تخيل أنك تمشي بينما يوجد حجر في حذائك، يعوق كل خطوة تخطوها، ويزيد الألم تدريجياً حتى يصبح لا يُطاق. هذا ما قد يجده الشخص الذي يعاني البروز العظمي (Bunion)، وهو نتوء في الجانب الخارجي عند قاعدة إصبع القدم الكبير. قد يواجه هذا الشخص أيضاً صعوبة في ارتداء أحذيته المعتادة، وقد يفاقم التورم والألم في القدم هذا الوضع، فيضطر الشخص إلى البحث عن أحذية طبية مخصصة، أو حتى التخلي عن بعض الأنشطة اليومية مثل المشي مسافات طويلة. علاوة على أن الألم المستمر وصعوبة الحركة يمكن أن يؤثّران في مزاج الشخص، ويحدان قدرته على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية؛ إذ قد يتجنب حضور المناسبات الاجتماعية التي تتطلب الوقوف فترات طويلة أو ارتداء أحذية أنيقة، ما يؤثّر في ثقته بنفسه ويعزله اجتماعياً. في هذا المقال، نستعرض أسباب هذه الحالة وأعراضها ومضاعفاتها، بالإضافة إلى طرق إدارة الألم، واستراتيجيات لتقليل تطور هذا البروز بطرق طبيعية تعزز الراحة، وتحد من الألم، وتسهم في تحسين نوعية الحياة.
اقرأ أيضاً: ما هو سرطان العظام؟ وما الأعراض التي تكشف الإصابة به؟
ما هو البروز العظمي؟
البروز العظمي أو ما يُعرف طبياً بـ "إبهام القدم الأروح" أو "الوَكَعة"، هو حالة شائعة تتسم بتشوه في مفصل مشط القدم عند قاعدة إصبع القدم الكبير، ويؤثّر في ملايين الأشخاص حول العالم. يبدأ هذا التشوه بطريقة غير ملحوظة، وقد يتحول مع مرور الوقت إلى مصدر إزعاج وألم مستمرين، ما يعوق الأنشطة اليومية، ويؤثّر سلباً في جودة الحياة. وقد يتكون البروز العظمي عند قاعدة إصبع القدم الصغير بدلاً من إصبع القدم الكبير، ويعُرف بالبروز العظمي الصغير (الوكيعة).
يمكن أن يعاني المصاب بالبروز العظمي تورماً واحمراراً وألماً حول مفصل الإصبع أو تصلباً فيه، أو حركة محدودة للإصبع، وصعوبة في ارتداء أنواع معينة من الأحذية. قد يؤدي تفاقم الإصابة إلى مضاعفات تشمل ألماً مزمناً والتهاب الجراب، وهو التهاب الأكياس المملوءة بالسوائل التي توسد العظام، أو انحناء غير طبيعي في المفصل الأوسط لإصبع القدم (إصبع المطرقة). ويشخص مقدم الرعاية الصحية البروز العظمي من خلال الفحص البدني، وتاريخ المريض، والتصوير بالأشعة السينية لتحديد محاذاة العظام وشدة التشوه.
أسباب البروز العظمي
يحدث البروز العظمي نتيجة تغيرات معقدة في الهيكل العظمي والأنسجة الرخوة للقدم، ويتداخل مع مجموعة متنوعة من العوامل الوراثية والحياتية والصحية التي تؤدي إلى تشوه تدريجي في شكل القدم ووظيفتها، حيث يمكن أن ترجع الإصابة بالبروز العظمي إلى:
- عوامل وراثية: والتي تحدد سمات مثل بنية العظام، ومقاومة الأربطة التي قد تزيد الاستعداد الوراثي للإصابة بالبروز العظمي.
- اضطراب الهرمونات: يمكن أن يؤثّر اضطراب الهرمونات خلال فترات الحمل وانقطاع الطمث في مرونة الأربطة، ومنها أربطة القدم. لذلك، تُعدّ النساء أكثر عرضة للإصابة بالبروزات العظمية خاصة إذا كن يرتدين الأحذية الضيقة أو ذات الكعب العالي التي يمكن أن تفاقم الحالة. تفسّر استشارية العلاج الطبيعي لتخصص العظام في الولايات المتحدة الأميركية، مريم عبدالعظيم، لمنصة «بوبيولار ساينس»، سبب شيوع هذه الحالة عند النساء أكثر من الرجال، نظراً إلى مرونة أربطة أقدامهن، وهذا لا يعني أن لديهن ليونة زائدة وإنما هذه المرونة أكثر انتشاراً لديهن فقط، وتشير إلى أن الأدلة العلمية التي تؤكد إمكانية إصابة بعض النساء بالبروز العظمي في أثناء الحمل، حيث تبدأ الأربطة بالاسترخاء وتصبح أكثر ليونة، بحاجة إلى مزيد من الدراسات لتأكيدها. لكن في الغالب، مًن يعاني البروز العظمي بالقدم تكون أربطة أقدامه لينة.
