يُوصى بعدم إهمال الحالة الصحية والاستمرار في اعتماد نظام غذائي متكامل غني بالفيتامينات والمعادن والمحافظة على اللياقة. وأهم النصائح هي عدم تجاهل نصيحة الطبيب المختص والابتعاد عن التوتر والقلق والتساؤل المستمر فيما إذا كانت عملية التلقيح ستنجح أم لا، حيث يؤدي القلق دوراً في إخفاق عملية التلقيح.
اقرأ أيضاً: متى يمكن لآلام الدورة الشهرية أن تنقص الخصوبة عند الأنثى؟
ما أحدث ما توصل إليه العلم بخصوص التلقيح الصناعي؟
شهد مجال تقنيات التلقيح الصناعي أو الإنجاب المساعد العديد من التطورات الجديدة على مدى السنوات العشر الماضية، وحقق مجموعة من الانتصارات الصغيرة كابتكار تقنيات تحفيز جديدة تزيد عدد البويضات المطورة أثناء دورة الإخصاب في المختبر، الأمر الذي يعتبر بالغ الأهمية عند النساء اللاتي يعانين من ندرة الإباضة.
من جهة أخرى، تم توجيه الجهود نحو إيجاد طرق لتحسين جودة البويضات لدى السيدات المتقدمات في السن، حيث يزيد انخفاض جودة البويضات من فرص حدوث تشوهات جنينية كما يتسبب بزيادة خطر حدوث إجهاض للمحصول الحملي.
إضافة إلى ذلك، كان إرفاق التلقيح الصناعي باختبار جيني يكشف عن إصابة الأجنة بالأمراض الوراثية إنجازاً بالغ الأهمية وخاصة عند الأزواج ممن يحملون خطر توريث الأمراض، فعند وضع البويضات الملقحة في البيئة الحاضنة، يتم دراستها بحثاً عن أي تشوهات وراثية، ليتم نقل الجنين الأكثر صحة ليزرع داخل رحم الأم وينمو.
اقرأ أيضاً: خطوة الحمل الأولى: دليلك العلمي الشامل لأعراض تلقيح البويضة
ربما يكون موضوع التلقيح الصناعي أحد أكثر المواضيع إثارة للجدل في الكثير من المجتمعات، إذ أنه ما زال صعب القبول عند بعضها على الرغم من الأمل الكبير الذي يقدمه، وحتماً ستواجه أبحاث التلقيح الصناعي تحديات جديدة في المستقبل.