- ارتداء أحذية غير مناسبة: قد يؤدي ارتداء الأحذية الضيقة من الأمام وذات الكعب المرتفع إلى تفاقم هذه الحالة. ولا يقتصر الأمر على الأحذية الضيقة من الأمام أو ذات الكعب العالي وحسب، فقد تكون مساحة مشط القدم في الحذاء واسعة ومريحة، لكن الحذاء نفسه غير مناسب للشخص، وقد يرجع ذلك إلى أن الفرشة الداخلية التي تلامس القدم تكون لينة ومرنة على نحو مُفرط، فيصبح لدى الشخص ليونة زائدة، مثلما تفيد عبد العظيم.
- السمنة: قد تسبب زيادة الوزن أحياناً هبوط قوس القدم، أو ما يُعرف بالقدم المسطحة، الذي قد يؤدي إلى ظهور هذا النتوء. كذلك، إذا كان الشخص يعاني زيادة في الوزن، فقد تميلُ قدماه عند المشي، فيلجأ الجسم إلى اتخاذ حركات تعويضية لمنع السقوط، وعندما تنحرف القدم إلى جانبٍ واحد، تنحرف أجزاء منها إلى الجانب المعاكس، وتنوّه عبد العظيم بأن مثل هذه الحالات يمكن علاجها بالعلاج الطبيعي، ما يمنع تفاقم الحالة.
- عوامل أخرى: مثل إصابات القدم أو وجود حالات صحية تؤثّر في المفاصل، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي. توضّح عبدالعظيم أن ظهور البروز العظمي لا يقتصر على حالات ليونة الأربطة فقط، فقد يكون اعتلالاً في الفخذ أو في القدم أو الكاحل، أو ليونة عامة في الجسم، أو اعتلالاً في النظام العضلي، أو ضعفاً في القوة العضلية في منطقة الظهر والبطن والحوض.
اقرأ أيضاً: كيف تختار الحذاء الملائم لشكل قدميك؟
ما هي الطرق المتاحة لعلاج البروزات العظمية ومنع تفاقمها؟
بصفة عامة، لا يمكننا القول إن هناك علاجاً نهائياً للبروز العظمي، فعلاج المشكلة يعتمد على معرفة السبب، لكن من الصعب أحياناً تحديد ما إذا كانت المشكلة ناتجة عن القدم أم الفخذ. تشرح عبدالعظيم ذلك فتقول إن القدم المسطحة قد تسبب مشكلات في الفخذ، حيث يؤدي غياب قوس القدم إلى تغيّر توزيع الوزن على الفخذ في أثناء المشي، ما يؤدي بدوره إلى ظهور هذا البروز، وقد يعاني الشخص قدماً مسطحة دون وجود مشكلة في الفخذ، وقد ينشأ البروز العظمي أحياناً نتيجة مشكلة في الفخذ نفسه، مثل ضعف في عضلات الفخذ، ما يُسبب الانحراف الذي يظهر أسفل القدم. فهناك عوامل عديدة يمكن أن تسبب البروز العظمي، بالإضافة إلى العوامل الوراثية ونمط الحياة. لذلك، يجب اللجوء إلى أخصائي علاج طبيعي لتقييم الحالة وتحديد العلاج المناسب. وفي الحالات الشديدة، قد تكون الجراحة ضرورية لاستئصال البروز العظمي، وإعادة تقويم إصبع القدم لتصحيح التشوه، وتخفيف الألم، أو قد يحتاج الشخص إلى العلاج الطبيعي، حيث يمكن أن تحسّن التمارين التي يصفها المعالج حركة القدم، وتقلل ألم البروز العظمي أو تمنع ظهور الحالة عند التدخل المبكر بجلسات العلاج الطبيعي، في حالة وجود استعداد وراثي.
طرق إدارة الألم ومنع تطور البروز العظمي
يمكن تقليل الألم وتخفيف الأعراض ومنع تفاقم الحالة عن طريق الآتي:
- الأجهزة التقويمية المخصصة أو المتاحة دون وصفة طبية: يمكن لهذه الأجهزة أن تساعد على توزيع الوزن بطريقة متساوية على القدم، وتقليل الضغط على البروز العظمي. فمثلاً، يمكن استخدام وسادات البروز العظمي لمنع الاحتكاك مع الحذاء، وقد يساعد ارتداء فواصل الأصابع والجبائر ليلاً على إعادة تقويم الأصابع، وتقليل الألم. لكن يجب ملاحظة أنها لا تُعدّ علاجاً بمفردها، وإنما قد تحافظ على النتائج إذا كان الشخص يخضع إلى العلاج الطبيعي. وفي المقابل، قد لا تكون الدعامة الخيار الأفضل، خاصة عندما ينحرف الإصبع بشكلٍ كبير جداً بزاوية حادّة، فيُثبّت الشخص هذه الدعامة لإصلاحه، لكن لأن القدم كلها قد انحرفت، فلن تمكن معالجة جزء واحد فقط منها، وهو الإصبع وترك القدم كلها، فالقدم نفسها أصبحت في اتجاه والإصبع منحرف في الجهة الأخرى. لذلك لا بُدّ من التدخل من قبل أخصائي، وليس الشخص نفسه، مثلما توضح عبدالعظيم.
- العلاجات المنزلية: يمكن وضع أكياس الثلج على البروز العظمي مدة 15-20 دقيقة عدة مرات في اليوم لتقليل التورم والألم، أو نقع القدمين في ماء دافئ إذ يمكن أن يريح العضلات، ويحسّن الدورة الدموية حول البروز العظمي، أو استخدام منشفة دافئة أو وسادة تدفئة لتخفيف الانزعاج. كذلك، يمكن أن يخفف تدليك البروز العظمي والمناطق المحيطة بها بانتظام الألم، ويحسّن الدورة الدموية. لذا، جرب أن تصنع معجوناً من الأعشاب المضادة للالتهابات، مثل الكركم أو الزنجبيل وضعه على البروز العظمي لتقليل الالتهاب، أو اغمر القدمين في ماء مملوء بالبابونج لتهدئة الألم وتقليل التورم.
- تغييرات في نمط الحياة: الحفاظ على وزن صحي وتقليل الوزن يمكن أن يقللا الضغط على القدمين ويخففا ألم البروز العظمي. كذلك يجب ارتداء الأحذية المناسبة لتقليل الضغط على البروز العظمي، وتجنب الأحذية ذات الكعب العالي والضيقة، مع أخذ فترات راحة للجلوس لتخفيف الضغط عن القدمين، إذا كان الشخص يقف فترات طويلة.
- إدارة الألم: يمكن أن تساعد مسكنات الألم المتاحة دون وصفة طبية مثل الباراسيتامول والإيبوبروفين، على إدارة الألم وتقليل الالتهاب. ويمكن استخدام مسكنات الألم الموضعية مثل الكريم والجل، التي تحتوي على مكونات مضادة للالتهابات مباشرة على البروز العظمي.
اقرأ أيضاً: تقنية جديدة تفتح آفاقاً في علاج العظام المكسورة والأسنان والتئام الجروح
5 تمارين سهلة وسريعة للقدمين يمكنك ممارستها يومياً لتقليل الألم الناتج عن بروز القدم وتقويمه
تُحسّن التمارين مرونة القدمين، وتقلِّل التصلب، وتقوّي العضلات المحيطة بالقدمين، ما يدعم الهيكل العظمي. كذلك، تساعد التمارين على تقليل الألم الناتج عن مشكلات القدم مثل البروز العظمي. ولتحقيق أفضل النتائج، حاول أداء التمارين التالية بانتظام:
- تمديد الأصابع: مد أصابع القدم للأمام مدة 5-10 ثوانٍ، ثم اثنها مدة 5-10 ثوانٍ، وكرر هذا التمرين 10 مرات.
- إمساك المنشفة: ضع منشفة صغيرة على الأرض، وحاول الإمساك بها بواسطة أصابع قدميك، واسحب المنشفة نحوك، ثم كرر هذه الحركة نحو 10 مرات.
- التقاط الكرات: ضع 10-20 كرة على الأرض ووعاء قريب، واجلس وحاول التقاط كل كرة باستخدام أصابع قدميك، ثم ضعها في الوعاء. وكرر ما سبق حتى تلتقط الكرات جميعها.
- رفع الأصابع: اجلس وارفع أصابع قدميك إلى الأعلى ثم اخفضها، وكرر ذلك 10-15 مرة.
- تدوير الكاحل: اجلس ودوّر كاحلك في اتجاه دوران عقارب الساعة ثم عكسه، وكرر ذلك 10 مرات لكل اتجاه.
بصفة عامة، تجب مراجعة الطبيب عندما يكون هناك ألم، أو عند ازدياد حجم البروز حتى دون ألم، فقد يزداد حجمه على نحو كبير وبمعدل سريع، خاصة إذا كان الشخص لا يرتدي أحذية ضاغطة، لذلك قد لا يشعر بالألم، وهو ما يُعرف بالتضخم الصامت. فطالما أن المشكلة هي انحراف زاوية إصبع القدم فيجب اللجوء إلى أخصائي علاج طبيعي متخصص في العظام، مثلما تؤكد عبدالعظيم، ليُقيّم هل المشكلة في الظهر أم الفخذ، وأين تحديداً تكمن المشكلة؟ وهل يمكن حلها؟ أم نحاول التعامل معها ونستخدم طرقاً لمنع تفاقمها؟